لم يقس أهل غزة آثار شائعة، قُرب حدوث عملية عسكرية إسرائيلية ضد غزة، قياسا علميا على حياتهم، ولم يتعلموا من تجاربهم السابقة، ليعرفوا أن هناك آثارا جانبية خطيرة على بنيتنا الاجتماعية والاقتصادية والنضالية، بسبب هذه الشائعة!
وكان من نتيجة تداوُل هذه الشائعة، بين فترة وأخرى، أنْ انتشرتْ أقوالٌ عديدة، وهي الأقوال الأكثر شعبية ومنها:
غزة ليست مدينةً للحياة، بل هي قبرٌ مفتوحٌ دائما لاستقبال جُثَث الضحايا!
غزة لا تصلح للاستثمار الاقتصادي، فمن يملك رصيدا ، عليه أن يبحث عن بلدٍ آخر!
غزة موطنٌ للمقعدين العاطلين عن العمل،أما العاملون فليس لهم سوى خيارٍ واحد، الهجرة!
غزة قنبلة موقوتة ، قابلة للانفجار في أية لحظة، فبعد سنواتٍ قليلة، سيُصاب ساكنوها بالربو الاجتماعي والصحي، لأن هواءها ملوثٌ، بعد أن يزول آخرُ لونٍ أخضر فيها بسبب الازدحام، وسيطغى ماءُ البحرُ على ما بقي فيها من مياهٍ صالحة للشرب،
إن الأقوال السابقة، ليستْ عفوية، وليست من قبيل التحذير الحريص، بل هي من إنتاج مصانع لإنتاج أسلحة الدمار النفسي، التي يقودها فريقٌ رعبٍ إعلاميٌ، وهي ترمي لتحويل غزة، من مدينة نضالية عابقة بالتاريخ، إلى مدينةٍ تنتظرُ الدمارَ والهلاك، مدينة الموت الآجل!
إنَّ إشاعةَ قُرب وقوع عملية عسكرية كُبرى، في كثيرٍ من وسائل الإعلام الفلسطينية، يجعلني أشكُّ في حسنِ نوايا هذه الوسائل، فإشاعة هذه النظرة التشاؤمية، ولا سيما بين أطفالنا وأجيالنا ، جريمةٌ تستحقُ العقاب!
مَن يتابع بعضَ وسائل الإعلام الفلسطينية، فإنه بسهولة يستطيع أن يكتشف أهدافها،فقد دأبتْ وسائلُ إعلامٍ كثيرة على مواصلة تذكير مَن يغفلون عن تريد شائعة، الحرب والدمار، والموت الخراب، وواصلتْ هذه الأبواق الإعلامية إحداث الرعب في نفوسهم، من منطلق حُسن النوايا تارة، ومن منطلق السبق الإعلامي طورا آخر، لأن التشاؤم في وطني هو سيدُ الموقف، ولأن التنبؤ بالكوارث، هو الطبقُ الشعبي السائد، الذي يدفع الناس إلى الاستماع إلى ما يقولون! أما التفاؤل والأمل فهو أكسد بضاعة!!
إن ما يحدث هو أمرٌ خطير في غزة، فلا يمرُّ وقت قصير حتى تُثارَ هذه الشائعةُ من جديد!
فكيف سيكون حالنا، لو كنَّا نملكُ عملة نقدية فلسطينية؟
فإن عملتنا ستنهارُ بين يومٍ وليلة!!
تعمد وسائلُ إعلامٍ كثيرة، بين الفترة والأخرى لالتقاط أقوالٍ تهديدية، بقرب وقوع عملية عسكرية إسرائيلية وشيكة على غزة، حتى وإن كان القول، لجنرالٍ إسرائيليٍ متقاعد، يود أن يعود للحلبة السياسية في إسرائيل، أو لجنديٍّ يعمل في فرقة الحرب النفسية والمعلوماتية في الجيش نفسه! وكأن غزةَ تعيشُ في رفاهية ورخاء، وأمنٍ وسلام، وكأن غزةَ ليستْ محاصرةً، ولا تعيش في حالة حرب دائمة وأزلية !!
ونتيجةً لذلك برزتْ فرق موسيقى الرعب في غزة، والتي يقودها عددٌ مِن الإعلاميين وقادة الأحزاب والمحللين السياسيين، ممن يعزفون ألحان، الزلازل والبراكين، والأعاصير والتسونامي، والمنخفضات الجيوسياسية، وتورنيدو العمليات العسكرية، ممن يرضخون للشائعة، ويرون أنها أسهل وسيلة، لنيل إعجاب سامعيهم!!!
تذكَّروا جيدا هذه الحقيقة:
أن فلسطين كلَّها لم تُحسَبْ يوما، طوال تاريخها القديم والحديث، بمساحتها الجغرافية، وعدد سكانها، ومخزوناتها من الثروات الطبيعية، بل كانت تُقاس بحجم ثرواتها من بطولات وتضحيات أبنائها، ظلَّتْ فلسطينُ دوما، تحكي لكل أجيال العالم، قصص الصمود والعزة، ظلَّت طوال التاريخ تزرعُ في أرضها الآمل والاستبشار ، بما يكفى لكل الأجيال! وظلَّت غزةُ فلسطين رَحِما ولودا، لأمل يستعصي على الهزيمة والانكسار، لذا فإن تدمير أسطورة غزة النضالية بأيدي أبنائها، وكسر إرادة إهالها، وهزيمتها نفسيا بشائعات أبنائها. سيُدمِّر كل الرصيد النضالي الفلسطيني!!