بدأنا نلاحظ نظرة سطحية وغير مبررة تكبر تجاه لغتنا العربية الأصيلة، قد نفهم ونتفهم أن يتحدث معك أحدهم باللغة الإنجليزية لعدم إتقانه العربية، لكن أن يتحدث مواطن عربي الإنجليزية ويريدك أن تخدمه، وهو يعطيك معلوماته بلغة لم يحسن استخدامها بشكل مفهوم، فهذه من أكبر الطرف التي قد تسمعها يوماً ماً، فالثقة بالنفس لها عدة أوجه، لكن أن تفاجأ بشخص يتحدث بلغة مكسرة، وهو يعلم أنك عربي وأنت تعلم أنه يمكن أن يساعد نفسه بالحديث معك بلغته، ولكنه يصر على المغالطة. وهنا تكون معضلة عميقة تعطيك دلالة واضحة على حجم الهزيمة في قلبه، دوماً تعتبر مثل هذه الأمور الفردية مؤشراً لظاهرة أعمق وأكبر وأكثر فداحة وخطورة.
في بلادنا الحبيبة يعيش نحو 206 جنسيات بين عابرة ومقيمة، ومن بينها 150 قومية، وتستعمل نحو 100 لهجة فضلاً عن عشرات اللغات، هذا التنوع الشديد قد يفهم، بل نتفهمه، لكن من غير المقبول إطلاقاً أن يكون على حساب لغتنا العربية، ولله الحمد، ومنذ وقت مبكر أدركت حكومتنا وقادتنا هذا الجانب، فتم سن قوانين واضحة وداعمة للغة العربية، ونحن نحتاج لدعم لغتنا بعدة جوانب لعل من أهمها وسائل الإعلام.
وفي هذا السياق، أتذكر خبراً جاء فيه أن مجموعة من نواب مجلس الدوما الروسي قدموا مشروع قانون يفرض غرامة على وسائل الإعلام الروسية، في حال استخدامها كلمات أجنبية لا تتفق ومعايير اللغة الروسية، وخبراً آخر من فرنسا أنه في العام 1994 صدر ما يعرف بقانون حماية اللغة الفرنسية، وينص على فرض غرامة مالية قدرها 20 ألف يورو على وسائل الإعلام التي تستخدم كلمات أجنبية. وتذكر كتب التاريخ أن الكوريين بعد احتلال اليابان بلادهم لفترة من الزمن بذلوا كل ما باستطاعتهم للحفاظ على لغتهم، ومن ضمن ما قاموا به تخصيص خمس قنوات رئيسة موجهة للأطفال، كما خصصوا في القنوات الأخرى وقتاً محدداً لبرامج الأطفال وجميعها تبث باللغة الكورية الفصحى.
والذي نصل له من هذا جميعه أن أي أمة من أمم الأرض تهتم وتولي لغتها عناية لن تكون خطواتها وجهودها في الإطار مستغربة أو مستهجنة، كما قد يتصور البعض، بل الجميع يعلم ويدرك أن من أبسط الحقوق الإنسانية لأي أمة أن تحافظ على هويتها وإرثها ومكتسباتها، لذا نحن اليوم وعلى مستوى عالمنا العربي بحاجة لبرامج وخطط لدعم لغتنا العربية وتقوية حضورها وتنمية الاهتمام بها