شهدت فكرة تأجير الأرحام انتشارا واسعا خلال السنوات الأخيرة، مع تزايد مراكز التخصيب وعمليات التلقيح الاصطناعي، وهي عمليات تتم خارج جسد المرأة بالكامل؛ إذ يتم زرع الجنين في رحم امرأة أخرى، ومن هنا جاء مسمى تأجير الأرحام الذي اعتمدت عليه الكثير من السيدات نظرا لمعاناتهن من مشكلات في الحمل، أو تكرّر موت الجنين، أو لوجود خطورة على حياتهن من الحمل.
وأثار إعلان سيدة مصرية على شبكة الإنترنت رغبتها في تأجير رحمها لمن تريد الإنجاب، ولديها مشكلات صحية، مقابل الحصول على 2500 دولار ونفقة شهرية أثناء الحمل، استنكار علماء الدين الذين تباينت آراؤهم؛ فهناك من أفتى بجواز ذلك، وهناك من رفضه بشدة معتبرا إياه محرّما شرعا.
كما طرح مسلسل "ولاد تسعة" -الذي عرض مؤخرا على إحدى القنوات المشفرة- فكرة "تأجير الأرحام"، مما أثار أزمة بين مشايخ الأزهر -الذي أصدر فتوى تقرّ بأنه نوع من الزنا- ونقابة الأطباء من جهة ومعدي المسلسل من جهة أخرى، الذين تناولوا هذه القضية المنتشرة في أوروبا وأميركا وبعض الدول الآسيوية، والمحرمة في المجتمعات العربية والإسلامية.
وقال الدكتور اللواء عاطف عزت -نائب مدير مستشفى الشرطة بالعجوزة، وأحد أهم الاستشاريين بمصر في تخصصات النساء والتوليد- في تصريحات لصحيفة محلية إن "تأجير الأرحام" مخالف للشرع ومحرم تماماً، ويعاقب عليه القانون، والطبيب الذي يجري هذا النوع من العمليات يعاقب ويتم شطبه ويحول إلى لجنة القيم والآداب التابعة للنقابة.
ومن جانبه رد مؤلف المسلسل فداء الشندويلي على هذه التصريحات قائلا "إن الفن له هدف نبيل وهو توعية الجمهور والمشاهدين"، مشيراً إلى أن "استئجار الأرحام معروف في العالم كله والدراما لها جانب توعوي، وعند تقديم "ولاد تسعة"ومناقشته لتلك الفكرة نؤكد أنها حرام شرعاً ومرفوضة قانوناً، والدين حرمها مثل الزنا، ولكني قدمتها بشكل درامي بهدف حماية الناس من الوقوع فى هذا الخطأ".
وأضاف الشندويلي أن حلقات المسلسل توضح بشكل كامل هذا الأمر وفيها الرد على جميع الاستشاريين والخبراء والدعاة الذين يتهمون العمل بأنه يُشوش على الجمهور، إذ يؤكد العمل أن استئجار الأرحام خطأ إنساني وحرام شرعا وقانونا.
ويعتبر مختصون أن هذه العمليات ليست آمنة لذلك يلجأ الطبيب إلى زرع أكثر من جنين في رحم المرأة البديلة لزيادة نسب النجاح، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى إنجاب توأم، ما يؤثر على صحة الأم البديلة ويعرضها للكثير من المخاطر والمشكلات الصحية.
وحول أسباب لجوء الزوجين إلى عملية تأجير الأرحام، يقول الدكتور وائل البنا -أخصائي النساء والتوليد- "هناك زوجات كثيرات يلجأن إلى فكرة استئجار الأرحام رغبةً منهن في الحصول على أطفال، وذلك بعد فشل كل محاولاتهن للإنجاب، حيث تبدأ العملية من خلال اختيار سيدة لها الكثير من الجينات الوراثية الشبيهة للأم صاحبة البويضة، وحقنها ببعض هرمونات "الأستروجين" لتقوية بطانة الرحم حتى يمكن زرع البويضة المخصبة بسهولة، وفي اليوم الرابع عشر للدورة الشهرية يتم حقن هذه السيدة بالبويضة في الرحم، وتتم متابعتها لمدة أسبوعين حتى التأكد من حدوث حمل.
وأشار إلى أنه على الرغم من أن هذه العمليات فعالة فإن لها الكثير من الأضرار، لأن نسبة كبيرة من الأطفال يولدون ضعاف البنية، وأحيانا يولد أطفال مشوهون، كما قد تُصاب المرأة المضيفة للبويضة بالتسمم، وهو ما يؤدي إلى الإجهاض وعدم اكتمال الحمل، مؤكدا أن نسبة نجاح عملية تأجير الأرحام لا تتعدى الـ20 بالمئة.
ولفت البنا إلى أن هذه الوسيلة منتشرة كثيرا في الغرب بسبب طبيعة الثقافة الغربية التي تبيح الحمل والإنجاب خارج نطاق الحياة الجنسية الطبيعية، لكن المخيف هو انتشار هذه الطريقة في البلاد العربية، مؤكدا أنها بدأت تغزو الكثير من الدول الشرقية من خلال قيام البعض من مراكز التخصيب بهذه العمليات في الخفاء، أو من خلال الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يتم من خلالها الإعلان عن استعداد سيدات لتأجير أرحامهن مقابل الحصول على مبلغ معين من المال، على أن يتم تحديد المبلغ حسب الحالة المادية لأطراف العملية.
ونبه إلى أن الكثير من الأزواج ممن لم يرزقوا بالأطفال يلجأون إلى هذه الطريقة على الرغم من رفضها وتحريمها من قبل رجال الدين، مؤكدا أن الديانتين الإسلامية والمسيحية في مصر رفضتا بيع البويضات والحيوانات المنوية وتأجير الأرحام.
وتوضح الدكتورة ماجدة هزاع -رئيسة قسم الفقه المقارن بكلية البنات التابعة لجامعة الأزهر- أن عمليات استئجار الأرحام محرمة شرعا على الرغم من وجود خلاف بين العلماء، فهناك بعض الآراء التي تجيز استئجار الأرحام، معتبرة أن هذا من شأنه أن يحل الكثير من المشكلات التي يعاني منها الأزواج كالعقم، وللمحافظة على الترابط الأسري، ولكن مع اعتبار المرأة المستأجرة أما حاضنة، وصاحبة البويضة هي الأم الأصلية.
وأشارت إلى أن الرأي الغالب يرى أن قاعدة درء المفاسد مقدمة على جلب المصالح لما تشتمل عليه هذه الأرحام من مفاسد تفوق المصالح، وأن إجازة المرأة المتزوجة رحمها لحمل لقيحة الآخر لا يؤمن معها اختلاط الأنساب، لأنه من الممكن أن تكون صاحبة الرحم في حالة تبويض، ويكون احتمال أن تحمل في حالة قيام علاقة جنسية مع زوجها واردا جدا، وهو الأمر الذي يؤدي إلى اختلاط الأنساب ونسبة الولد إلى غير والديه الحقيقيين، وهو ما حرّمه الشرع.
وأضافت هزاع أن من بين الأسباب التي تم الاعتماد عليها في تحريم استئجار الأرحام امتهان كرامة المرأة، بالإضافة إلى المفاسد التي تنتج عن تأجير المرأة رحمها لأكثر من أسرة. ولفتت إلى أن هناك الكثير من الحالات التي تنشأ فيها خلافات بين المرأة صاحبة التلقيح والمرأة المستأجرة، مثل الخلاف على باقي أجرتها، أو عدم رغبتها في استكمال الحمل، أو عدم رغبة الأم استلام الطفل بسبب وجود تشوهات مما يقتضي عدم جواز إجازة المرأة رحمها لأنه يلحق بها أضرارا كثيرة.