هل تقبلين الزواج من رجل مخلوع؟ سؤال تجيب عليه غالبية الفتيات بالرفض، كونهن ينظرن إليه على أنه كان سيء المعاملة لزوجته ويتصف بسوء المعاشرة وله الكثير من السلبيات، مما جعلها تلجأ إلى الخلع. وفي دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة، وُجد أن نسبة النساء اللائي يرفضن الزواج من الرجل المخلوع تصل إلى أكثر من 61 بالمئة، حيث أنهن يعتقدن أن هذا الرجل يفقد اعتباره وجزءا كبيرا من رجولته بمجرد الخلع، لأنه لم يطلّق زوجته بإرادته وأجبرها على الحياة معه رغما عنها، لذلك فهو يجد صعوبة كبيرة في تقبله من قبل نساء أخريات باعتباره رجلا مخلوعا.
وأظهرت الدراسة أن المصريات يرفضن الزواج من الزوج المخلوع، لأنه لم يكن صاحب القرار في الانفصال عن زوجته ولكنه أجبر على ذلك بعد أن اختارت الزوجة الطلاق منه، وجاء الرفض في الدراسة من كافة أنواع النساء من عذارى ومطلقات وأرامل وفتيات يعشن في سنّ العنوسة.
وأثبتت الدراسة أن 89 بالمئة من النساء يرفضن الارتباط بزوج مخلوع، ولم يقتصر هذا الأمر على المدن فقط بل وُجد في القرى أيضا، معتبرات أن الزوج المخلوع فقد جزءا كبيرا من شخصيته المجتمعية.
يشار إلى أن قانون الخلع الصادر في مصر سنة 2000 جاء لينصف الزوجة التي تريد الانفصال عن زوجها وضد تعنّت هذا الأخير في الاستجابة لرغبتها، معتبرا أن الطلاق حكر عليه وهو صاحب القرار الفصل.
وأوضحت سهير كامل، المشرفة على الدراسة، أن الفتيات يعتبرن الرجل المخلوع نموذجا غريبا لا يمكن الاعتماد عليه في حياة زوجية جديدة بسبب فشله في تجربته الأولى، لافتة إلى أنه على الرغم من تدنّي نظرة المجتمع للمرأة المطلقة التي لم تستطع تحمل زوجها، فإنها لم تصل إلى نفس الدرجة التي ينظر بها إلى الرجل المخلوع الذي رفضته زوجته.
وأشارت إلى أن نسبة كبيرة من أفراد أسرة الزوجة يجدون صعوبة في أن يتعايشوا مع زوج ابنتهم وقد خلعته زوجته الأولى، بينما يقبلون زواجها من مطلق، حيث وصلت هذه النسبة إلى 45 بالمئة و59 بالمئة، ووُجد أن أغلب الرجال المخلوعين لا يتقدمون لخطبة فتاة أخرى حتى لا يقابلون بالرفض والانتقاد من قبل الفتاة وأهلها.
وتعددت الأسباب التي ذكرتها المشاركات في الدراسة لرفضهن الارتباط بالرجل المخلوع، ومنها عدم احتمال الحياة مع رجل مخلوع ونظرة المجتمع للرجل الذي رفضت زوجته العيش معه والتساؤل حول الأسباب التي جعلت زوجته ترفض العيش معه.
وكشفت إحصائية أعدتها محكمة الأسرة المصرية، إلى أن 60 بالمئة من الرجال المخلوعين يخشون نظرة المجتمع لهم، و40 بالمئة من النساء يرفضن الارتباط برجل مرّ بتجربة الوقوف أمام محاكم الأسرة، و68 بالمئة من السيدات اللائي أقمن دعاوى ضد أزواجهن يرين أنهم يفتقدون لكل سمات الرجولة لذلك لم يستطعن الحياة معهم.
حول ذلك يقول أحمد مصطفى، أستاذ علم النفس الاجتماعي بالجامعة الأميركية في القاهرة “المشكلة تتمثل في ثقافة المجتمعات الشرقية التي أنشأت الولد على أنه الآمر الناهي في العلاقة الزوجية وبدونه تنفلت زمام الأمور، لذلك ينظر المجتمع إلى الرجل المطلّق على أنه قويّ الشخصية مسيطر لأنه طلّق زوجته ولم تستطع التحكم فيه، أما الرجل المخلوع فهو ضعيف وفقد جزءا كبيرا من رجولته بسبب أن زوجته خلعته ولم تستطع العيش معه، فهو بذلك فقد جزءا كبيرا من هيبته، حتى ولو كان هو المظلوم في العلاقة”.
وأكد مصطفى أن الإحصائيات تؤكد تراجع نسبة إقدام الرجل المخلوع على الارتباط والزواج مرة أخرى بسبب نظرة المجتمع له على الرغم من كونها نظرة غير موضوعية إلا أنها تتحكم في مصيره ومستقبله، فكلمة مخلوع في المدلول النفسي معناها المنبوذ والمرفوض.
ويلفت مصطفى إلى أن هناك العديد من الأسباب التي تقود المرأة إلى خلع زوجها، ولا تكون جميعها وصمة عار على الرجل، فبعض النساء يستخدمن أسبابا غير حقيقية وملتوية من أجل الحصول على حريّتهن، أو لوجود علاقة مع رجل آخر، وهنا تكون المرأة هي المذنبة، لذلك لا يجب رفض الرجل المخلوع لمجرد أن زوجته خلعته، لكن يجب الحكم من خلال شخصيته وطباعه وكيفية تعامله مع الآخرين، واعتبار أن الزواج الأول علاقة فاشلة لم تنجح في الاستمرار، كما على الرجل أن يحسّن من شخصيته ويعرف العوامل السلبية التي أدت إلى تخلص زوجته منه من خلال الخلع لكي يستطيع الدخول في علاقة عاطفية أخرى.
وعن نظرة المجتمع للرجل المخلوع، توضح راندة حسين، أخصائية الصحة النفسية في مصر، أن نظرة المجتمع للرجل المخلوع من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على نفسيته، ففي كثير من الأحيان يكون الرجل المخلوع مظلوما، لذلك لا بد أن يثق المجتمع بهذه الشريحة، لأنه لا يوجد أيّ دافع لرفض هذا الرجل خاصة إذا كان مستقيما من ناحية الأخلاق، فلا بد من معرفة الأسباب التي أدت إلى الخلع في البداية، ثم الحكم عليه، وهل هذه الأسباب تمنعه من الارتباط مرة أخرى أم لا.
وأشارت حسين إلى أن رفض الرجل المخلوع من شأنه أن يصيبه بالعزلة والانطواء بسبب أنه غير مرغوب فيه من قبل الفتيات ومن قبل زوجته الأولى التي لم تستطع العيش معه، مؤكدة أنه لا يجب الحكم على هذا الرجل لمجرد أنه مخلوع وإطلاق العنان للخيال لكي يأخذنا إلى أشياء وهمية، فالرجل المخلوع ليس منتهيَ الصلاحية كما يصوّر للبعض، لكنه فشل في تجربته العاطفية مثله مثل أيّ شخص آخر.
وأكد مختصون في علم الاجتماع أن آثار الخلع لا تقل وطأة عن الآثار السلبية للطلاق على الحالة النفسية للأطفال خاصة في سن المراهقة، ونبهوا إلى عدم التباهي أمام الأبناء بالفوز بالخلع، والسعي إلى توضيح الأسباب التي أدت إليه دون المساس بصورة الشريك والحط من قيمته، حتى لا يفقد صورته ودوره الأساسي في حياتهم.