ما زالت عادة خطف الفتيات بهدف الزواج قائمة في تركيا. وعادة ما يوافق الأهل على تزويج الفتاة من الخاطف لتجنّب "العار"، علماً أنّ البعض يحمّل الحكومة مسؤولية التقصير في التصدي لهذه الظاهرة
ما زالت عادة خطف الفتيات، سواء أكان برضاهنّ أم لا، إحدى وسائل الزواج الشائعة في تركيا، خصوصاً في الأرياف، رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومات المتعاقبة في هذا الشأن منذ تأسيس الجمهوريّة التركيّة. وفي ظلّ عدم وجود إحصائيّات واضحة عن مدى انتشارها، إلّا أنّ الإعلام التركي لا يخلو من قصص تتعلّق بهؤلاء الفتيات، اللّواتي غالباً ما يضطررن إلى الزواج من خاطفيهن من خلال اتفاقيّات عائليّة "لدرء الفضيحة" و"غسل العار"، بدلاً من اللجوء إلى قتل الفتاة وربّما خاطفها.
وعادت القضيّة إلى الواجهة بعدما اتّهم أحد نوّاب المعارضة الحكومة والأمن بالتقصير في متابعة هذه القضيّة، مشيراً إلى منطقة كيراز التابعة لولاية إزمير (غرب)، والتي تعدّ إحدى أكثر المناطق التي تشهد حالات خطف فتيات، بمعدّل 20 حالة العام الماضي، وحالتين منذ بداية العام الجاري. صحيح أنّ أهالي الفتيات قدّموا شكاوى ضدّ الخاطفين، إلّا أنّ 19 منهم سحبوها في وقت لاحق، بعد التفاهم مع الخاطفين وتزويج الفتيات.
وتشير رئيسة بلديّة منطقة كيراز، صالحة أوزجنار، إلى أنّ قريتين تابعتين للمنطقة تشهدان سنويّاً ما لا يقلّ عن عشرين حالة خطف فتيات تتراوح أعمارهنّ ما بين 12 عاماً و21 عاماً، موضحة أنّ الغالبيّة هنّ في سنّ الرابعة عشرة. تضيف أنّ هذه القرى لا تشهد حفلات زفاف بسبب عمليّات الخطف.
إلى ذلك، يقول أحد أبناء المنطقة من المقيمين في إسطنبول، أوميد أيدن، إنّ ما يحصل بات أمراً عادياً ومعروفاً، وغالباً ما يكون للمخاتير دور كبير. ففي حال أُعجب شاب بفتاة، يلجأ إلى خطفها، بغضّ النظر عما إذا كانت ترغب في الزواج منه أم لا. وقد يختار الخطف في حال رفضه أهلها، أو من دون أن يُحاول طلب يدها حتى. بعدها، يتوسّط المخاتير للصلح مع العائلة من خلال دفع مبلغ مالي يقدّر بحسب عمر الفتاة. يشار إلى أنّه باتت هناك أسعار متعارف عليها، إذ يدفع أهل الخاطف لولي أمر الفتاة 40 ألف ليرة تركية (نحو 11 ألف دولار)، في حال كانت في الثانية عشرة من عمرها، و30 ألف ليرة (نحو 8 آلاف دولار)، في حال كانت في الثالثة عشرة من عمرها، و25 ألفاً (نحو 7 آلاف دولار)، في حال كانت في الرابعة عشرة، و20 ألفاً (نحو 5 آلاف و500 دولار)، في حال كانت في الخامسة عشرة. وإذا ما نجحت وساطة المختار، وهو ما يحدث غالباً، يلجأ الطرفان إلى تزويج الفتاة من دون توثيق العقد في دوائر الدولة في حال كانت الفتاة ما دون السابعة عشرة، لأن القانون لا يسمح بذلك.
يضيف أيدن أنّ المشكلة تكمن في عقليّة أبناء تلك المنطقة. برأيهم، "ما حدث قد حدث، وقد باتت الفتاة نجسة". لذلك، يلجأون إلى تزويجها غسلاً للعار الذي قد توصم به العائلة في حال أعادها الأهل إلى المنزل. وبالتالي، لن يتقدّم أحد لخطبة الفتاة المخطوفة أو شقيقاتها، وقد تضطر العائلة إلى ترك المنطقة.
إلّا أنّ عائلة شريفة أفشار (15 عاماً)، اختارت التمرّد، وتمكنت بمساعدة الشرطة من استعادة ابنتها بعد خطفها لمدّة 85 يوماً. تقول: "ليلة السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، وبينما كنت في حوش منزلنا في القرية، قابلت أخي بالرضاعة، وطلب مني الذهاب معه إلى منزلهم، فخطفني نجاتي غيديك (18 عاماً)، بمساعدة شاب آخر. قاداني إلى قريتهما وقد سلكا طرقاً فرعيّة. مكثتُ هناك كل تلك الفترة. حاولت الهرب مرتين من دون أن أنجح. وحين جاءت الشرطة، خبأوني في زريبة، ثمّ أخذوني إلى منزل آخر. كان سكان القرية يعلمون بأنّني مخطوفة، من دون أن يبلّغوا الشرطة، لأنهم يتزوجون بهذه الطريقة".
ولا تنحصر حالات خطف الفتيات في بعض المناطق الغربيّة، بل تكاد تكون أمراً عادياً في مناطق شرق وجنوب ووسط الأناضول. آخر هذه الحوادث كانت خطف فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً في ولاية ماردين (شرق)، لمدة 12 يوماً، قبل أن تتمكّن قوّات الشرطة من تحريرها. جار الفتاة (55 عاماً) كان قد طلب يدها على أمل أن تنجب له ذكراً، إذ إنّ زوجته الحاليّة أنجبت له سبع فتيات. وبعد رفض والدها، عمد الجار إلى خطف الفتاة بهدف الزواج منها.
وترى الناشطة النسويّة، أيلين تيزجان، أنّ استمرار خطف الفتيات مرتبط بعدم الاهتمام بالتعليم، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة وسيطرة العادات العشائرية في عدد من مناطق جنوب وشرق تركيا، وضعف برامج التوعية الاجتماعية الحكومية في العديد من المناطق، خصوصاً المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية.
من جهتها، تؤكّد وزيرة الأسرة والسياسات الاجتماعيّة، فاطمة بتول سايان كايا، أنّ الوزارة ستّتخذ الإجراءات الضرورية بهدف مواجهة العادات والتقاليد البالية. تقول: "نحاول رفع مستوى تعليم الفتيات لتقوية مواقعهن في المجتمع. يجب أن تنتهي العادات البالية، مثل دفع المهور والأموال في مقابل الزواج. هذه أمور غير مقبولة تساهم في الحدّ من حريّة الأشخاص والتعامل مع الفتاة وكأنّها شيء يباع ويشترى. الزواج مهمّ للغاية، ويجب أن يتم برضى أولئك الذين تتجاوز أعمارهم السن المحدّد بالقانون".