يتخوف المدافعون عن حقوق المرأة في روسيا من توسع نطاق العنف المنزلي بعد تخفيف العقوبة وإخراج هذا النوع من الممارسات من تحت إطار القانون الجنائي في حال وقوع العنف للمرة الأولى. وفيما يعتبر معدّو التعديلات الجديدة على القنون أنّه يقلل من تدخل الدولة في حياة الأسرة الروسية، يعارض كثيرون ذلك التفسير.
في هذا الإطار، تعتبر المحامية ومديرة مشروع "لا للعنف" آنا ريفينا أنّ قرار تعديل القانون كان خطأ منذ البداية، لأنّه قد يجعل العنف المنزلي مقبولاً اجتماعياً على مستوى واسع.
تتابع ريفينا في حديثها: "حوّل هذا القانون، في الواقع، تصنيف العنف المنزلي من جريمة جنائية إلى مخالفة إدارية تعاقب بالحبس لمدة 15 يوماً فقط وغرامة مالية سيجري دفعها في جميع الأحوال من ميزانية الأسرة وليس من المال الخاص بالجاني. وحتى من أجل مساءلة الجاني بموجب القانون الإداري، يتعين على الضحية جمع الأدلة بمعرفتها، بينما يجب على الدولة حماية جميع المواطنين". وتوضح أنّ العنف المنزلي هو في أحيان كثيرة تتويج لضغوط نفسية لدى الجاني ومحاولة لضرب ثقة الضحية بنفسها بالدرجة الأولى.
أما في ما يتعلق بأسباب الظاهرة في روسيا، فتضيف: "هذه الظاهرة عالمية، ويعود انتشارها بالذات إلى مدى التسامح معها. لكنّ هناك توجهاً في روسيا لتحميل الضحية المسؤولية عما تتعرض له، كما تمتنع الشرطة عن التدخل قبل بلوغ الاعتداءات مرحلة القتل في بعض الأحيان". وتضرب ريفينا مثلاً على ذلك، مشيرة إلى حادثة وقعت في مدينة أوريول (غرب) حيث استمر رجل في ضرب امرأة مما أدى إلى وفاتها في نهاية المطاف. وتعود قصة أوريول إلى نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما رفضت الشرطة التوجه إلى الموقع الذي كانت تدور فيه حادثة الضرب، قبل أن تلفظ المرأة أنفاسها الأخيرة في مستشفى متأثرة بالإصابات.
وحول ما إذا كان العنف المنزلي ظاهرة عامة أم تقتصر على الطبقات المهمشة من مدمني الكحول والمخدرات، تضيف ريفينا: "يحدث ذلك في جميع الطبقات الاجتماعية، لكنّ الطبقات الراقية تسعى إلى عدم تسريب المعلومات خارج المنزل، بينما قصص الأسر الفقيرة هي الأكثر خروجاً إلى العلن".
يعرّف القانون، بتعديلاته الأخيرة التي وقّعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، الضرب بأنّه عمل يسبب آلاماً من دون إحداث خلل صحي أو فقدان القدرة على العمل، وبذلك فهو ليس "جناية". لكن، ما زال الإضرار بالصحة يقع تحت طائلة القانون الجنائي.
أثار القانون الجديد جدلاً واسعاً في روسيا نظراً لخطورة القضية، إذ تشير البيانات الإحصائية إلى أنّ نحو 40 في المائة من جرائم العنف في روسيا تُرتكب في المنازل، وبذلك تندرج ضمن مفهوم العنف المنزلي. وبحسب هذه البيانات، فإنّ 93 في المائة من ضحايا العنف المنزلي هن من النساء، و7 في المائة فقط من الرجال، فيما تتعرض نحو 36 ألف امرأة للضرب على أيدي أزواجهن يومياً. وتظهر الأرقام المخيفة أنّ العنف المنزلي يودي بحياة أكثر من 14 ألف امرأة و2000 طفل في روسيا سنوياً، بالإضافة إلى 2000 طفل ومراهق تدفعهم قسوة ذويهم إلى الانتحار.
ومنذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، جرى إعداد أكثر من 40 مشروع قانون حول العنف المنزلي في روسيا. وينص القانون الجديد على معاقبة الجاني عند ارتكابه "المخالفة" للمرة الأولى بالحبس لمدة تتراوح بين 10 أيام و15 يوماً أو بغرامة مالية تصل إلى 30 ألف روبل (نحو 500 دولار أميركي) أو العمل الإلزامي لفترة من 60 إلى 120 ساعة. وفي حال إقدام الجاني على العنف المنزلي للمرة الثانية، فإنه سيقع تحت طائلة القانون الجنائي، مما يعرضه للحبس ثلاثة أشهر أو العمل الإلزامي لمدة تصل إلى نصف عام.
وأثناء مناقشة القانون، رأى معدّوه أنه سيساعد في الحدّ من تدخل الدولة في شؤون الأسرة، كما حظي مشروع القانون بتأييد نحو 60 في المائة من سكان روسيا مقابل معارضة 13 في المائة فقط، وفق استطلاع أجراه المركز الروسي لدراسة الرأي العام.
في المقابل، وبالترافق مع تنديد المدافعين عن حقوق المرأة في روسيا بالقانون الجديد، اعتبره الاتحاد الأوروبي خطوة إلى الوراء في مجال مكافحة العنف المنزلي في روسيا. وعلاوة على ذلك، يواجه القانون انتقادات بسبب إدراجه العنف المنزلي ضمن مجال "الاتهام الخاص" مما يضع على عاتق الضحية مسؤولية جمع الأدلة عن طريق تصوير الكدمات، مثلاً، والحصول على شهادات طبية من نقاط الإسعاف وإيجاد شهود عيان وغير ذلك.