الشاعرة المبدعة نزيهة أباكريم هي أمازيغية من مواليد مدينة تزنيت – المغرب- استاذة اللغة الانجليزية بالثانوية التأهيلية، وهي فاعلة جمعوية، وشاعرة مبدعة في مجال الانشودة التربوية باللغتين الامازيغية والعربية، وهي عضو بالمجلس الجماعي لمدينة تزنيت، ورئيسة اللجنة المكلفة بالتنمية البشرية والشؤون الاجتماعية والثقافية والرياضية سابقا بنفس المدينة.
بالإضافة الى انها حاصلة على بطاقة مبدعة من هيأة المؤلفين والملحنين و ناشري الموسيقى الكائن مقرها بباريس سنة 2005، وأصدرت العديد من البوماتها في انشودة الطفل باللغة الامازيغية سنة 2005، فهي ايضا مؤلفة و ملحنة أغنية "تيزنيت تيتريت" باللغة الأمازيغية و مشرفة على فيديو كليب "تيزنيت تيتريت" سنـة 2009، مؤلفة أنشودة "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" باللغة العربية و مشرفة على تصوير فيلم وثائقي حول مشاريعها بالإقليم تيزنيت سنـة 2009.
شاعرة أمازيغية : أصدرت ديوان "ئسني" سنة 2012. و أشرفت على كليب فيديو " أمان ئيمان ن تودرت" ( التأليف و الإخراج) الذي شاركت به في فعاليات قمة الأطراف COP 22 المنظمة بمراكش نونبر 2016.
" وكالة أخبار المرأة " أجرت حوار صحفي مع الشاعرة المغربية نزية أباكريم وفيما يلي نصه:
* كيف كانت تجربتك مع الشعر ؟
- تجربتي مع الشعر مرت بمراحل عدة، في البداية كانت محاولات لترجمة مشاعر جياشة تنتابني خلال زياراتي لمواقع و مناطق داخل البلاد و خارجها، بحيث كنت أتفاعل مع ما أعيشه في تلك اللحظات بكتابة الشعر و محاورة القرطاس و القلم، و بعدما اكتشفت ميولاتي إلى هذا الجنس الأدبي، انكببت على القراءة في المجالات المتصلة بصناعة الشعر العربي و الأمازيغي بهدف جعل إنتاجاتي الشعرية تستجيب للمعايير و القواعد المتعارف عليها من طرف النقاد و المهتمين بالشعر، كما أصبحت أحضر مجموعة من الملتقيات الشعرية.
غير أن اهتمامي بالعمل الجمعوي و انخراطي في الشأن العام جعلني أحتك بالقضايا الاجتماعية و السياسية و الثقافية لمجتمعنا و خاصة تلك المتعلقة بوضعية المرأة و الطفل و الشباب، و بالتالي أقف على حاجة بلادنا إلى مجهود تربوي تحسيسي في هذه الأوساط لأجل تعبئتها و شحد همها في سبيل تغيير السلوك و الممارسات نحو الأحسن... و لأجل تلبية هذه الحاجة إلى التعبئة و التحسيس و انطلاقا من تكويني كأستاذة في اللغو و التواصل، وجدت في الشعر و الأنشودة الوسيلة الأنجع لتمرير الرسائل التربوية اللازمة ، فانتقلت إلى مرحلة أخرى من تجربتي مع الشعر ألا و هي اختيار المواضيع التي أكتب فيها خدمة لهذه الأهداف التربوية، و هكذا انتقلت تجربتي مع الشعر "من مرحلة إنتاج الشعر كرد فعل إلى مرحلة إنتاج الشعر من أجل الفعل".
* لماذا اهتمامك بالشعر الأمازيغي؟ و كيف؟
- انخراطي في قرض الشعر كان نابع من الحاجة إلى تبليغ رسائل للعموم تحت تأثير المواقف و الوضعيات و الحالات الاجتماعية التي عايشتها و أنا أمارس العمل الجمعوي الاجتماعي التطوعي، كما لا أخفي تأثري بوالدي رحمه الله – مولاي الحنفي أباكريم البوجرفاوي- الذي كان قيد حياته من كبار ناشري الدعوة إلى الوطنية الصادقة و العمل على إصلاح المجتمع و تخليصه من كافة القيود التي تعيق تنميته و خاصة في الجانب المتعلق بالرواسب الثقافية ذات المفعول السلبي على الفرد و على الجماعة، كما تأثرت بوالدتي للا ربيعة بنت محمد دغيرني، و التي تعتبر بالنسبة لي قدوة في النضال المستمر من أجل الرفع من قدرات المرأة في شتى المجالات كما تعتبر خزانا حيا و متفاعلا من الحكم و الحكايات و الأمثال الشعبية الأمازيغية التي يتعين اسثمارها لنشر ثقافة التعاون و الوئام و التسامح و المثابرة و قول الحق دون تردد و لا خوف.
انطلاقا مما سبق يمكنني القول أن اهتمامي بالشعر الأمازيغي تحديدا لم يكن ترفا و لا هدفا في حد ذاته، بل كان نتيجة التزام بقضايا و هموم المجتمع الذي أعيش فيه، بحيث وجدت نفسي في حاجة إلى توظيف الشعر من أجل تبليغ رسائل إلى المجتمع الأمازيغي بكل مكوناته نساء و رجالا، أطفالا و شبابا، فاعلين في المجال السياسي، الديني، الثقافي، الاجتماعي و الاقتصادي بغرض تصحيح مجموعة من الأوضاع و الوضعيات التي ما تزال تنتج الظلم و اللامساواة في المجتمع أو ما تزال تكبل قدرات و طاقات أفراد المجتمع و تحول دون تحقيق تنمية شاملة و تضمن للإنسان أينما كان العيش بحرية و كرامة.
فلقد وجدت في الشعر الأمازيغي الوسيلة المثلى للتواصل و التفاعل مع المتلقين و المتلقيات أكثر من الخطاب النثري، كما وجدت أن الأنشودة و القصيدة الملحنة تؤثران بفعالية في الجمهور أكثر من القصيدة نفسها مما جعلني أهتم بالشعر و أقدمه في منتديات النخب و أنتج الأنشودة التربوية و القصيدة الملحنة في أوساط الشباب و الأطفال لما تلقيانه من إقبال في صفوفهم.
* إلى أي مدى تتعلقين بالشعر الموجه للطفل؟
- تعلقي بالشعر الموجه للطفل يستمد موضوعيته من الحاجة إلى التربية، و أظن أن هذا المدى لا حدود له، كما أن تغير و تطور البيئة التي ينشأ فيها الطفل تفرض علينا أن نطور الإنتاج المقدم له من رواية و أنشودة و غيرهما، فكثير من الأنشودة التراثية الموجهة للطفل، و خاصة تلك التي تأتينا من المشرق، و المشحونة بمجموعة من الرسائل الداعية إلى التعصب و الأصولية، تجعلنا نهتم أكثر بالشعر و الأنشودة الموجهة إلى الأطفال و الشباب لأجل حمايتهم من بعض الأفكار الهدامة و لأجل تمكينهم من أناشيد و قصائد تجعلهم يتشبعون بروح التسامح و الوئام و الانخراط في المجتمع الدولي بدون أية عقدة.
* ما هي المواضيع التي تهتمين بها؟
- المرأة - المساواة - العدالة الاجتماعية - التسامح - السلم - البيئة - المواطنة الإيجابية
القيم الإنسانية المتعارف عليها عالميا، و هنا أريد الإشارة إلى كون كل أناشيدي المكتوبة أصلا باللغة الأمازيغية، مترجمة إلى اللغة العربية و الفرنسية و الإنجليزية.
* كيف ترين صورة المرأة الأمازيغية في الأدب الشعري الأمازيغي؟
- عند الحديث عن المرأة في الأدب الشعري الأمازيغي، لابد من التمييز بين و ضعية الأم كأم وليس كامرأة و بين المرأة كجنس، فنجد بالفعل أن كل الإنتاجات الأدبية أو الفنية حول الأم كلها تذهب في اتجاه تمجيدها والاعتراف لها بالدور الحيوي لتنشئة الفرد و بالتضحيات التي تقوم بها لأجل أبنائها و أهمية العناية و الحنان اللذان توفرهما لهم، لكن بالنسبة للمرأة كامرأة، فنجد أن السياق العام للإنتاجات الأدبية والفنية مع الأسف لا تخرج عن نطاق ما هو سائد من حيث نعت المرأة بالدونية و الشيطنة، واعتبارها أصل المشاكل و الفتن وغير ذلك.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد إنتاجات لا تتغنى بالمرأة إلا لأجل التغزل بها أو لوصف زينتها وجمالها الجسدي، أو لتأكيد الدور التقليدي المسند إليها من طرف المجتمع، و هذا نجده بصريح العبارة في مجموعة من الأغاني الشعبية سواء كانت أمازيغية أو بالدارجة، وهي الصورة التي أحاول من خلال كتاباتي التصدي لها، عن طريق فضحها أولا ثم بعد ذلك تعويضها بصور بلاغية تبين الدور الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي والسياسي للمرأة الأمازيغية، مع الدعوة المتكررة إلى الاعتراف للمرأة بهذه الأدوار كاملة غير منقوصة، و ذلك من خلال إشراك المرأة في القرار و تمكينها من كل الشروط التي تضمن لها الاستقلالية المادية و المعنوية الكفيلة بجعلها تسترد شخصيتها القوية و تسمح لها باتخاذ المبادرة لأجل تدارك التأخر الذي يعيشه المجتمع.
* هل استطاعت المرأة الأمازيغية أن تحقق ذاتها و طموحاتها و أهدافها؟
- إذا كنا نقصد بالمرأة الأمازيغية تلك المرأة التي تعيش في مجتمع تكون فيه الأمازيغية لغة و ثقافة، هي المحددة للعلاقات الاجتماعية و الاقتصادية، فإننا سنتحدث هنا عن امرأة أمازيغية تعيش في دوار أو قرية و حتى مجموعة من القرى، إذا كان قصدنا هو هذا، فإن المرأة الأمازيغية في هذا المجتمع المحدود تحقق ذاتها و طموحاتها و أهدافها ما دامت لا تتجاوز حدود ما يسمح به الدوار أو القرية، بحيث أن المرأة الأمازيغية امرأة مثابرة، شجاعة، متفتحة، تقوم بكل الأعمال و بالتالي فهي تنتج، كما أن لها من القدرات التدبيرية ما يجعلها تسير شؤونها و أعمالها بحكامة جيدة جعلتها عبر القرون تصمد أمام كل التغيرات المناخية و الاقتصادية و السياسية لمجتمعها أو لمحيطها.
لكن بمجرد ما تخرج هذه المرأة من هذا المحيط، فلكي تحقق ذاتها لابد أن تتخلى عن شيء أو كثير من أمازيغيتها، فلكي تترقى اجتماعيا عبر المسالك الدراسية أو التعليمية فلا بد أن يكون ذلك بلغة غير لغتها، كما أن الترقي الاجتماعي، يفرض عليها أن تستنسخ نماذج جديدة من القيم و العلاقات غير تلك التي نشأت عليها... و لهذا فكثير من النساء من أصول أمازيغية حققن أهدافهن و طموحاتهن في المجتمع، لكن ليست هي نفسها أهداف و طموحات المرأة الأمازيغية التي تظل قابعة في أعماقهن ، بحيث و كما قلت سابقا، تنازلن عن جزء أو كل من أمازيغيتهن لكي يحققن ذواتهن.
ولهذا ولأجل معالجة هذا الوضع، لابد من تفعيل الفصل الخامس من دستور 2011 وذلك بجعل اللغة والثقافة الأمازيغيتين تعيشان طابعهما الرسمي في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية الثقافية وكل مناحي الحياة حتى يتسنى للمرأة الأمازيغية أن تحقق ذاتها وطموحاتها دون أن تضطر إلى التخلي عن بعض من أمازيغيتها.
* ماهي الانشطة التي تقديمنها في الجانب الاكاديمي؟
- أقوم بأنشطة أكاديمية تتجلى في تأطير العديد من الندوات واللقاءات بمختلف المدن في ضيافة منظمات مختلفة، في شتى المجالات المرتبطة باللغة والثقافة الأمازيغيتين، أو فيما يتعلق بوضعية المرأة و التنمية البشرية، كما سبق لي أن قدمت عروضا في قلب الجامعة و خلال انعقاد المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، و آخرها عروض في قلب المعرض المقام بموازاة مع المؤتمر الدولي حول المناخ COP 22 بمراكش.
* لماذا اهتمامك بالمرأة القروية؟
- كنت منذ بداياتي في الاهتمام بالشأن العام، أولي أهمية خاصة للمرأة القروية نظرا لما تعيشه من معاناة متعددة الأوجه، اجتماعيا، اقتصاديا، حقوقيا و ثقافيا، فكنت بجانب النساء في حالات متعددة لأجل ولوج حقهن في الصحة و التطبيب، و كنت بجانبهن لتأسيس تعاونيات و تسويق منتوجاتها، و كنت بجانبهن في حالات كثيرة لأجل استرجاع حقوقهن المهضومة سواء في إطار العلاقات الزوجية أو في حالات إقصائهن من الإرث أو الاستيلاء على ممتلكاتهن، كما كنت بجانبهن لأجل توعيتهن من خلال تبليغهن بالمستجدات السياسية في البلاد كما هو الحال عندما قمت بجولات على صعيد إقليم تيزنيت لأجل توضيح الخطب الملكية باللغة الأمازيغية و توضيح ما يطمح إليه صاحب الجلالة أيده الله بخصوص تحسين أوضاع المرأة المغربية، و خاصة القروية، و دعوة الحاضرات في هذه اللقاءات إلى الانخراط في مسيرة التنمية الشاملة.
إن اهتمامي بشؤون المرأة القروية جعلني أكتشف حجم الهشاشة التي تعاني منها، و لهذا فإنني مقتنعة أن كل ما أستطيع تقديمه كفاعلة جمعوية أو كشاعرة لن يكون كافيا إذا لم يتم إعداد برامج تنموية شاملة تكون المرأة القروية في مركزها.
* ما هي الإكراهات التي تواجهينها في العمل؟
- أول الإكراهات أنني لا أمتهن الشعر أو الفن، فإبداعاتي لا تشكل مصدر عيشي، بحيث أضطر إلى القيام بعملي الوظيفي إلى جانب الأدوار الاجتماعية لكل أم، ناهيك عن التزاماتي المجتمعية الأخرى كممثلة للسكان بجماعتي المحلية، ولهذا فالإكراه الأول هو إكراه الوقت الذي يحول دون التفرغ لإنتاجاتي الأدبية، كما أن تبليغ إنتاجاتي الشعرية والفنية و نشرها ما يزال يشكل عائقا خاصة فيما يتعلق بالجوانب المادية لتغطية تكاليف الطبع أو التسجيل و النشر. هذا بالإضافة إلى محدودية الدعم العمومي في هذا المجال، كما أن قلة المنتديات الشعرية وما تسببه المشاركة في بعضها من إرهاق مادي يحد من فرص تقديم إنتاجاتي و التعريف بها.