إن الدافع للأبوة والأُمومة طبيعي في الإنسان، وقد شجعت الشرائع السماوية عليه، وصف القران الكريم الأبناء بأنهم زينةُ الحياة الدنيا وقرة الأعين، حيث قال تعالى: (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) «الآية 34 من سورة الفرقان». وأوصى الأبناء بالبِرِّ بالآباء، ولم يُوصِ مثلُ ذلك الآباء تجاه الأبناء، من منطلق أن عاطفة الأُبوة والأُمومة عاطفةٌ طبيعية في الإنسان السويّ ويقول تعالى:(ووصينا الإنسان بوالديه حملته أُمه وهناً على وهنٍ، وفصالهُ في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلىَّ المصير) «الآية /4/ من سورة لقمان». وتسعى كل أم لتوفير البيئة أو التربة أو المناخ الصالح لتربية أبنائها، وتبدأ هذه البيئة في واقع الحال في رحم المرأة.. وخلال شهور الحمل التسع، أي قبل ميلاد الطفل.
وقد وجد العلماء والباحثون أن الجنين كائن معقد، وليس مجرد عضو ملحق بالأم، حيث شوهد بالتنظير أنهُ ذو حساسية عاليةٍ، رأوه يفرح ويتألم، ويظهر على وجهه وحركات جسمه علائم الفرح والألم.
يصعب أن نقول: إنه يحب ويكره، ولكن سلوكه يعبر عن ذلك، فإذا راق له المذاق، أقبل على الغذاء السكري يمتصه بوفرة ونهم، وإذا أعرض عنه كشَّر لأنه لم يعجبه.
وفي أثناء عزف مقطوعة موسيقية هادئة قدمت لأمه، شوهد هادئاً كمن ينصت ويبدو عليه الانشراح، وعندما قدموا لأمه موسيقى صاخبة شاهدوه يضرب وينفض يديه ورجليه، وينكمش انكماشاً يُظهر فيه الضيق والنفور، أسمعوه (بعد الشهر السابع) أصوات رجال كثيرين، فرأوهُ يبتهج ويظهر سروره لسماع صوت أبيه، ويبدو أنه ميزهُ وتعرف على لهجته لأنه مقيم بجانبه. وحين تعمد أمه إلى التدخين، يُظهر انزعاجاً شبيهاً بانزعاجه من الموسيقى الصاخبة.
وبالمناسبة نذكر بأن العلم أثبت وكذلك الدراسات والتجارب، أن أطفال المدخنات يكونون أخفَّ وزناً، وأقل ذكاء، وقد لوحظ أيضاً أن حركات الرقص الجنونية تزعجه كثيراً.
«وامتدت المشاهدات من رؤية الجنين البشري، إلى مواجهة الأجنة عند بعض الحيوانات، كالخراف، فقد قدَّموا صوتاً مسجلاً لعواء ذئب فارتعش الجنين في بطن أمه واضطرب وكأنه يود الهرب»
وأثبتت الدراسات أن إصابة الأم بالحصبة الألمانية، وتناولها الأدوية دون استشارة الطبيب أثناء الحمل، وتناولها الأسبرين والكحول والمواد المخدرة، وشرب الخمور، ونقص الفيتامينات، أو الإفراط في تناول بعض المواد الغذائية، كل هذا يؤثر على صحة الجنين وتكوينه العضوي والنفسي، أي يؤثر على حسن نموه وتكوينه.
ويوصي الأطباء وصية على جانب كبير من الأهمية، أن لا تصاحب الحامل الحيوانات كالقطط والكلاب، فالقطة أو الكلب المصاب بمرض (التكسوبلازموس) قد يؤدي إلى نقل الطفيلي من الحيوان إلى الأم الحامل في الشهور الأولى للحمل، فينجم عن ذلك تشوهات مثل كف البصر (العمى)، أو تضخم الطحال، أو صغر أو كبر حجم الرأس.
وعلى هذا فمن الضروري العناية بظروف الحامل النفسية والانفعالية قبل الولادة وبعدها، للتقليل من احتمالات التنبؤ بالمشكلات التي قد يتعرض لها الجنين والطفل، والتي فيها انخفاض مستوى الذكاء، وتقليل فرص الإصابة بالصدمات الدماغية، من النوع المرتبط بمرض الصرع…والواقع أن الإنسان متمتع بجهاز نفسي غاية في التعقيد، ويختص هذا الجهاز بالقدرة الكبيرة والدقيقة على اختزال الخبرات القديمة، ومنها تلك التي مر بها الشخص في طفولته الأولى والتالية. وقد ذهب البعض إلى درجة القول بأن خبرة الميلاد المؤلمة، تظل مؤثرة في الجهاز النفسي للإنسان، بحيث أن الوليد الذي تتعسر ولادته، ويلقى آلاماً كثيرة أثناء الولادة، يكون مشحوناً بخبرات أكثر إيلاماً وتنغيصاً له في حياته من الشخص الذي يولد ولادة ميسورة.
ويقول علماء النفس: إن الأطفال الذين فطموا فجأة عن حليب أُمهم بسبب مرض ألم بهم أو بالأم، أو بسبب انقطاع تدفق اللبن من ثديها، إنما يستشعرون الشقاء في مستقبل حياتهم، ولا يكونون أشخاصاً أسوياء، مثلما يكون غيرهم ممن فطموا في الوقت الطبيعي وبالطريقة الطبيعية.
الرباط الأمومي البنيوي:
تحدث الأستاذ عدنان سبيعي في كتابه الصحة النفسية للجنين فقال:
«كانت كتب الطب تُجمع قبل ثلاثين عاماً على وصف حياة الجنين بأنها حياة «بقلية» أو «نباتية» بمعنى سلبي تماماً، وكان معروفاً أن حجيرات الجنين تنمو وتتكاثر كالبقول، أما سلوكه وحركاته فلم تكن غير ردود أفعال، ومنعكسات على المؤثرات التي تصله عن طريق أمه.
وفي خطوة أخرى أميط اللثام عن وجود اتصال عاطفي بين الأم الحامل والجنين الذي تحمله، وأطلقوا عليه اسم (الرباط bonding ) وقد قَلَبَ هذا الرباط أفكاراً كثيرة هامة كنا نعتقد بها حول الحمل ونفسية الحامل، ومفهوم الأمومة والحضانة، والتربية والرضاع، كما بدَّل فهمنا للجذور العميقة للشذوذ والسواء، وانحرافات المزاج وأسباب المرض، والجريمة، وطبيعة الحياة النفسية عند الأطفال والراشدين، كما قلب هذا الرباط أفكارنا عن الانفعالات والاستعدادات العاطفية، وعن التكيف وأسراره، وسوء التكيف وعوامله، وتكوُّن العدوان عند بعض الناس، أو الهدوء المتميز عند غيرهم، وسكينة النفس أو قلقها ومخاوفها المجهولة…
تعريف: عرف العلماء الرباط بأنه تواصل مستمر وزاخم أو كثيف في العواطف والانفعالات بين الأم والجنين قبل الولادة (في رباط أول) وبعد الولادة (في رباط ثان) ويتابع الأستاذ السبيعي فيحدثنا عن:
الرباط الأول:
يبدأ هذا الرباط قبل حصول الحمل، منذ أن تصمم الأم نفسياً على الحمل، وتعقد العزم عليه، إذ تتهيأ لملاقاة الوليد، وحين يتم الحمل، أو حين يتم تلقيح البويضة ينمو الرباط عن طريق رضا الأم والحلم بالمولود، واغتباطها العميق بانتظاره، فترسل له دفعات من العواطف الغامرة، قوامها الفرح والمودة والتقبل المستمر، فيستيقظ شعوره، ويبادل أُمه الابتهاج، ويعبر عن ابتهاجه بحركات في بطنها، وصفت بأنها لطيفة ساحرة وفي منتهى العذوبة على مشاعر الأمُ، وإذا اكتأب الجنين أو تشوش، فإن حركاته وضرباته تشتد وتقوى، وتصل إلى درجة إيلام الأم.
مواقف الأم الحامل:
تختلف هذه المواقف من أم إلى أخرى:
- حسب تقبلها الحمل أو عدم تقبلها له.
- وحسب كون الحمل أمنية غالية ناجمة عن صلة شرعية تبعث على الطمأنينة، فتفاخر به وتنتظره وتحيا أفراحه وتتولع بحركاته.
- أو كون الحمل قد تم بصلة تتوارى فيها الحامل عن نفسها وفعلتها التي أفضت إلى الحمل، وهكذا تجد نفسها تمقت الجنين وتشعر أنه ثمرة (تورط) تتحول في أبسط الأحوال إلى (إثم)، ولهذا تقف من الكائن المتخلق موقف العداء ولا تدري كيف تتخلص منه. ويؤثر على ذلك كله حجم الأسرة وعدد أطفالها وأعمارهم، والرغبة بالحمل، وانعكاس هذا على مهنة الأم وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
- وحين يتم حمل الأم بغير رضاها، وبسخطها فإنها تمنع تكون (الرباط)، فيحيا الجنين على الرغم من أمه، وتشير الملاحظات إلى أنه يعبر أول الأمر عن هذا التنكر، ثم يتوجه نحو المشاكسة والاكتئاب، ويعبر عنها بضربات أو ركلات بقدميه، وفي حالات كثيرة (يسقط) في ولادة غير ناضجة، وإذ يسقط يكبت العدوان في نفسه، ويعاني من التناقض العاطفي أو ما يمكن تسميته: تولد الصراع عنده بين أمرين:
- رغبته الذاتية بالبقاء.
- تجاهل الأم رغبته هذه وعدم تقبلها له.
ويصبح بسبب هذا كله مهيأ لسلوك الرفض (وهذا أول الانحراف عن السواء.)
قصة: رافقت أُمهات قرى الأطفال لسجن النساء، بغرض زيارة أطفال ولدوا حديثاً من أُمهات سجينات، ومن بين هؤلاء كان الطفل (محمد)، لوحظ يتلوى ويصرخ بين يدي أُمه، وكان قد رفض الرضاع من ثديها، تقدمت السيدة (منى) من الطفل (وهي الأم البديلة التي ستربيه في القرية). وتناولته من أمه، وإن هي إلا لحظات حتى هدأ الطفل على يديها، أعطته ثديها فتقبله، إلا أنه كان خالياً من الحليب قدمت له زجاجة الحليب، أقبل عليها بنهم.
وأفادنا الضابط المشرف على السجينات، أن هذا الطفل جاء نتيجة حمل غير شرعي، وكانت الأم خلال الحمل مكتئبة، وتحس أن هذا الذي يركلها بعنف في بطنها وصمة حية، تترقب حساب أهلها عليه، كانت تقول: لو كنت خارج السجن لأسقطته وتخلصت منه وهكذا فقد كان هذا الطفل يشعر بأنه مرفوض وهو ما زال جنيناً في بطن أمه، وهو يقتص من أمه برفضها بعد الولادة، ولوحظ بأنه ينظر إلى أمه بانكماش خلال الزيارات الدورية التي كانت تنظمها الجمعية للأطفال مع الأمهات المربيات للأمهات السجينات، رغبة في أن تبقى تيارات دافئة تتحرك بين الأطفال وأمهاتهم الحقيقيات.. وكان إذا مدت أمه الحقيقية يدها لتتناوله أو تداعبه، ينصرف عنها ويمسك بأمه البديلة، التي أحس بقبولها له وأشعرته بالحب والطمأنينة والأمان.
وقد تابع الباحثون دراسة سلوك الرفض عند الأجنة في حالات انعدام الرباط، فتمكنوا من رؤية جذور جديدة للسلوك المنحرف من مختلف النواحي العقلية والمزاجية والاجتماعية، ومضوا يرجعون إلى الحياة الجنينية المضطربة، تَكوُّن الاستعداد للوسواس، والهستيريا، والجنوح والجريمة، والاكتئاب، وعشرات الظواهر المرضية، وهكذا يجري اليوم إعادة النظر في كثير من الانحرافات يقوم بها العلماء في ضوء المكتشفات الجديدة حول الرباط.
وفي المقابل: أجريت ملاحظات وتجارب حول أمهات يتحدثن مع أجنتهن أو يغنين ببعض الترنيمات، فتستجيب الأجنة استجابة من يسمع ويترنم، ودُرست مظاهر هذا السلوك، وعرفت من خلال انتظام النوم، والتهام قدر أكبر من الغذاء المتوفر في السائل الأمينوسي الذي يغلفه ويحيط به، وتوفر شروط أفضل في التنفس، ومجالات للنمو في كافة أشكاله وصوره، العاطفية والعقلية والحركية، لقد شوهد مواليد لا تزيد أعمارهم بعد الولادة على سبعة أيام، تمكنوا من الجلوس وظهورهم مسندة (الأطفال العاديون يحتاجون لثلاثة أشهر أو أربعة بعد الولادة)، وذلك بفضل النمو الذي تحقق قبل الولادة، باستخدام أمهاتهم طريقة التحدث والغناء، ويعلل هذا بأن عضوية الكائن سارعت بالنمو، وأن العمود الفقري قد حقق نمواً كبيراً بفضل التفتح النفسي والإدراكي الذي أتاحته مباهج المكالمة والغناء بين الأم والجنين.(3)
ويلخص الدكتور (برنارتاهيس) في مؤتمر عقد لهذا الغرض في عام 1980م في باريس، يلخص الهدف من تقوية الاتصال بالجنين بقوله: (إِنه الحصول على أطفال متنبّهين ويقظين منذ ولادتهم، ويتميزون بإدراك أقوى، وصحة أفضل، مع تحمل للمرض ومقاومة للأوبئة والتعب). وتجمع هذه المزايا بعبارة واحدة هي حصول (المبادهة) المبكرة وتنميتها في الأجيال.
ويحدثنا (توماس فيرني) عن بادرة الغناء والتحدث مع الجنين فيروي الواقعة التالية: (5) في زيارة لمنتجع للتنزه في صيف 1980م نزلنا في منزل كانت صاحبته حاملاً في الشهر السابع، وكنَّا نسمع منها في نهاية السهرة دندنة وكأنها تغني للطفل لينام، وعندما سألناها عن الداعي لذلك، وليس بين يديها طفل لتغني له، أجابت:! بل أُغني للجنين لينام باسترخاء ويقضي ليلة هادئة وأنا أشعر أنه ينمو ويتمدد باسترخاء، فأحسَّت باستغرابنا من فعلتها.. قالت: تعالوا بعد شهرين لتشهدوا بأنفسكم بعض الفوائد الأخرى.
ودعتنا بعد الولادة لزيارتها ومشاهدة الطفلة الوليدة، ووقفتْ بهدوء خلف السرير تدندن بنفس الأغنية.. تلك التي سمعناها أثناء الحمل.. وما كان أشد مفاجأتنا حين التفتت إلينا الطفلة وقد أشرق وجهها بابتسامة عريضة وعذبة، وكأنها تقول: أنا أتذكر هذه الأُغنية، ويعلق (توماس فيرني) على هذه الواقعة بقوله: (لقد غدوت قانعاً بأهمية التواصل مع الجنين حديثاً وغناء).
ويقترح الدكتور (برنارتاهيس) الآتي:
1- أسمعوا الجنين وابتداء من الشهر الثامن مقطوعة موسيقية مسجلة خفيفة وخافتة، اجعلوا آلة التسجيل قريبة من بطن الأم، سترون الطفل يستجيب لهذه المقطوعة الموسيقية ببعض الحركات، ولكنه بعد الولادة إذا أُعيدت له المقطوعة ذاتها، يتوقف المولود عن الحركة برهة ثم تعلو الابتسامة شفتيه ويشرق وجهه، ذلك أن هذه المقطوعة الموسيقية التي يسمعها تعاد عليه وتذكره بالطمأنينة التي كانت تغمره عذوبتها، فتنبعث البهجة في نفسه من جديد.
2- وإن تسجيلاً لصوت الأب يقدم للجنين في الشهر الثامن يعطي النتيجة ذاتها التي أحدثتها المقطوعة الموسيقية الخاصة، وبعد الولادة ستشهدون بأنفسكم سحر صوت الأب في سلوك المولود.
3- فما عليكم الآن إلا أن تغنوا وتتحدثوا مع الجنين، وسيضرب الجنين ببعض أطرافه معلناً سروره.
4- وحينما تغني الأم للوليد، فلتحرص على أن تغني نفس الأغنية التي كانت تغنيها له وهو في بطنها، فإذا بالمولود يخلد للهدوء ويتوقف، ويستعيد ذكريات السكينة السابقة، وعندما تريدون أن ينام المولود يمكنكم أن تقدموا له تسجيلاً خافتاً لصوت أبيه وسترونه يستغرق في نوم عميق هانئ.
وهناك الرباط الثاني الذي يُعزِّز ـ بعد الولادة ـ الرباط الأول، ويزيده وضوحاً، ويحول الاستعدادات النفسية التي تكونت في الجنين إلى قدرات ومهارات وإمكانات تتجاوز العاطفة إلى الوعي، مما يساهم في بناء الإنسان وضمان مستقبله المشرق وشخصيته المتألقة(6)
الرباط الثاني:
بعد أن يولد المولود تتجمع عناصر عديدة تدعم الروابط بين المولود ووالدته وهي:
1- هناك الرباط الأول بكل وعوده وأمانيه.
2- تحقق الأمل وسلامة الوصول.
3- يضاف إلى هذا وذاك ضعف المولود وحاجته إلى العون، أليس بحاجة إلى العون؟
4- يقولون: إنه لا يرى، ولكن ما باله يمعن النظر إليّ؟.. ويثبت عينيه في وجهي؟
5- أما تعلقه بصوت أبيه فلا يماثله إلا تعلقي أنا به.
وبصدد الرباط الثاني تتكون أقوى صلة موضوعية وذاتية في آن واحد، أقوى صلة تربط بين إنسانين على وجه الأرض.
تقول الحكمة القديمة: (مهما كنت غنياً وقادراً على أن تدفع، فإنه يستحيل عليك أن تشتري…. ولو بملء الأرض ذهباً، علاقة بل رابطة أقوى وأبدع بين إنسانين، تماثل ما تُقدِّمه الأم مجاناً بغير ثمن وبلا مقابل).
يقول الدكتور (توماس فيرني) في الدراسة الوثائقية: (من الصعب جداً أن نتصور حملاً أكثر اضطراباً، وأبعث على القلق والكآبة من فترة الحمل التي مرت بها امرأة اسمها «ماريا» فقد عاشت وحيدة بعد أن هجرها زوجها حين أعلمته بأنها حامل، وكانت تعيش في قلق دائم بسبب فقرها وهجرها والإحباط الذي لازمها، ومن ثم زادت مصاعبها حين كشف الطبيب في الشهر السادس وجود دمل ممهد لظهور مرض خبيث نشأ في المبيض، وكان يرى أن لا بد من إجراء عملية جراحية دون انتظار، إلا أن «ماريا» رفضت إجراء العملية، حرصاً على حياة الجنين، فقد بلغت الخامسة والثلاثين وهذه فرصتها الوحيدة في إنجاب طفل، وهذا أغلى ما تتمناه في حياتها. وقد وصلت هذه الرغبة للجنين وكان أنثى سميت «آندريا» وقد ولدت تامة الخلقة، تنضح بالصحة والعافية، ذلك أن أسلوب «ماريا» جعل الابنة طيلة فترة الحمل تحيا في هناء، وحين أقبلت على الحياة رافقتها مشاعر ممتعة بلا حدود من الرضا والتقبل، فعاشت حياة معافاة تعج بهجة ورضى وسعادة، ونشأت سوية فهل من رباط أقوى من هذا!)