كانت منتشيه، يرقص صوتها فرحاً حين خرجنا من احتفالية الثامن من آذار، الاحتفاء والتقدير جعل روحها تغرد زجلاً في جسدها الصغير، والتصقت بنا فرحة، "ونس طريق للجنوب"، وحين لم يتسن لها الصعود معنا لذات السيارة، لأن سيارات خانيونس؛ تكتفي بركاب خانيونس، أصبحت كعصفور يرتجف خوفاً في شتاء قارص، بلا عش، بلا أمان، تملكني الجزع عليها وهي تساق لمقعدها في السيارة، وأكاد أسمع ضجيج نبضها المتسارع بين جنبيها، كلمات المحتفين بالثامن من آذار بقيت في الصالة المغلقة، لن تمنحها الأمان، والجزع يتملكها من أن يتحرش بها مأفون في هذا المساء القاتم، ثلاثون كيلومتراً ستسيرها السيارة بنبض قلبها الواجف، ما قد تسمعه، أو يقال لها، العيون التي تستبيح جسدها الهش، لن يتعاملوا معها بلباقة ويبتسمون لها بود، كما يبتغي لشابة في منتصف العشرينات تركض خلف حلمها كصحافية لامعة، ستسمع سخريتهم من احتفاء المدينة بيوم المرأة العالمي، وتوجيه كلمات، نابية بذيئة، ستلتصق بالباب وتتشبث بالسقف... لن ترى التعليقات المهذبة على صفحات التواصل الاجتماعي، وايماءات الاحترام والتقدير في محافل الاحتفاء..
ثقافة القبول بالآخر كانسان شريك، تصنيفه كامرأة لا ينتقص من آدميته شيء.. انسان له احلامه وطموحاته، به عيوب ويعاني من نقص، مثله تماماً، انسان يسعى لإيجاد المساحة الخاصة به، يحب ويكره، له افكاره في الحياة، له رؤيته الخاصة بالجمال، يتمنى حياة كريمة، بلا وصاية غاشمة، يطمح لشراكة توافقية، قوامها الاحترام والتقدير.
عقدين من الزمان ومؤسسات المجتمع المدني؛ ترسخ لدعم قضايا النساء، مئات المشاريع استهدفت آلاف النساء لتوعيتهن، لها حقوق لا يجب أن يتجاهلها المجتمع، تقدم هش، يعلو ويهبط حسب مجريات الوضع المدني، التجاذبات السياسية، الانقسام، والعدوان المتكرر، أزمات متتالية، يقع عبئها على النساء، المواجهة والتصدي، التكيف والتأقلم، عليها أن تحفظ توازن المجتمع، حمايته ليستمر ... وحين تستقر الأوضاع وتهدأ ويبدؤون في رسم خارطة طريق للمستقبل، يتناسون من احترقت لتضيء دروبهم، تقام اللقاءات دون الالتفات ان هناك شريك، احتمل أشد الأوقات قتامة، وكان له الباع الطويل في رتق جروح أدمت المدينة...
لا نتطلع كنساء للتفرد بحكم أو قرار، لا نطمح للتخلي عن أدوارنا الاجتماعية، كزوجات وأمهات وربات بيوت، لكننا نتمنى أن يحترموا آدميتنا، وقبولنا كشركاء مصير، قادرات على العطاء، وأن لدينا عقول تجيد رسم الاستراتيجيات، السعي الدؤوب للتقدم.
طالما القانون يعفو عن قتلة النساء بذريعة ما يسمى بالشرف، ويغض الطرف عن حرمانها من ميراثها، حقها في اختيار شريك الحياة، منحها الفرصة الكاملة لتلقي التعليم الذي ترغب به، حرية العمل والانصاف في تقلد المناصب والراتب حسب الكفاءة، وطالما المجتمع ينكر عليها هذه الحقوق، لا معنى لأي احتفالية بالثامن من آذار، وستبقى الصغيرة جزعة من العنف الذي قد يطالها في الطريق، في الجامعة ومكان العمل والبيت.