في الوقت الذي تسعى فيه المؤسسات والجمعيات العاملة في حقل الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها، وفي الوقت الذي تكثُر فيه المؤتمرات الدولية وورش العمل الداعية إلى تمكين المرأة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من حقول ومجالات الحياة، وممارسة دوررها الطبيعي في المجتمع أسوةً بالرجل، وفي ظل ما تعيشه المرأة الفلسطينية دون غيرها من النساء العربيات، بسبب ما عانته وتعانيه على مدار التاريخ من ظلم وإضطهاد مجتمعي في المقام الأول، محكوم بموروث ثقافي أسس لصورة نمطية وأدوار ظلت مرافقة لها في ثقافة سائدة ساهمت وتساهم في تقييدها وتحديد أدوارها عبر التنشئة الاجتماعية ومناهج التعليم وطرق ووسائل الاتصال والثقافة، ومعاناتها كذلك من ظلم وعنف المُحتل في المقام الثاني، والذي يزيد من وطأة الحياة ويزيد من تعقيداتها، ونظراً أيضا للتقدم الحاصل بالعالم أجمع من تطور تكنولوجي وعلمي فاق التوقعات، بحيث أصبح المطلوب مواكبة كل هذه التطورات، وفي ظل الارتفاع في تكاليف المعيشة وغيرها من الأمور؛ كل هذه الأسباب مجتمعة تدعو وبشكل مُلح الى إدماج المرأة في الحياة العامة، وهذا بحد ذاته ليس مناًّ من أحد عليها، بل لأنها إنسان لها حقوق وعليها واجبات هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية لأنها أثبتت قدراتها وإمكانياتها من خلال المواقع والمراكز التي وصلت إليها وتبوأتها في بعض المجالات.
ومما لا شك فيه أن المرأة الفلسطينية إستطاعت أثبات وجودها في بعض الأماكن والمجالات، وما زالت تسعى بالعمل على إختراق أماكن ومجالات أخرى، رغم كل المعوقات التي توضع في طريقها سواء عن قصد أو بدون قصد، ولكن ما يهمنا هنا، هو رؤية وضع المرأة الفلسطينية ومدى مشاركتها في الحياة العامة، وبالطبع هذا لا يتم إلا من خلال الغوص عميقاً في الظروف المجتمعية التي تحيط بها؛ الأمر الذي يحتم علينا ضرورة إلقاء الضوء على واقعها المجتمعي، بإعتباره عاملاً مهما في تحديد ورسم ملامح هويتها، ومن هذا المنطلق سنعمد لعرض قضيتين من القضايا المتعلقة بالمرأة داخل المجتمع، والتي من شأنها الحد من تقدم المرأة وعدم تمكينها، وأولى هذه القضايا، مسألة العنف الموجه ضدها والتي هي بحد ذاتها ثقافة سائدة وموروث اجتماعي بالي يجب التخلص منه والدعوة الى نبذه ومقاومته، فكثيرة هي المؤسسات التي تعمل في هذا المضمار ورغم جهودها الكبيرة، إلا أن نسبة التخلص من هذه الآفة ما زالت ضئيلة، وهذا ما عملت على تبيانه الإحصاءات العامة في الدولة، فتشير إحصاءات العام 2013، والمتعلقة بالعنف ضد المرأة إلى أن نسبة العنف الموجه ضد النساء بلغت 37%، وبالبحث وجد أن نسبة النساء اللواتي سبق لهن الزواج في الأراضي الفلسطينية وتعرضن للعنف النفسي من قبل الزوج 58.6% (48.8% في الضفة الغربية، 76.4% في قطاع غزة)، في حين بلغت نسبة النساء اللواتي تعرضن لعنف جسدي من قبل الزوج 23.5% (17.4% في الضفة الغربية، 34.8% في قطاع غزة). وبلغت نسبة العنف الجنسي من الزوج 11.8% (10.2% في الضفة الغربية، 14.9% في قطاع غزة). أما العنف الاجتماعي فقد بلغت 54.8% (44.8% في الضفة الغربية، 78.9% في قطاع غزة)، وبلغ العنف الاقتصادي 55.1% (41.6% في الضفة الغربية، 88.3% في قطاع غزة). وتشير هذه الإحصائيات أن قطاع غزة، تزيد فيه حالات العنف ضد النساء من قبل الأزواج مقارنة مع الضفة الغربية، وهذا لعدة أسباب، منها الحصار والحرب والتجويع الممارس من قبل الاحتلال نتيجة الحصار.
وهذا الأمر الذي يحتم على الجميع التكاتف والتعاون فيما بينهم لمحاربته، والعمل على سن قوانين تحد من تفاقمه، وكذلك البدء بحملات في كافة أرجاء الوطن تُبين مضاره وتهديده للحياة الأسرية برمتها، ناهيكم عن عنف المحتل الذي يتعمد في كل مرة إضطهاد المرأة وظلمها سواء على الحواجز أو من خلال إعتقالها...الخ، فهو لا يمييز بين رجل وإمرأة رغم القرارات الدولية الداعية لحمايتها وتوفير الأمن والأمان لها.
ومن القضايا الهامة أيضا، ثانياً تمكين المرأة إقتصادياً وهذا الجانب مهم جداً للمرأة الفلسطينية، فتشير بيانات مسح القوى العاملة للعام 2014، إلى أن 10.6% من الأسر ترأسها نساء في فلسطين، بواقع 11.7% بالضفة الغربية، و 8.4% بقطاع غزة. وغالباً ما يكون حجم الأسرة التي ترأسها أنثى صغير نسبياً، وتنشأ هذه الأسر نتيجة لوفاة الزوج أو أعتقاله أو لهجرته. أي أن المرأة بحاجة ماسة لتمكينها من هذا القطاع، لأنها وكما أشارت الإحصائيات السابقة تترأس في بعض الأحيان أسرتها، ولأنه أيضا من الطبيعي أن تمارس المرأة دورها خاصة وأنها هي المتعلمة والمثقفة، ونسبتها حتى في الجامعات عالية، وبالتالي فهي بحاجة إلى فتح سوق العمل على مصرعيه أمامها لا أن يتقصر دورها على بعض المهن التقليدية.
وفي هذا المجال أيضا نحن بحاجة إلى تكاتف الجميع من أجل تسهيل المهمة على النساء، كما أن هناك بعض المؤسسات كالأقراضية مثلاً، مطالبة بالتخفيف على النساء ومنحهن أموراً تشجيعيه ليُقدمن على فكرة بناء مشاريع وتطويرها والنهوض بها، لا أن تنحصر مشاريعهن على بعض الحرف اليدوية التي تستهلك الجهد دون مردود مادي يتناسب وتلك الجهود المبذولة. وبالطبع هاتان قضيتان من عدة قضايا يجب العمل عليها من أجل التخفيف من الأعباء الملقاة على عاتق المرأة.