الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

فاطمة الفهرية مؤسسة القرويين أقدم جامعات العالم

  • 1/2
  • 2/2

الصغير الغربي - منظمة المجتمع العلمي العربي - " وكالة أخبار المرأة "

قد لا يعلم الكثيرون أن أقدم جامعات العالم الموجودة حاليا أسستها امرأة فاضلة كرست جهدها وثروتها لأعمال الخير التي تعود على الناس بالفائدة. إنها فاطمة الفهرية التي هاجرت من عاصمة افريقية القيروان إلى فاس عاصمة الأدارسة في المغرب الأقصى أين أسست مسجدا تحول شيئا فشيئا إلى جامعة تدرس العلوم بشتى أنواعها وتخرج منها أكبر العلماء ووصل إشعاعها إلى أوروبا في القرون الوسطى.
إذا ذُكرت فاس المدينة التاريخية التي أسسها إدريس الثاني في عهد الدولة الادريسية ذُكر جامع القرويين وجامعة القرويين نسبة إلى المهاجرين من القيروان الذي سكنوا أحد أكبر أحياء فاس في أول عهدها وهي عدوة القرويين. وكان من بين هؤلاء المهاجرين فاطمة بنت محمد الفهرية التي قدمت من عاصمة افريقية إلى عاصمة الدولة الإدريسية مع والدها الفقيه القيرواني محمد بن عبد الله الفهري وأختها مريم في أيام الأمير يحي ين محمد بن ادريس. ولا تسعفنا المصادر التاريخية القليلة بذكر الكثير من التفاصيل عن حياة فاطمة سوى ما ذكره المؤرخ ابن أبي زرع الذي عاش في القرن الرابع عشر ميلادي خاصة وأن القرويين تعرض إلى حريق كبير عام 1323م قضى على كل الوثائق المحفوظة به. ويقول هذا المؤرخ إن فاطمة الفهرية فقدت والدها الذي ترك لها ولأختها ثروة هائلة ارتأت أن تجعلها في خير ينفع الناس فقررت بناء مسجدا. وتلتحم سيرة فاطمة الملقبة بأم البنين بمسيرة بناء هذا المسجد الذي عرف فيما بعد بمسجد القرويين فتذكر المصادر أنها اشترت أرضا بيضاء قرب منزلها بالقرويين كان أقطعها الأمير إلى رجل من هوارة وشرعت في بنائه يوم السبت فاتح رمضان المعظم سنة 245 هجرية الموافق للثلاثين من يونيو عام 859 ميلادي. ويقول المؤرخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب في كتابه "شهيرات التونسيات" الذي ألفه في العشرينات من القرن الماضي حول الطريقة التي سلكتها في بنائه إنها "التزمت أن لا تأخذ التراب وغيره من مادة البناء إلا من نفس الأرض التي اشترتها دون غيرها فحفرت كهوفا في أعماقها وجعلت تستخرج الرمل الأصفر الجيد والجص والحجر لتبني به تحريا منها أن لا تدخل شبهة في تشييد المسجد". وتتواتر الروايات التاريخية في ذكر صوم فاطمة طوال فترة بناء المسجد التي امتدت إلى سنة 263 هجري /876م (حوالي 18 سنة). وتوفيت فاطمة الفهرية بعد ذلك بسنوات قليلة، بين عامي 878 و880م. 
وكان تصميم القرويين مربعا على نحو ما عرف في معظم المساجد الأولى إلا أن تربيعه لم يكن تاما ويبلغ طوله مائة وخمسين شبرا (أي حوالي 1600 مترا مربعا)
ويذكر الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني في كتابه ”فاس عاصمة الأدارسة” أنه " وعلى مر الدهور والأعوام تنافس الملوك والدول في توسيع بنائه ورصد الأموال للقيام به فزاد فيه أيام الدولة الزناتية أميرها أحمد بن أبي بكر من خمس الغنائم عام 345، وزاد فيه أيام الدولة المرابطية علي بن يوسف بن تاشفين، ثم لم يزل يوسع ويجدد وتزداد أوقافه، أيام دولة الموحدين ودولة المرينيين .. إلى أيام دولتنا العلوية الحاضرة". ويقول الباحث عبد الهادي التازي في كتابه “جامع القرويين: المسجد والجامعة بمدينة فاس” إن حيازة جامع القرويين لأوقاف جعلته مستقل ماليا عن خزينة الدولة بل أن الدولة اقترضت في مراحل تاريخية مختلفة من خزينة جامعة القرويين التي أفاضت منها على سائر مساجد فاس وسرت أوقافها الزائدة حتى المسجد الأقصى بالقدس، وحتى الحرمين الشريفين مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وبفضل القرويين وصف المؤرخ عبد الواحد المراكشي فاس في القرن السادس في كتابه "المعــجــب في تلخيص أخبار المغرب" فقال " ومدينة فاس هي حاضرة المغرب في وقتنا هذا، وموضع العلم فيه؛ اجتمع فيها علم القيروان وعلم قرطبة".
ويعتقد الكثير من المؤرخين أن مسجد القرويين أصبح جامعة بداية من عام 877 ميلادي -حسب موسوعة غينيس- بفضل دروس العلم التي كانت تنتظم في حرمه في وقت مبكر بعد تأسيسه. لكن البعض الآخر يرى أنه تحول إلى جامعة حقيقية بداية من عصر المرابطين (القرن الخامس هجري/الحادي عشر ميلادي) وزاد إشعاعه في عهد الدولة المرينية خلال القرن الرابع عشر والتي اتخذت من فاس عاصمة لها بدل مراكش فبنيت العديد من المدارس حوله وعُزّز الجامع بالكراسي في شتى أصناف العلوم كالفقه والأدب والرياضيات والفلك وغيرها. وقد ذكر الكتاني في كتابه المشار إليه ما يزيد عن العشرين مدرسة من المدارس التي أسست كفروع للقرويين في فاس. كما اشتهرت جامعة القرويين بمكتبتها التي أنشئت كذلك في العصر المريني وضُمت إليها فيما بعد مكتبة السلطان الموحدي يوسف بن عبد المؤمن لتضاهي مكتبة قرطبة التي كانت تحتوي ما يزيد عن 600 ألف مجلدا من الكتب.
وتصنف جامعة القرويين على أنها أقدم جامعة في العالم فهي تسبق جامعات أوروبا بحوالي القرنين من الزمن، فقد “تأسست أول جامعة في أوروبا وهي المدرسة الطبية بساليرن في صقلية جنوب إيطاليا عام 1050 ميلادية على يد الطبيب قسطنطين الافريقي (التونسي) ثم تأسست جامعة بولونيا للحقوق، ثم جامعة باريس عام 1200م.
وتدل القوائم الطويلة للفقهاء والشعراء وعلماء الفلك والرياضيات ممن جاؤوا من بلدان مختلفة لطلب العلم في جامعة القرويين على الصيت الذي كانت تتمتع به الجامعة. فمن بين هؤلاء المؤرخ عبد الرحمان بن خلدون المولود بتونس وصاحب كتاب العبر ومؤسس علم الاجتماع الحديث، وأبو الوليد بن رشد الطبيب والفيلسوف المعروف والطبيب الأندلسي موسى بن ميمون والادريسي أشهر الجغرافيين العرب والمسلمين، وعالم الرياضيات والفلك الشهير ابن البناء المراكشي، وابن غازي المكناسي عالم القراءات والرياضيات وبابا الفاتيكان سيلفستر الذي تنسب إليه عملية نقل الأرقام العربية إلى أوروبا، وغيرهم كثير. 
رحم الله فاطمة الفهرية التي بذلت من مالها أطيبه لتزرع نبتة طيبة -هي جامعة القرويين -أصلها ثابت وأفرعها في السماء وتؤتي أكلها منذ قرون دون انقطاع.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى