هل يؤدي حكم محكمة العدل الأوروبية بحظر الرموز الدينية في أماكن العمل، الذي يستهدف الحجاب بالأساس إلى تحول هذا الزي إلى رمز للمقاومة الإسلامية في أوروبا، وإلى زيادة انعزال المسلمات؟!
إيمان عمران صحفية بريطانية من أصل جزائري تعيش في لندن، ناقشت هذه الفكرة في مقال بصحيفةالغارديان البريطانية، معتبرة أن هذا الحكم امتداد لهوس أوروبا بما ترتديه النساء المسلمات، وهو الأمر الذي ظهر أولاً خلال الممارسات الاستعمارية.
وتتساءل هل لو لاحظ زملاؤها في العمل أنها لا تتناول الخمر أو لحم الخنزير سيتم إرغامها على التصرُّف بصورةٍ مختلفة؟
وهذا نص المقال كاملاً:
إنَّ القرار الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبية هذا الأسبوع للسماح بحظر الحجاب في أماكن العمل هو إشارةٌ أخرى على هوس القارة بما ترتديه النساء المسلمات.
ونصَّ الحكم على إمكانية حظر الحجاب فقط كجزءٍ من سياسةٍ تحظر كافة الرموز السياسية والدينية، ولذا صِيغ بطريقةٍ لا تستهدف النساء المسلمات بصورةٍ مباشرة. وبالفعل، شعر المؤتمر الأوروبي للحاخامات بالغضب، قائلاً إنَّ الحكم قد بعث برسالةٍ واضحة، مفادها أنَّ المجتمعات المؤمنة في أوروبا لم يَعُد مُرحَّباً بها، الأمر الذي سيؤثر على عددٍ من المجتمعات الدينية، بما في ذلك السيخ.
ومع ذلك، لا يُوجد شك بأنَّ المسلمين هم المجموعة الرئيسية المُستهدفة. ولهذا السبب كانت المجموعات اليمينية المُتطرِّفة في أنحاء القارة سعيدة للغاية بهذا الحكم.
وقال جورج باذدرسكي، من حزب البديل من أجل ألمانيا المُتشدِّد: "بالتأكيد يجب السماح للشركات بحظر ارتداء أغطية الشعر".
وغرَّد جيلبير كولار، عضو البرلمان الفرنسي، وأحد الداعمين لحزب الجبهة الوطنية اليميني المُتطرِّف: "حتى محكمة العدل الأوروبية تُصوِّت لصالح مارين لوبان".
وبطبيعة الحال، لا يجب أن تكون يمينياً مُتطرِّفاً لتُرحِّب بحظرٍ على "ارتداء أي رموز سياسية، أو فلسفية، أو دينية ظاهرة". إذ يعتقد الكثير من الليبراليين أيضاً أنَّ الدين لا مكان له في المجتمع الغربي العلماني.
ويقولون إنَّه لا يُوجَد هناك أي تمييز، إذ إنَّ المسيحيين أيضاً لن يكونوا قادرين على ارتداء الصليب بموجب نفس الحُكم.
ومع ذلك، لا يندرج الحجاب بدقة تحت مُسمى كوْنه "رمزاً دينياً". فإنَّه لا يُعادِل قطعة مجوهرات تُظهِر من خلالها الفخر بديانتك، والتي يمكن إخفاؤها بسهولة حتى لا يشعر الآخرون بعدم الارتياح. وبالنسبة لمن يرتدينه، يُعتبَر الحجاب جزءاً أساسياً من طريقة عيشهن، ويرتبط بالطريقة التي يخترن أن يُمارسن بها دينهن. إنَّه ليس أمراً متروكاً للنقاش.
حظر لعمل المسلمات
ومن خلال سماح أوروبا بفرض حظرٍ على الحجاب، فإنَّها بذلك تسمح أساساً بفرض حظرٍ على النساء المسلمات في أماكن العمل.
أتظنون أنَّي أبالغ؟ فكِّروا للحظة فيما ستكون عليه الآثار الحقيقية لحظر الحجاب في أماكن العمل. هل نعتقد حقاً أنَّ النساء اللاتي لديهن قناعة دينية بارتداء الحجاب سيخلعنه فحسب حينما يبدأن عملهن كل صباح؟ آسفة، ليست تلك هي الطريقة التي يجري بها الأمر.
إنَّ الهُوية ليست شيئاً تخفيه من أجل المجال العام من حولك. فحينما أصل إلى العمل، لا أتوقَّف عن كوْني مسلمةً وأتحول إلى صحفية.
فأنا أمارس ديني عندما أكون في المطعم من خلال الابتعاد عن لحم الخنزير، أو من خلال طلبي لمشروبٍ غازي بدلاً من الخمر حين يتعلَّق الأمر بمشروبات ما بعد العمل. فإذا ما لاحظ زملائي أنَّي أقوم بذلك، وهو أمرٌ يُشعِرهم بعدم الراحة، هل يجب إرغامي إذن على التصرُّف بصورةٍ مختلفة؟
يجب حماية الحجاب باعتباره حريةً، لأنَّه بالنسبة للكثير من السيدات يُمثِّل جزءاً لا يتجزَّأ من كينونتهن. وإذا ما أُرغِمت النساء المسلمات على الاختيار بين دينهن وبين العمل في بيئةٍ غير وديةٍ تجاههن، فإنَّهن ببساطة سيبتعدن عن أماكن العمل تلك. ربما قد لا ترى مشكلةً في ذلك. وربما تعتقد أنَّ المسلمين أنفسهم هم المشكلة.
وفي نهاية المطاف، سيؤدي هذا إلى انقساماتٍ أعمق في مجتمعنا، بدل أن يؤدي إلى زيادة الاندماج، كما يرغب أولئك الذين يدعمون الحظر، وذلك مع وجود المزيد من النساء المسلمات اللاتي يُقرِّرن البقاء في المجالات التي يشعرن فيها بأمانٍ أكبر، واندماجٍ أقل. وسيكون هناك المزيد من الانعزال والاستياء.
لا تُسيئوا فهمي، فأنا أرغب في العيش في مجتمعٍ علماني. وأؤمن بأنَّ القانون والعدالة في هذا البلد يجب أن يكونا بعيدين عن التأثير الديني، لكن يجب كذلك أن يكون الأفراد أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، ما دامت لا تؤثِّر على مَن حولهم. ويعني هذا الانقياد لتعصُّب أولئك الذين يشعرون بالانزعاج من رؤية الحجاب.
هكذا فعل الاستعمار
على مدار سنوات، استُخدِمت القيم الغربية في محاولة السيطرة واستغلال المرأة التي يدَّعي الناس أنّهم يُحرِّرونها.
وخلال حرب الاستقلال في الجزائر عام 1958، أظهر ملصق دعاية فرنسي وجهين لامرأتين، إحداهما تضع حجاباً، والأخرى بشعرٍ مكشوف، مع شعار: "ألستِ جميلة؟ اخلعي الحجاب إذن!". وبالإضافة إلى ذلك، أقام الفرنسيون احتفالياتٍ عامة لـ"خلع الحجاب"، تخلع فيها النساء الجزائريات حجابهن لتُظهِرن أنَّهن اخترن جانب المستعمرين.
لدي صديقات دُفِعن إلى ارتداء الحجاب في السنوات الأخيرة، لأنَّهن يشعرن أنَّ هُويتهن الإسلامية تعرَّضت للتهديد، وقرَّرن أن يأخذن موقفاً لصالح دينهن.
ربما نجح اليمين المُتطرِّف، والآن المحاكم الأوروبية، في تحويل الحجاب إلى شيءٍ قد يكون أقوى حتى من مجرد رمزٍ ديني، وفي تحويله كذلك إلى رمزٍ للمقاومة.