في عام 1903 فازت عالمة الفيزياء الفرنسية من أصل بولندي ماري كوري بجائزة نوبل للفيزياء لتكون بذلك أول امرأة تفوز بهذه الجائزة الرفيعة وذلك بعد ثلاث سنوات فقط من تأسيسها. وبعد مرور أكثر من القرن على هذا التويج، لا يزال حضور المرأة في مجالات العلوم دون المأمول حتى في الدول المتقدمة.
خلال العشرين عاما الماضية لم تحرز سوى سبع نساء على جوائز نوبل العلمية منها ست مرات في مجال الطب وهو ما يمثل أقل من 5 بالمائة من بين 149 فائزا بالجائزة. وكان فوز الإيرانية مريم ميرزاخاني بميدالية فيلد في الرياضيات سنة 2014 - كأول امرأة تفوز بها منذ تأسيسها عام 1936 - كسرا لقاعدة فوز الرجال بهذه الجائزة. وعلى خلاف ما يمكن أن تذهب إليه الأحكام المتسرعة من أن المرأة لا مكان لها في العلوم نتيجة لتمتع الرجال بقدرات ذهنية أفضل من النساء، فإن هذه الأرقام تؤشر لغياب المرأة عن مجال البحث العلمي وهو ما تؤكده نسبة النساء اللاتي يشتغلن في البحث العلمي والتي لا تتجاوز 28 بالمائة على المستوى العالمي. مع الملاحظة أن هذه النسبة في البلدان المتقدمة لا تختلف كثيرا عن المعدل العالمي اذ تبلغ في أوروبا وأمريكا الشمالية 32 بالمائة بينما تصل إلى37 بالمائة في الدول العربية. وتبين دراسة إحصائية أصدرتها اليونسكو سنة 2014 أن النساء الباحثات لا يمثلن الأغلبية إلا في 14 بلدا من مجموع 127 بلدا شملتها الدراسة ولا يوجد توازن مع الباحثين الذكور (بين 45 و55 بالمائة من النساء) سوى في بلد واحد من بين كل خمسة بلدان ولا تفوق نسبتهن في نصف بلدان العالم 30 بالمائة. وخلصت دراسات أخرى إلى نتائج مشابهة حول تعيين النساء على رأس المؤسسات العلمية الذي تبين أنه لا يتجاوز 6 بالمائة في اليابان و17 بالمائة في الصين و26 بالمائة في الولايات المتحدة و27 بالمائة في بريطانيا و 28 بالمائة في فرنسا.
وتؤكد الدراسات أن مسافة التباعد بين المرأة والمجالات العلمية تزداد تدريجيا بداية من المرحلة الجامعية الأولى ليتقلص حضور العنصر النسائي إلى أدناه بين الرتب العليا للتعليم العالي والبحث العلمي ومناصب الإشراف على فرق البحث أو المؤسسات العلمية. ويقدم الجدول التالي بيانا في تدني نسبة الإناث في المرحلة الجامعية الأولى ونسبتهن بين عدد الباحثين في بعض الدول العربية والغربية. ولئن كانت النسبة الأولى في أغلب البلدان المذكورة بالجدول تفوق 50 المائة، فإن النسبة الثانية لا تتجاوز 40 بالمائة بالنسبة لأغلب الدول.
تقف عدة أسباب وراء هذا التباعد بين العلم والمرأة أهمها النظرة النمطية للمجتمع التي لا ترى أن المرأة ذات مظاهر الأنثوي الواضح كالجمال يمكن أن تكون عالمة. فقد أظهرت دراسة علمية أنجزها باحثون من جامعة كولورادو أن المرأة "الجميلة" لا يُنظر إليها على أنها يمكن أن تشتغل في العلوم والهندسة. كما لو أن عليها أن تختار بين أنوثتها وبين اتخاذ مسار مهني في أحد مجالات العلوم. (رابط الدراسة ). وهذه النظرة النمطية تدفع بالكثير من النساء إلى تحويل وجهتهن نحو مجالات "غير ذكورية".
وحسب دراسة أخرى أوردتها جمعية "المرأة والعلوم" الفرنسية فإن 4 من كل 10 طلاب ذكور من حاملي شهادة البكالوريا العلمية (ختم الثانوية) يرغبون في العمل لاحقا في مجال الصناعة والطيران مقابل طالبة واحدة فقط من بين كل عشر طالبات يرغبن في ذلك، وهو ما ينعكس على نسبة الطالبات المتدنية في الهندسة والتي لا تتجاوز 27 بالمائة. وتبين الإحصائيات كذلك وجود فوارق كبيرة -تصل إلى حدود 19 بالمائة في فرنسا - بين الرواتب والحوافز التي يتمتع بها المرأة والرجل عند تساوي الكفاءة في الدول الأوروبية في قطاعات مختلفة منها التقنية والعلمية.
وتولد عن هذا الواقع عملية تذكير (من الذكورة) للعديد من المجالات العلمية والتقنية وهو ما زاد في صعوبة دخول المرأة -التي كثيرا ما تكون لها أعباء اجتماعية كتربية الأبناء- في هذه المجالات.
وتشكل هذه العوائق وغيرها ما يشبه "السقف البلوري" أو الحائط الخفي" أمام المرأة في مجال العلوم. ويطلق علماء الاجتماع هذا الاسم لتوصيف جملة العوائق التي تحول دون ارتقاء فئة من الفئات المجتمعية -المرأة عادة- إلى مستوى هرمي أعلى.
غير أن هذه الحقائق لا يمكن أن تحجب حقائق أخرى وهي أن نسب حضور النساء في المجالات العلمية في ارتفاع مستمر منذ عقود. فعدد الفائزات بجوائز نوبل العلمية وإن كان في حدود السبعة خلال العشرين عاما الماضية فهو أكبر من ضعف عدد الفائزات بالجائزة طوال النصف الأول من النصف الأول من القرن العشرين.