نصبح و نمسي على فتاوى مختلفة في شتى المجالات؛ العبادة، العمل، التجارة.. فأحد الدعاة يشرع و يدعو لقبول المبادئ والانصياع لها تحت مسمى" الاجتهاد" ، و آخر يفرض معارضا ما استجد نظرا لعدم ملائمته لأحد جوانب الحياة ..
وسط جلبة الأخذ والرد، التشريع و الدحض، القبول و الرفض .. تنبعث موجة التيارات الإسلامية ؛ فالتيار المؤيد ينصاع للمفتي نظرا لكونه رجل دين و فقيه، بل عالما ملما بأصول العقيدة و متشبعا بمبادئها و قيمها في حين أن التيار المعارض لا يجد بدا من إبداء رفضه القطعي و اعتبار كل ما استجد تأويلا لا يجوز العمل به او إتباعه .
لكن متى كان الدين حرفة موظفوه دعاة ، و قياداته رجال دين ، و أطره علماء فقه يتولون الفتوة و يتوجهون الى العامة بالدعوة ؟ بل أحيانا يجسدون مثالا للخلافة فتساق وراءهم عدة جهات و جماعات ليتبنوا أفكاركم و يتبعوا منهاجهم و يسيروا على منوالهم ..
أصبح كل من هب و دب يتبنى منهج الدعوة و يلقب نفسه " مفتي الأمة "، بل يمثل سراجها الوهاج و سبيلها الى الخلاص من العذاب و نيل مكانة في الجنان ، هو عالم لكن دون تكوين أكاديمي او تسريح علمي ، فقيه لكن جاهل لأصول الشريعة و مسالكها ، داعي الأنام بزاد الضلال يفسر الآيات و الأحاديث حسب هواه فيؤولها و يحرف الكلمات .. ليكون بذلك السبب الرئيسي في انتشار النزاعات و التفرقة بين أبناء الأمة الواحدة فيظهر التطرف و الإرهاب كنتيجة طبيعية لذلك.
الدين ليس حرفة، و لا يوجد في الإسلام وظيفة اسمها رجل دين، حتى يتهافت عليها المتطفلون ليندرجوا ضمن قائمة أهل الدعوة ، فيستغلوا هاته المكانة ذات الطابع الديني لأغراض سياسية و أخرى اقتصادية ناهيك عن تلك الاجتماعية ..
القران دستور الأمة و منهجها الكفيل لتحقيق الاستقرار في مختلف مناحي الحياة فقد فسر ما استعصى على الإنسان فهمه و ضرب الأمثلة لتقريب الصورة من ذهن القارئ و المستمع كما أن السنة أتت مبسطة لكل أمر مضمر مستثر ، في حين يظل الاجتهاد وسيلة لتوضيح ما استجد من أحداث شريطة معالجته من طرف متخصصين لا هاويين !
مع الأسف ، تحولت الدعوة الى حرفة و اختزل البعد الديني القيم ليتحول الى مهزلة تحت مسمى "الفتوى" ، مهنة يمارسها البعض دون ضمير لتحقيق أغراض شخصية على حساب المصلحة العامة .