في لبنان حيث تتحكم الطوائف بقوانين الأحوال الشخصية تخشى ريتا أن يعيش ابنها آدم التجربة ذاتها التي مرت بها قبل حوالي 20 عاما حين حرمها القضاء الشرعي من حضانة أمها بعد انفصال والديها.
وتحدد غالبية الطوائف في لبنان سن الحضانة الذي يحق خلاله للأم الاحتفاظ بطفلها بعد الطلاق، لكن المحكمة الجعفرية التابعة للطائفة الشيعية تبقى الأقل كرما في حق الوالدة.
وتناضل ريتا شقير (24 عاما) للحصول على حضانة طفلها آدم (أربع سنوات) بعد طلاقها من زوجها في 2015. وتقول “كيف يمكن لشخص مثلي حرم من أمّه في عمر الثلاث سنوات بسبب قرار صدر عن المحكمة الجعفرية أن يثق بها اليوم؟.”
ومنحت المحاكم الشرعية السنية في 2011، وبعد حملة طويلة، الأم حق حضانة أطفالها حتى سن الثانية عشرة. أما المحكمة الجعفرية فتسمح للأم بحضانة الطفل الذكر حتى السنة الثانية والأنثى حتى السنة السابعة.
ويمنح الروم الأرثوذكس على سبيل المثال أيضا الأم الحضانة حتى سن 14 عاما للذكر و15 عاما للأنثى. أما الطائفة الدرزية فتمنح الأم الحضانة حتى 9 سنوات للأنثى و7 سنوات للذكر.
وقبل حوالي 20 عاما حاربت ريما والدة ريتا من أجل الحصول على حضانة ولديها دون أن تنجح. ولا تتمالك ريما دموعها حين تتذكر معاناتها مع المحكمة الجعفرية التي منحتها 8 ساعات أسبوعيا لرؤية ولديها. وتتذكر بمرارة حين تقول “حين قلت للشيخ إن زوجي كان يقوم بممارسات سيئة جدا، كان جوابه غالبا، أنت من رفعت صوتك أمامه”.
وأمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى اعتصمت العشرات من الأمهات السبت الماضي مع أطفالهن وناشطون من المجتمع المدني دعما لحق ريتا بحضانة طفلها وبدعوة من “الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية”.
وحمل المشاركون في الوقفة الاحتجاجية لافتات جاء في بعضها “الحضانة حق لريتا ولكل أم”، و“أولادنا منّا محرومون، بأي شرع وبأي دين؟”.
وتوضح مؤسِّسة الحملة زينة إبراهيم قائلة “نخوض هذه المعركة منذ أربع سنوات، ولم نلق أي تجاوب من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى”.
ويقول رئيس المحكمة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي السيد علي مكي “الطائفة الشيعية تعتمد أساسا على الاجتهاد (..) لكن المرجعية العليا للمجلس هي في النجف الأشرف”. ويضيف “تعديل الأمر ليس بالأمر السهل لدى الطائفة الشيعية (..) فالاجتهاد فيها ليس بالأمر السهل”.
وتروي ريتا أنها أبقت ابنها معها لفترة قصيرة بعد الطلاق قبل أن يغير زوجها رأيه ويطالب به، فرضخت للأمر الواقع مكتفية برؤية ابنها بين الحين والآخر. إلا أن الأمر لم يطل كثيرا بعدما تعرضت، بحسب قولها، للضرب على يد عائلة زوجها ولاحظت سوء اهتمام بطفلها.
فقدمت دعوى أمام المحكمة المدنية المستعجلة المختصة في شؤون العنف الأسري علّها تحصل على قرار سريع “يحميني وابني” بحسب ما قالت، إلا أن القرار لم يكن لصالحها. ومنحتها المحكمة ثلاث ساعات فقط السبت من كل أسبوع بانتظار أن تبت المحكمة الجعفرية في الحضانة.
وبعد انتظار لنحو شهرين لم تر خلالهما آدم، تمكنت ريتا أخيرا من احتضان ابنها الذي ظهر في شريط فيديو تم تداوله يوم 11 من الشهر الجاري على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يخرج من سيارة فاتحا ذراعيه لوالدته.
وتصر ريتا على أنها ستكمل المعركة “حتى آخر يوم من عمري”، مضيفة بينما تنظر إلى صور آدم على هاتفها الجوال أن “المتضرر الأول من موضوع الحضانة هو الطفل”.
وفي مطلع نوفمبر الماضي، سجنت فاطمة حمزة (32 عاما) ستة أيام بعد رفضها تسليم ابنها علي (أربع سنوات) إلى والده وإصرارها على حقها في تربيته. وأثار توقيفها تعاطفا وجدلا كبيرين في لبنان قبل أن يتم الإفراج عنها.
وجاء سجنها بعدما رفع والد الطفل في مارس 2015 دعوى حضانة. وبعد نحو عام جاء في نص قرار القاضي الشرعي “حيث أن الولد قد تجاوز سن الحضانة لدى أمه فأصبح في حضانة والده كحق شرعي”.
وقالت فاطمة حينها، فيما كان علي يركض في أرجاء منزل عائلتها في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، “لم تسمعني المحكمة (..) بل زادوا الظلم بحبسي”. وأضافت “دخلت السجن لأنني لا أريد أن أسلم علي، ورفضت خلال فترة توقيفي أن يطرح الموضوع أساسا”.
وعلى هامش مشاركتها في التظاهرة الداعمة لقضية ريتا، قالت فاطمة “مازلت في نزاع قضائي ومازلت أحارب للمحافظة على حضانة ابني.. قلت للقاضية إنني مستعدة لدخول السجن مرة ثانية، لكنني لن أنفذ القرار الجائر والمجحف بحقي”. وتعتبر فاطمة التي تعمل مربية أطفال في مدرسة أن “الأمهات أصبحن يتجرأن اليوم بعدما كسّرن حاجز الخوف”، مضيفة “كفى ظلما وقهرا ودموعا.. المطلوب رفع سن الحضانة”.