تناولت العديد من الدراسات طبيعة علاقة الصداقة بين الجنسين واحتمالات تطورها في المستقبل وكذلك المعايير التي من شأنها أن تتحكم في إمكانية وجودها واستمرارها كعلاقة صداقة وضمان عدم تطورها إلى علاقة عاطفية أو علاقة جسدية محرّمة.
ووجد المتخصصون أن الرجل خلال فترة زمنية من العمر وخاصة الثلاثينات يحتاج إلى علاقة صداقة مع الجنس الآخر لكي يجد شخصا يلجأ له وقت الحاجة والرغبة في الكلام لكن هذه الصداقة من شأنها أن تواجه رفضا في المجتمعات الشرقية المتمسكة بالعادات والتقاليد، إلا أنه في زمننا المعاصر لم تعد هذه العلاقة تمثل مشكلة لكن في النهاية سيقع أحدهما في علاقة حب مع الطرف الآخر وهنا ستنتهي الصداقة.
وكشفت دراسة أميركية أجريت على فئات عمرية مختلفة أن الصداقة بين الجنسين مجرد علاقة يشوبها الضباب تحتمل جميع الاحتمالات وغالبا لا تستمر كما هو الحال في الصداقة من نفس الجنس، حيث وجد أن نصف المشاركين في الدراسة انتهت صداقتهم بعلاقة جنسية ولم تستمر الصداقة البريئة.
وقالت الدراسة إن معظم الرجال ينجذبون في البداية إلى شكل المرأة وإن كانوا يعتبرونها مجرد صديقة، ويشعرون أنها تبادلهم الشعور نفسه، أي أنهم يفهمون اهتمامها على أنه إعجاب متبادل. فيتلاشى مفهوم الصداقة تلقائياً كونه مبنياً على الانجذاب والإعجاب وليس على مضمون الشخص الآخر.
ويرى الكثيرون أن الصداقة بين جنسين مختلفين أكثر عمقا وصدقا من الصداقة بين نفس نوع الجنس، فكثيرا ما نجد الفتيات يفضلن صداقة الرجال على البنات معتبرات أن الشاب يكون أكثر صدقا ووفاء معها في الشدائد على خلاف العلاقة بين الفتيات التي عادة ما تشوبها الغيرة والحقد.
وأشار حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إلى أن العلاقات في المجتمع الشرقي تتمتع بالحذر والخوف خاصة إذا كانت بين رجل وامرأة، حيث أنها تمر بالعديد من العواصف خاصة في ظل مجتمع يحافظ على العادات والتقاليد وينظر إلى هذه العلاقة على أنها من ضمن الأمور التي نهى عنها الدين الإسلامي، لذلك نجد أن الكثير من المجتمعات المحافظة يرفض الصداقة بين جنسين مختلفين، في حين نجد أن هناك دول أخرى تتمتع بالانفتاح وترى أن هذه العلاقة لا يوجد بها تخطّ للمحظورات مع وجود بعض التحفظات الناتجة عن تجارب وخبرات شخصية.
وأشار إلى أنه في ظل الانفتاح الذي نعيشه والذي طرأ على المجتمعات العربية بالإضافة إلى انتشار المدارس المختلطة ووجود نشاطات مختلفة بين الجنسين وتقابلهما في العمل أصبح من الوارد وجود صداقة بين الجنسين. وبدأت مفاهيم الأشخاص في التغير والخروج بمصطلحات جديدة مثل “الصداقة البريئة” و”الصداقة الصافية” أي أنها لا تتجاوز في طبيعتها الحدود وهي كأيّ صداقة أخرى تنشأ بين شخصين من نفس الجنس.
ولفت الخولي إلى أن طبيعة المجتمع وما يتخلله من تقاليد مرسخة في شكل قوالب اجتماعية ليس من السهل تجاهلها، والتي من ضمنها عدم الموافقة على الصداقة بين الرجل والمرأة؛ فمهما كانت العلاقة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون محدودة على خلاف العلاقة من نفس الجنس.
وأضاف أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يبررون علاقتهم بالجنس الآخر على أنها جيرة أو زمالة في العمل، حيث أصبحت كلمات “جاري وزميلي وقريبي” هي المبرر السائد لتفادي الشبهات في العلاقة بينهم، في حين يرى آخرون أن جنس الصديق لا يهمّ طالما وجد الشخص الذي سيحتويه ويسمع مشاكله بل ويساعده في حلها، وغالبا ما تتجه الفتيات لمصادقة الشباب بسبب العرف السائد أن علاقة الفتيات يشوبها الحقد والغيرة المتبادلة.
وأوضحت هبة الفايد، استشارية العلاقات الأسرية والزوجية، أن الصداقة بين الرجل والمرأة في مجملها ينظر إليها المجتمع الشرقي على أنها شيء مختلف، ويزداد الأمر سوءا إذا كان الرجل متزوجا والمرأة متزوجة حتى ولو كانت العلاقة في إطار الصداقة في مكان عمل واحد فهي علاقة يرفضها المجتمع والدين ومن شأنها أن تجلب الكثير من المشكلات في حياتهما وقد تؤدي إلى الطلاق.
ونبهت إلى أن هذه الصداقة تندرج تحت بند الخيانة الزوجية لأنها في الأغلب ما تكون من خلف الزوج أو الزوجة حتى ولو كانت في إطار الصداقة البريئة، إلا أن الأفضل الابتعاد عن تلك النوعية التي تشوبها الأقاويل ويرفضها المجتمع، محذرة من هذه العلاقة التي تندرج تحت بند الصداقة لأن كل طرف يبحث عن الأشياء التي يفتقدها في شريك حياته، ومن الممكن أن تتحول هذه الصداقة إلى علاقة غير مشروعة لذلك لا بد من تفاديها.
ونبّه علماء نفس أميركيون إلى أن الاحتفاظ بعلاقات الصداقة مع شركاء الحياة السابقين قد يلحق ضررا بالصحة، وقالوا إن لمثل هذه العلاقات أهدافا مختلفة وأشاروا إلى أن الرجال، وخلافا للنساء، يرغبون دائما في مواصلة العلاقة بصورة ما.
وأوضحوا أن السعي للحفاظ على علاقات طويلة الأمد مع الشريك السابق يؤدي إلى تطور الأمراض النفسية المختلفة ونمو المتلازمة التي تتجلى مظاهرها في القسوة والخداع والأنانية والعواطف الضعيفة.