تمثل فترة “سن اليأس” تحديا كبيرا للعديد من النساء، ولكنها بالنسبة للأخريات أمر يمكن أن يمر بسلاسة ولا يترك تأثيرا نفسيا كبيرا، إلا أن نتائج بحث علمي حديث أشارت إلى أن حدوث اضطرابات نفسية حادة لدى بعض النساء مرده معاناتهن في مرحلة الطفولة أو في المراحل المقاربة التي تلتها من العمر؛ إذا أن التجارب الصادمة في مرحلة الطفولة قد ترفع نسبة الإصابة بالأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية إلى الضعف في مراحل لاحقة من العمر.
ووصفت الدراسة الأولى من نوعها في هذا الإطار، التجارب الصادمة كأن تكون حالات إهمال متعمد في مرحلة الطفولة، إساءة لفظية أو جسدية أو ربما حالة طلاق الأب والأم.
وأكد خبراء أشرفوا على الدراسة في جامعة بنسلفانيا الأميركية أن الضغوط النفسية في مرحلة مبكرة من العمر قد تترك أثرا دائما على المنطقة المسؤولة عن المزاج في الدماغ، حيث تتسبب بعض المعاناة في مرحلة الطفولة في زيادة أو مضاعفة الأعراض النفسية القـاتمة في مرحلة سن اليـأس للمرأة.
ولعل أكثر أعراض التحولات الهورمونية شيوعا لدى المرأة في هذه السن الشعور بضيق التنفس والهبّات الساخنة في الجسد، إضافة إلى التعرق الليلي، إلى ذلك أثبتت بعض الأبحاث أن حالات الاكتئاب التي تتعرض إليها بعض النساء قد تكون في المرحلة الزمنية التي تتخلل انتقالهن إلى سن اليأس، فضلا عن أن هذه التقلبات الدراماتيكية في مستويات الهورمونات في الجسد تصاحب المرأة في سن البلوغ وسن اليأس على حد سواء.
وأشار الأستاذ نيل إيبرسون المشرف على الدراسة من جامعة بنسيلفانيا، إلى أن الضغوط التي تواجهها المرأة في مقتبل حياتها وربما في مرحلة الطفولة، قد تكون لها آثار سلبية وطويلة الأمد على تطوير ووظائف مناطق معينة في الدماغ، تلك المسؤولة تحديدا عن العواطف والمزاج والذاكرة، إلا أن توقيت حدوث هذه التجارب الضاغطة بصورة دقيقة يحمل نفس الدرجة من الأهمية في تأثيره على الدماغ.
وتكونت العينة التي شاركت في الدراسة من 243 سيدة تراوحت أعمارهن بين 35 و47 عاما، وغطت الدراسة فترة زمنية امتدت بين عامي 1996 و2012. وعلى مدى 16 عاما من عمر الدراسة أكملت النساء المشاركات حوالي 16 استبيانا تم من خلالها تسجيل تقييم لحالتهن المزاجية والإدراكية؛ حيث تم تحديد أكثر التجارب الضاغطة التي واجهنها في مرحلة مبكرة من العمر، وأكثرها شيوعا، مثل الاعتداء والإساءة الجسدية، انفصال الأبوين، إضافة إلى العيش تحت كنف آباء مدمنين للكحول، كما اعتمد أخذ عينات دم من المشاركات لقياس مستويات الهورمونات على مدى الفترة الزمنية للدراسة، التي نشرت نتائجها في مجلة “الطب النفسي-الإكلينيكي” الأميركية.
وأشارت النتائج إلى أن السيدات اللاتي شهدن تجربة أو تجربتين من تجارب الطفولة القاسية، تضاعفت فرصهن مرتين للإصابة بالاكتئاب في مرحلة سن اليأس، مقارنة بالسيدات اللاتي لم يواجهن تجارب حياتية ضاغطة في مرحلة الطفولة.
ويأمل متخصصون في إمكانية تحقيق تقدم علمي ملموس بعد إجراء المزيد من البحوث في هذا المجال لمعرفة التأثير المحتمل لاستخدام العلاج الهورموني وأهميته في التخفيف من حالات الاكتئاب والأعراض الأخرى المصاحبة لهذه المرحلة العمرية القلقة.
ويستخدم العلاج الهورموني عادة للسيدات اللاتي يعانين من الومضات الحارّة “الهبّات”، والتعرق الليلي وأعراض سن اليأس الأخرى، ويعتقد أن له فوائد صحية أخرى على المدى البعيد وخاصة لأمراض الذاكرة، إلا أن بعض الأطباء والمتخصصين يحذرون من أضراره الجانبية الأخرى، بل يوصي بعضهم السيدات بالابتعاد نهائيا عن هذا النوع من العلاج، ومن جملة المحاذير يرجح بأن العلاج بالهورمونات يجعل من اكتشاف مرض سرطان الثدي أمرا بالغ الصعوبة، خاصة مع السيدات اللاتي يمتلكن تاريخا عائليا يتعلق بهذا المرض وغيره مثل سرطان المبيض، سرطان الرحم، إضافة إلى جلطات الدم بأنواعها.
وعلى الرغم من ذلك ما زال الجدل دائرا بين مؤيدي هذا النوع من العلاج ومعارضيه؛ وتوافقا مع نتائج إحدى الدراسات الحديثة في هذا المجال يرى بعض الأطباء أن هذه النتائج تدعم التوصية بالبدء بالعلاج الهرموني البديل على الفور بعد انقطاع الطمث، بغض النظر عن العمر الزمني، الأمر الذي يستوجب من النساء البدء بالعلاج فورا بعد انقطاع الطمث للتخفيف من أعراض سن اليأس وللحد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وهشاشة العظام، إذ أن البدء بالعلاج الهرموني في مرحلة متأخرة يؤدي بأعضاء الجسم إلى المعاناة بسبب نقص الهرمونات لفترة طويلة، ومن ثمة تضعف وتصاب بالشيخوخة.
ومع ذلك يمكن البدء بالعلاج أيضا في مرحلة متأخرة أكثر مع ضرورة وجود المتابعة الطبية لكل مرحلة من مراحل العلاج للتأكد من عدم حصول مضاعفات صحية جانبية.
من ناحية أخرى ينصح الأطباء السيدات لمواجهة أعراض سن اليأس باللجوء إلى الخيارات الطبيعية مثل تغيير أسلوب الحياة بصورة كاملة؛ الابتعاد عن تناول المشروبات الكحولية والمشروبات التي تحتوي على الكافيين، الابتعاد عن التدخين، تناول الغذاء الصحي الذي يحتوي على الخضراوات والفواكه بشكل كبير، إضافة إلى ممارسة التمرينات الرياضية بصورة منتظمة.