30% من الأسر في الإمارات تعاني من مشكلات اجتماعية مختلفة كما تقول بعض الدراسات التي نطالع نتائجها عبر الصحف بشكل مختصر، بينما الإعلام المحلي لم يحاول بشكل جدي تقديم رؤية إعلامية مستنيرة تواجه هذه المشكلات أو تعالجها بما يتفق مع حرص الحكومة ومطالبات المهتمين والدارسين المنادين بدور أكثر عمقاً ومشاركة للإعلام في الواقع الحياتي للناس، بحيث يستطيع أن يقف في وجه الإشكاليات والمؤثرات التي تعمل على تفكيك العلاقات الأسرية، فإعلامنا يهتم بشكليات وقضايا تبدو سطحية كثيرا واستهلاكية أكثر مما يجب على حساب قضايا الأسرة والشباب والمراهقين مثلاً، مع قناعاتنا أن للتلفزيون دورا ترفيهيا كبيرا لكن هذا لا يمنع من التذكير بدوره التوعوي الذي يكاد يتلاشى بشكل واضح في بعض إعلامنا للأسف.
إن مشاكل الأسرة العربية بشكل عام والأسرة الإماراتية خاصة كثيرة ومتفرعة ضمن مسارات ومجالات مختلفة، وهي نفس المشاكل في كل البيئات العربية، وربما تكون المرأة والطفل هما أكثر وأول ضحايا هذه المشاكل، وهنا فإن الإعلام لا يقف في مواجهة هذه المشاكل لكنه يكرسها ويرسخها ويفاقم منها بكمية ونوعية الأعمال الدرامية والمسلسلات التي يعرضها طوال العام والتي تضر أكثر مما تنفع.
أكثر من 70% من مراهقي السعودية مثلا بحسب إحدى الدراسات متحدرون من أسر تعاني من شجارات دائمة وعنف مستمر بين أفرادها، في الوقت الذي يشكل العنف ما نسبته 100% من خريطة الأعمال الدرامية، وفي الوقت الذي لا تحاول فيه هذه الأعمال أن تتبنى مواقف مناهضة للعنف أو للجريمة بل العكس نجدها تعمل على نشر وتروج العنف دون أن تتساءل عن تأثيرات ذلك على شرائح الأسرة المختلفة.
لقد أسهمت المسلسلات العربية والخليجية التي تحفل مشاهدها بالكثير من مناظر تعنيف المرأة وضربها وقهرها وظلمها بنشر هذه السلوكيات، لأن عرضها بهذه الكثافة وعلى مدى أيام طويلة وسنوات متتالية قاد إلى قناعة مفادها أن واقعاً حقيقياً يحتفي بهذا العنف ويكرسه ولا يجد غضاضة فيه، فاذا كان العنف موجودا فلماذا لا تنبري اقلام الصحافة بالنقد والتوجيه لهذا العنف غير المقنن.
لم تسهم المسلسلات في نشر العنف ضد المرأة، لكنها اسهمت في تشويه صورة المرأة بتحويلها إلى نموذج مجسد للهوان وتقبل الظلم، وبالتالي تحويلها إلى شخص يجوز قهره وتعنيفه وعليه أن يتقبل ذلك لأجل الحفاظ على كينونة الأسرة والتضحية من أجل العائلة، وغفران سلوكيات الرجل الواقع تحت ضغط توفير لقمة العيش للأسرة وضغوطات المجتمع المختلفة!
إن المرأة العربية التي حاول البعض أن يطلق باسمها محطات فضائية تتبنى تصحيح الصورة والمفاهيم المغلوطة بشأن صورتها، تحولت في ختام الأمر إلى مجرد تمثال جميل ورمز مرادف للإغراء والاستهلاك وفراغ العقل، فتحولت في هذه الفضائيات إلى مجرد برامج طهي ومكياج وتجميل وأزياء لا أكثر.
المرأة إنسان كامل الأهلية، وهي في الوطن وفي الدستور والقانون مواطن كامل المواطنة، له ما للرجل وعليه ما عليه من واجبات المواطنة وحقوقها، ومن هذا المنطلق يجب أن نبدأ خطوات التصحيح وليس من أي مكان آخر! فلا مشكلات محصورة في المرأة فقط، ولا حقوق مسلوبة من المرأة فقط، في عالمنا العربي المشكلة مشكلة إنسان عربي، رجل كان أو امرأة فكلاهما يواجهان التحديات الكبرى: الجهل، الفقر، الأمراض، استلاب الحقوق السياسية والاجتماعية وبذات الدرجة.