شرّعت مجالات العمل أبوابها للنساء، اللواتي تفوّقن على الرجل في مجالات عديدة، وأثبتن أنّهنّ قادرات على التوفيق بين العمل من جهة، والمسؤوليات المنزلية والعائلية من جهةٍ أخرى.
وعلى الرغم من استمرار وجود ثغرات هنا، ونواقص هناك، يبدو لافتاً للانتباه توجّه 60.2 في المئة من النساء العاملات إلى قطاع الخدمات، علماً أنّ النساء العاملات يشكّلن حوالي 30 في المئة من مجموع القوى العاملة في لبنان، وفق "إدارة الإحصاء المركزي" (المسح العنقودي متعدد المؤشرات - متابعة أوضاع النساء والأطفال، 2009). وليس مستغرباً أن يكون القطاع المصرفي في الطليعة، فنسبة العاملات فيه لا تقلّ عن 45.6 في المئة من مجموع العاملين نهاية العام 2012.
وتوضح مديرة "الإحصاء المركزي" مارال توتاليان لـ"السفير" أن "نسب توزّع النساء على قطاعات العمل لم تشهد تغيّرات كبيرة منذ العام 2009". وإذ تؤكد أنه "يمكن الاعتماد على هذه الأرقام للعام الحالي"، تنوّه بوضع المرأة العاملة في لبنان، آملةً أن "تستمرّ في التقدّم في المجالات كافة".
أفضل من الرجل
تفيد ستاماتيادس "السفير" بأنّ "ما أوصلها إلى مركزها هو المواظبة وحبّ العمل والمثابرة". أمّا عن الصعوبات التي اعترضت طريقها، فترى أنّ "الصعوبة تكمن في دوام العمل الطويل الذي يبعدها عن أولادها وزوجها، ما يتطلّب منها جهداً أكبر لتغطية فراغ غيابها بسبب العمل".
وتلحظ أنّ "المرأة الناجحة، تثبت نفسها في عملها وفي منزلها على السواء، مهما كان الأمر صعباً". وإذ تلفت الانتباه إلى أنّ "قلّةً من الرجال ما زالوا يعانون من مشكلة مع السلطة، إذا كانت المسؤولة عنهم في العمل امرأة"، ترى أنّ "الزمن يسير في اتجاهٍ إيجابيّ، والمرأة اليوم قويّة وقادرة ومستقلّة، وبات الأمر واضحاً ومعلوماً من قبل الأغلبية".
لتذليل المشقّات
نائلة الخوري التي تنقّلت بين مراكز إدارية مختلفة في أكثر من مصرف في لبنان والخارج، إلى أن تقاعدت قبل أشهر، تشير إلى أنّ "القطاع المصرفي كالعديد من القطاعات الأخرى، أعطى المرأة العربية عموماً، واللبنانية تحديداً، فرصةً لتثبت نفسها، وكفاءتها وتواجه الصعوبات بشجاعة"، آملةً عبر "السفير" أن "تواظب النساء، كلّ واحدة في مكانها على تذليل المشقّات، وعدم الاكتراث للأصوات التي تحاول التقليل من شأن المرأة العاملة". تتابع: "المرأة قادرة على القيام بأصعب المهام، وربّما هذه الإمكانيات العقليّة والمهنيّة العالية التي تمتلكها، تخيف المجتمع الذكوري، لذلك ما زال يحاربها أحياناً، لكن كما يقول المثل لا يصحّ إلاّ الصحيح".
أمّا غلوريا الحلو التي تتابع دروسها في الماجيستير في العلوم المصرفية، إلى جانب عملها في أحد المصارف، فتكشف لـ"السفير" انها "اختارت هذه المهنة لأنها ممتعة وتفتح للمرأة آفاقاً مهمّة حتى تتقدّم وتتطوّر اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً في طبيعة الحال"، مؤكّدةً أن "المرأة فرضت نفسها في القطاع المصرفي، وباتت تتسلّم مناصب إدارية، لأنها محط ثقة وقادرة على حلّ الأمور بهدوء وسلاسة أكثر من الرجل في كثيرٍ من الأحيان".
العازبات 50.2%
وفق التقرير السنوي لـ"جمعية المصارف"، ازداد في العام 2012 عدد العاملين في القطاع المصرفي 765 شخصاً غالبيتهم من حملة الشهادات الجامعية، 52 في المئة منهم من الإناث و42 في المئة من الذكور، أي ما نسبته 3.5 في المئة مقارنةً مع نهاية العام 2011 حيث بلغ عدد الموظفات والموظفين الإجمالي 21 ألفاً و881 موظفاً.
على صعيد الوضع العائلي، لا تزال نسبة العازبين تتخذ المنحى التراجعي، إذ بلغت 39.5 في المئة من مجموع العاملين في نهاية العام 2012، وشكلت الإناث العازبات 50.2 في المئة من مجموع العازبين في نهاية العام 2012 مقابل 49.8 في المئة للذكور.
النضال بدأ يثمر
ترى رئيسة "رابطة المرأة العاملة في لبنان" إقبال دوغان لـ"السفير" أنّ "المرأة أثبتت نفسها في أكثر من قطاع، ولمعت في الخدمات لا سيما في القطاع المصرفي الذي يضمّ أكبر نسبة من العاملات"، مشيرةً إلى أن "النضال النسوي بدأ يثمر، وقد بدأنا نرى نساءً مميّزات، أبدعن وتسلّمن مراكز مهمّة في سوق العمل".
وتستدرك قائلة: "لكنّ النضال متواصل، فالمرأة لم تأخذ حقوقها كافة، وما زالت تعاني من مشكلات عدة". وفي هذا السياق، تأسف من "استمرار الانتقاص من حقوق المرأة في العمل إن لناحية إجازات الأمومة أو الدوامات الطويلة، من دون الأخذ بعين الاعتبار المسؤوليات الأخرى الموكلة للمرأة من أعمال منزلية وتربية أولادها"، لافتةً الانتباه إلى أن "المرأة ما زالت تعاني في مؤسساتٍ كثيرة من السلطة الذكورية، لناحية تفضيل تعيين الرجال في مواقع السلطة والإدارة".
تعيد دوغان هذه الممارسات في حق المرأة، إلى "ترسّبات تاريخيّة"، تحتاج، وفق رأيها، إلى "وقتٍ ونضال مستمرّين من قبل المرأة"، آملةً أن "يأتي يوم ويعترف فيه المجتمع العربي عموماً، واللبناني خصوصاً، بأنّ المرأة عاملة ناجحة، وتستطيع التوفيق بين حياتها المهنية ومسؤولياتها كزوجة وأم".
الخدمات الأخرى
إلى جانب القطاع المصرفي الذي يستقطب أكبر نسبة من العاملات اللبنانيات، وفيما تغيب النساء عن قطاع الإنشاءات، تضمّ أبرز القطاعات الأخرى، النسب الآتية:
- التجارة 21.5 في المئة من العاملات.
- الصناعة 7.5 في المئة.
- الزراعة 5.7 في المئة من العاملات (علمًا أنه لا توجد أرقام دقيقة في هذا القطاع، نظراً لقيام المرأة في أعمال زراعية مختلفة إلى جانب زوجها، وهي غالباً لا تلحظ ضمن الإحصاءات الرسمية، وفي إدارة الضمان الاجتماعي).
- الوساطة المالية والتأمين 3.2 في المئة.
- 1.4 في المئة للنقل وأنشطة البريد والاتصالات السلكية.