لم أفاجأ عندما قرأت مقال الدكتورة موضي الزهراني الأسبوع الماضي عن منعها من دخول مكتبة بيت الله الحرام في مكة، لم أستغرب أن أمام واجهة المكتبة لوحة معلّقة تتضمّن عبارة “ممنوع دخول النساء”.
ذكرتني هذه الظاهرة الغريبة بحادثة توقيف روزا باركس لرفضها التخلي عن مقعدها لرجل أبيض في باص عام 1955 بالولايات المتحدة الأميركية؛ نعم كانت وسائل النقل محظورة على الأميركيين الأفارقة من ذوي البشرة السوداء. عللت روزا السبب الحقيقي وراء عدم وقوفها في الحافلة وتركها مقعدها هو أنها شعرت بأن لديها الحق أن تعامل كأي راكب آخر على متن الحافلة، لأنها عانت تلك المعاملة غير العادلة لسنوات طويلة. ظاهرة التفرقة العنصرية كانت أيضاً منتشرة بشكل كبير في جنوب أفريقيا إلى منتصف التسعينات. لم يكن مستغرباً أن تشاهد لوحات معلقة على واجهات بعض الفنادق والمطاعم الراقية في جوهانسبرغ تقول بصريح العبارة الوقحة: “ممنوع دخول الكلاب والسود”.
لماذا يُسمح للرجال دون النساء بالتمتع بالدخول لمكتبة بيت الله الحرام؟ لماذا يُسمح للرجال فقط دون النساء بقيادة السيارة في السعودية؟ نريد إيقاف المهازل العبثية بإنسانية البشر وخاصة ما يتعلق بالمرأة وحريتها الشخصية.. من حق المرأة مزاولة حياتها اليومية مثل بقية نساء العالم دون الوصاية المتعنتة والولاية الأبدية. ألم تأتِ الأديان لإحقاق العدل ودفع الظلم؟
هناك تناقض غريب في التعامل مع المرأة؛ بإمكانها أن تدخل الجامعة كمديرة وأن تدخل وزارة التعليم كنائب، ولكن محظور عليها أن تدخل مكتبة عامة. بإمكانها أن تجلس في مقعدها في مجلس الشورى ولكن محظور عليها أن تجلس في مقعد قيادة السيارة. لماذا هذا التحيز العنصري ضد المرأة؟ أليس من العدل أن يكون للمرأة حق تحديد شؤونها الحياتية وفق قناعاتها الشخصية؟ إذا كانت الإجابة (نعم)، فالمجتمع كله ملزم بتوفير حرية اختيارها وقراراتها.
في واقعة أخرى تصف الكاتبة هيا عبد العزيز المنيع بحسرة كيف أصر موظف في إحدى مؤسسات الاتصالات في وسط السوق في مركز تجاري كبير أن تحضر زوجها أو ابنها لتحصل على بطاقة بيانات للإنترنت… وعندما ذكرت له أنها جاءت مع السائق، طلب منها إحضار السائق كمحرم لها لأن رجال الهيئة- كما قال- يمنعون دخول النساء بدون محرم. مازلنا نعامل المرأة كأنها قاصر، وبذلك من المستحيل تحقيق العدالة طالما أن الرجل وحده يملك حق تقرير مصير المرأة المسجونة داخل زنزانة العادات والتقاليد.
ستظل المرأة مختومة بالشمع الأحمر طالما أن الحرس القديم هو المسيطر الأول والأوحد وهو صاحب القرار العبقري الوحيد في حياتها ونشأتها وتعليمها وعملها وسفرها وابتعاثها وملبسها وتنقلها وحضانتها لأولادها وعلاجها. مازلنا نعيش وهما كبيرا يحد من تحقيق المرأة ذاتها وكينونتها وقرارها واستقلالها. رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على “أسطورة” قيادة المرأة للسيارة التي مازال يتندر بها العالم القاصي والداني، مازالت المرأة في السعودية تعاني من التضييق عليها وعلى حركتها اليومية. من غير العدل حبس المرأة رهينة محرم جائر أو وكيل أحمق أو كفيل يسعى لمال أو سلطة.
رغم أن السعودية من الدول التي وقعت على عدد من الاتفاقيات الدولية، ومنها اتفاقية (سيداو) بعدم التمييز ضد المرأة، وحقها في التنقل واستخدام المواصلات، واتفاقية فيينا الدولية للمرور التي تنظِّم منح رخص القيادة الدولية للرجال والنساء، إلا أن المرأة في السعودية مازالت تفتقر لأدنى وأبسط حق لها في حرية الحركة. انتقل المنع من الفتوى الشهيرة الآنية عام 1990 إلى تبرير المنع على مدى 25 عاماً بأن الأمر يعود للمجتمع، وأخيراً إلى بيان وزارة الداخلية عام 2013 الذي سحب هذه الصلاحية من المجتمع وأعادها للمربع الأول.
ليس مستغرباً أن المعارضين لنيل المرأة حقوقها هم أنفسهم (سدنة ختم الشمع الأحمر) الذين يعارضون بعقول حمقاء تحديد سن للزواج، ويتلبسون بالأعراف والعادات البالية لمنع صدور مدونة الأسرة وقانون الأحوال الشخصية.
حقوق المرأة الشرعية والمدنية وتمكينها والقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّها أصبحت اليوم من أهمّ القضايا الاجتماعية والاقتصادية المطروحة على الساحة العربية عامة والسعودية بصفة خاصة. لا يجوز أن تظل المرأة السعودية “محجمة” ومعزولة وأن يتم إقصاؤها من الشأن العام خلف خديعة “الخصوصية الأيديولوجية”. ما نسعى إليه لا يمت بصلة للتغريب أو الصفات الأخرى التي يتلذذ البعض بإطلاقها، بل لمنع العنف والتمييز ضد المرأة وإيقاف استغلالها واضطهادها وإعطائها الحرية في تقرير مصيرها. أخرجوا المرأة من سجون التشدد وتقاليد التسلط وكهوف الفقهاء.