منذ عشرين سنة جمعتني الأقدار الجميلة بسيدة سعودية اسمها "حصة" وقبل أن أعرف معنى اسمها المميز لم أر منها غير كل الصفات الجميلة. صحيح أن ما جمعنا هو الأدب، لكن فيما بعد عرفت ذخائر السيدة المثقفة، الشاعرة، الإنسانة برقي أدهشني وكسر كل القوالب التي رسمها لي بعض السعوديين أنفسهم عن المرأة السعودية.
وكنتيجة حتمية لكل ما قيل وما اكتشفته أنا شخصياً من خلال علاقاتي بنساء سعوديات أدركت أن الرجل العربي من الخليج إلى المحيط لا يحب ابنة بلده، مهما كانت جميلة ومتخلقة ومؤدبة ومجتهدة ومثقفة، وأنها على رأي المثل "سبع صنايع والبخت ضايع"...!
تأكدت من ذلك أكثر حين حلّ أول أشهر الربيع علينا وفيه يحتفل العالم بأعياد كثيرة منها عيد المرأة وعيد الأمهات ويوم الشعر العالمي ويوم مناهضة التمييز العنصري والتي تجتمع كلها في أول أيام الربيع الواحد والعشرين من مارس، وحلّت مع هذا اليوم المبارك نقمة ذكورية غريبة تجاه هذه الأعياد كلها، ولعل بعضهم تقبل يوماً لمناهضة العنصرية لا لأننا نؤمن بالعدالة بين أنواع البشر بل لأننا أصبحنا في موقع المظلوم والمقموع والمذلول خارج حدودنا وربما داخلها. لكن أغلب الناقمين اعتبروا يوم الشعر بدعة، وعيد الأمهات ضلالة. "لخبطة عجيبة" في الآراء ملأت فضاء شبكات التواصل الاجتماعي للتقليل من قيمة الأنثى، وكأن أغلب رجالنا خرجوا من "مدارس الرهبان" بنكرانهم الغريب هذا بدور المرأة. والأغرب في كل هذا أن معرض الرياض للكتاب جرت فعالياته بين هذه المناسبات وكان جمهور القراء الذي أنعش المعرض هن النساء، فسبحان الذي بارك فيهن وجعلهن فوق مهمات الأمومة الصعبة يقبلن على القراءة وينقذن معشر الناشرين والكتاب والكتب من الكساد، وقد فكرت ماذا لو أن النساء مكثن في بيوتهن تلبية للنداءات العجيبة التي تفضل تعليماً وسطاً للإناث، وتكليفهن بأشغال البيت وخدمة من فيه، هل سيشكلن اليوم قوة اقتصادية في البلاد؟ وهل سيمثّلن السلطة الأقوى لتخريج رجال يعتمد عليهم في معضلات الدنيا ومتاعبها؟
وشهادة لله أن ما استخلصته من كل ما قيل حول المرأة السعودية اليوم - حتى ما كتب بالسلب عنها - هو أنها حققت نجاحاً باهراً بنضالها الصامت، دون عنف ودون اللجوء للغة التجريح التي يعتمدها الذكور لتحطيمها، هاهي تروّض الوحوش التي أحاطت بها وخرجت سالمة غانمة، ولعمري إن امرأة بهذه الحكمة وهذا الذكاء في الأداء ليُعَوّل عليها فعلاً لتكون في مراكز قيادة المجتمع وإخراجه من محيط الرمال المتحركة التي تبتلعه كلما تخبط أكثر رافضاً يد العون الممدودة إليه من طرفها.
أيها الرجل مستقبلك في هذه المرأة فإن ظلت ضعيفة أضعفتك وجرّتك للقاع بضعفها وإن اتسمت بالقوة قوّتك وزادتك انطلاقا، وتذكر الحكمة التي تقول: "القدم الطليقة لا تتحرك خطوة واحدة إن كانت القدم الثانية في القيد".