تنوعت آراء علماء النفس حول الأسباب التي تدفع المرأة للإنجاب بعد وفاة الزوج وجاءت بين رغبتها في عدم العيش بمفردها في الحياة بعد وفاة زوجها خاصة في حالة اتخاذ قرار بعدم الزواج مرة أخرى واستكمال الحياة على ذكرى وفاة زوجها، أو نتيجة حبها الشديد وتعلقها به ورغبتها في أن يتواجد رباط بينهما حتى بعد وفاته، خاصة إذا كانت حالة الوفاة حدثت بعد الزواج بسنوات قليلة.
وقد تلجأ الزوجة لمثل هذه العملية في حال مرض الزوج الشديد وتأكيد الأطباء على أن أيامه معدودة في الحياة، فقد يتفق الطرفان على هذه العملية بسبب رغبة الزوجة في الإنجاب وتعلقها الشديد بزوجها، في حين أكد المتخصصون أن المرأة عندما تتخذ هذا القرار فهي تكون أنانية في قرارها ولا تفكّر سوى في تحقيق هدفها بوجود ابن لها لتكون أما، ولا تفكر مطلقا في أن هذا الطفل من شأنه أن يولد يتيما بدون أب، وهذا الوضع سيؤثر على نفسيته بين أقرانه ويصيبه بالحرمان والحاجة إلى وجود أب في حياته.
لم تتوقف هذه العملية في نطاق تواجدها في المجتمعات الغربية فقط بل إنها وصلت إلى المجتمعات العربية أيضا، حيث أثارت دعوى قضائية رفعتها امرأة أرملة في محكمة في القاهرة تطالب بحقها في الإنجاب بعد وفاة زوجها خلافا فقهيا بين علماء الدين والشريعة، عندما قالت المرأة إن هناك مركزا طبيا تتعامل معه يحتفظ ببويضة المرأة وبعض الحيوانات المنوية لزوجها المتوفّى قد أخلَّ بالاتفاق الذي عقده معها بإجراء عملية التلقيح الصناعي للإنجاب، وواجهت هذه المرأة اعتراضا من قبل العلماء الذين أكدوا أنه لا يجوز الإنجاب من الزوج المتوفى لانتهاء العلاقة الزوجية بمجرد الوفاة.
في حين رأى فريق آخر من العلماء أن هذه العملية مباحة، وأكد فريق ثالث جواز الإنجاب، ولكن وفقا لمجموعة من الشروط جاء ذلك في الوقت الذي فجَّر فيه نصر فريد واصل مفتي الجمهورية السابق فتوى جواز إنجاب الزوجة من زوجها المتوفى عن طريق الاحتفاظ بحيواناته المنوية وإخصابها ببويضة وبعدها يتم وضعها في رحم الزوجة، ولكن بشرط أن يكون ذلك في زمن العدة وبموافقة الورثة الشرعيين، وقد أثارت تلك الفتوى جدلا واسعا بين علماء الدين.
وتقول سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر "عملية التلقيح الصناعي هي عملية طبية تتم من خلال إخصاب المرأة عن طريق حقن السائل المنوي للرجل في الرحم، وهناك مجموعة من الضوابط الدينية والأخلاقية التي تتبعها البلاد الإسلامية لتنفيذ مثل هذه العمليات حتى لا تحدث تجاوزات أو تختلط الأنساب”، مؤكدة أنه "لا يجوز شرعا الإنجاب من الزوج المتوفّى بسبب انتهاء عقد الزواج بمجرد وفاته وانتهاء العلاقة بين الطرفين"، لافتة إلى أنه "في حال اتخاذ المرأة قرار الإنجاب بعد وفاة الزوج يجب عليها عدم نسبه إلى والده ولا يدخل في الإرث في هذه الحال"، مشيرة إلى أن "عملية التلقيح الصناعي أجازتها المجامع الفقهية، ولكن وفقا لمجموعة من الشروط والتي تدخل في طياتها إثبات الطب أن الزوجة لا يمكنها الإنجاب إلا من خلال هذه الطريقة، وأن يكون التلقيح من منيّ الزوج نفسه، وفي رحم الزوجة نفسها، ويتم في حياة الزوج وليس بعد وفاته، لأنه حين يموت يصبح شخصا غريبا عن زوجته لانقطاع رابطة الزواج بالوفاة ويعتبر التلقيح وقتها محرما".
أما صبري عبدالرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر فيوضح أن إنجاب المرأة من زوجها المتوفّى عملية تثير الكثير من المشكلات الاجتماعية، بالإضافة إلى الجدل الفقهي الذي يحوم حولها لأنها عملية غير طبيعية في الإنجاب المعروف في التاريخ البشري، وهو أن يكون بين زوجين لا زالا على قيد الحياة حتى تكون العلاقة الزوجية مستمرة، أما بعد الوفاة فتصبح العلاقة منتهية الصلاحية لذلك لا يجوز الإنجاب بهذه الطريقة.
بالإضافة إلى كونها تثير العديد من المشكلات الاجتماعية بين الزوجة وأهل الزوج الذين يتهمونها بالزنا لأن زوجها لم ينجب طيلة حياته فكيف لزوجته أن تأتي بمولود وتنسبه إليه بعد وفاته معتقدين أنها تريد الاستيلاء على الإرث الذي تركه زوجها، ففي هذه الحال ينسب الطفل إلى أمه ولا يحمل اسم الأب رغم أنه من الناحية الجينية يعد ابنه، إلا أن وفاة الأب حوّل ما كان مباحا وهو على قيد الحياة إلى محرّم بسبب انتهاء العلاقة الزوجية.
ومن الناحية الطبية يؤكد أحمد التاجي أستاذ النساء والتوليد بكلية الطب جامعة الأزهر أن مثل هذه العمليات تجرى بالفعل في دول الغرب، وقد حققت نجاحا علميا باهرا في بعض الدول الأوروبية عن طريق احتفاظ الأطباء بالحيوانات المنوية الخاصة بالزوج المتوفى لفترات تجاوزت عدة أشهر في بنوك السوائل المنوية في درجة 60 أو 100 تحت الصفر.
وأشار إلى أن مثل هذه العملية ممنوع إجراؤها في مستشفيات مصر لأنها محرمة من الناحية القانونية، ولا بد أن يكون الزوجان على قيد الحياة لكي تتم عملية التلقيح الصناعي وأن يتم التأكيد على أن منيّ الزوج وبويضة الزوجة هما ملك للزوجين، منبها إلى أن هناك بعض المراكز الطبية التي تقوم بإجراء مثل هذه العمليات لكن تحت بند الخروج عن القانون ودون معرفة أحد وهذا يدخل في إطار الخروج عن أخلاق المهنة.