النساء في ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ملف ثقيل لم يحظ بالاهتمام الإعلامي الكافي من قبل وسائل الإعلام العربية رغم أهميته ومدى خطورته وتورط نسبة هامة من الفتيات في هذا التنظيم.
ناهد زرواطي مراسلة حربية جزائرية من الإعلاميات اللاتي ركزن اهتمامهن مؤخرا على هذا الموضوع لتتوج أعمالها أخيرا بوثائقي هام تحت عنوان ” نساء داعش” يكشف واقع النساء داخل ما يسمى بـ ” تنظيم الدولة الإسلامية” في ليبيا كيفية استقطابهن، دورهن، نشاطهن في التنظيم ومصيرهن.
تقول ناهد زرواطي أن الانتساب إلى تنظيم “داعش” الإرهابي لم يعد حكرا على الرجال بل أصبح النساء يمثلن فيه الرقم الأول والصدارة فيه للنساء التونسيات ان كان على مستوى القيادة أو التجنيد والقتال والتفجير بالأحزمة الناسفة ومختلف الأدوار داخل التنظيم واستنجدت زرواطي بالتونسية أم هاجر آمرة كتيبة “الخنساء” بسوريا كمثال على قيادة النساء التونسيات في هذا التنظيم.
وتضيف الإعلامية أن الفتاة التونسية في “داعش” هي آلة منجبة بالأساس ينتظرها مشروع جهاد النكاح ومشروع حزام ناسف وإيمان مطلق بهذا الفكر وبهذا التنظيم على حد قولها.
وتتابع زرواطي شاهدت صورا لتونسيات حاملات للسلاح تدربن على القتال داخل مدينة سرت الليبية وأخريات تدربن في سوريا وأخريات تدربن على يد عقداء من الجيش العراقي.
“نساء داعش” حصيلة لما تتخبط فيه مجتمعاتنا العربية
تؤكد زرواطي في حديثها لنا أن “نساء داعش” هن حصيلة لما تتخبط فيه مجتمعاتنا العربية اقتصاديا وسياسيا ولما تعيشه من أزمة عنوسة وأزمة بطالة وغياب للتواصل العائلي ما أدى إلى افراز نساء ينخرطن داخل صفوف “داعش”.
وتضيف الإعلامية أن النساء في “داعش” يتوزعن بين السبايا والأسيرات وبين من يحملن فكره وقدمن بمحض ارادتهن ومن فرض عليهن الدخول إلى المنطقة من طرف أزواجهن أو أحد أفراد عائلتهن ومن غرر بهن ووقعت دمغجتهن وأُوهمن ببلوغ الجنة واللاتي هربن من ظروفهن المعيشية وأخريات ذهبن بغاية الانتحار وغيرها من الأسباب..
وما يعتبر صادما حقا لديها المستوى التعليمي الجامعي الذي تحظى به النساء في “داعش” فمنهن الطبيبات والمدرسات وخريجات الجامعة على عكس المستوى التعليمي للمنضويات داخل التنظيمات الإرهابية في العقود الماضية.
شبكات للتجنيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي
تقول ناهد زرواطي أننا نتحدث اليوم عن إرهاب متطور وارهابيين متمكنين من شبكة الأنترنت ومن أدوات التواصل الاجتماعي لذلك نراهم يركزون في استقطابهم للفتيات على شبكات التواصل من “فيسبوك” وتلغرام” و”انستغرام” ولهم من قوة الاقناع ما يمكنهم من تجنيد الفتيات وغسل دماغهن ومن الإمكانيات اللوجستية ما يمكنهم من استياق الفتيات من أمام منازلهن.
ومن خلال الشهادات التي استقتها الإعلامية اكتشفت أن نسبة من النساء تم استقطابهن عبر شبكات تجنيد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي موزعة إلى مجموعات بين 5 و7 فتيات في الفريق الواحد على الأقل فيقع إغواؤهن بالعمل في تنظيم “داعش” براتب كبير وبالعملة الصعبة وبحل مشاكلهن مهما كان نوعها من مادية وغيرها.
المكنى “أم عمر” عينة من مئات التونسيات الموجودات في تنظيم “داعش” من منطقة سوسة، التقتها محدثتنا، وقع استقطابها عبر هذه الشبكات، لها من العمر 22 سنة، بقيت تتواصل من خلال إحدى المنتديات مع مجموعة من الفتيات المجندات من قبل “داعش” لمدة سنة دون كلل منهن بغاية اقناعها للانضمام إلى التنظيم حتى تمكنوا من ذلك وأرسلوا لها سيارة حملتها من أمام منزلها لتوصلها إلى منطقة بن قردان ومن ثم نقلت إلى ليبيا.
في البداية رفضت أم عمر الزواج وحاولت الرجوع إلى تونس من خلال اتصالها بالأمن التونسي وبعائلتها لمساعدتها على العودة لكن عناصر التنظيم تفطنوا لذلك إثر الوشاية بها من طرف بعض النساء هناك فتم انتزاع الهاتف منها وطبق عليها قانون التعزيل بتعلة أنها ارتدت عن التنظيم وطلبوا منها “الاستبابة” أي أن تتبرأ من أهلها وتعلن ولاءها لـ”داعش”.
بقي “أم عمر” معزولة عن العالم الخارجي مدة 3 أشهر يُرمى لها الأكل من تحت الباب إلى أن أعلنت عن استسلامها وتزوجت من أحد القادة التونسيين وذهبت إلى مدينة سرت أين تدربت على السلاح وصارت من المقاتلات هناك.
“بن قردان” نقطة تجمع وعبور للإرهابيين
من خلال الوثائقي ووفقا للتحقيقات التي قامت بها محدثتنا تبين لها أن منطقة بن قردان منطقة تجمع خطيرة من مختلف الدول العربية والأجنبية ومنطقة عبور حتى للأوروبيات من فرنسيات واسبانيات وايطاليات اللائي يقدمن إلى تونس كسائحات ثم يذهبن إلى منطقة بن قردان أين يتجمعن في مضافة للنساء ويبدأ هناك غسل دماغهن كما تقول زرواطي بإقناعهن أنهن ذاهبات للجهاد ولإقامة الخلافة الإسلامية وأن عليهن إطاعة أوامر الخليفة وأنه سيقع توظيفهن دون تطرق لمسألة الزواج.
ومن بن قردان ترافق مجموعة من الفتيات المجندات في التنظيم النساء إلى منطقة صبراتة الليبية عن طريق مسالك غير شرعية وهناك يقع بداية نزع هواتف النسوة وينقطع بذلك الاتصال مع الأهل ثم يطلق على كل منهن اسما، “أم فلان”، ويقع تلقينهن بأن دورهن الأول كنساء هو الزواج على عكس ما كان يقال لهن قبل مغادرتهن الحدود التونسية.
وتشير زرواطي إلى أن منطقة بن قردان لا تمثل الا نقطة في بحر الدول المجمعة لنساء "داعش" وليست المصدرة لهن ونقطة تحول إلى تنفيذ العمليات الإرهابية في الدول الأوروبية،
وتحتضن مصر نقطتين لتجمع الفتيات كما يتواجد بالسودان مركز تجمع وتدريب للنساء قبل دخولهن إلى ليبيا.
وتعيب زرواطي هنا على القوات الأمنية عدم بذل جهد أكبر في التصدي لهذه الظاهرة وعدم اعلان حالة النفير القصوى أمام التهديدات الكبرى التي نواجهها.
وتقول محدثتنا أن 6 سنوات بما سمي بالربيع العربي تم خلالها استهداف قوانا الأمنية بمخطط أجنبي وتم استنزاف جيوشنا العربية مثلما هو الحال في منطقة سيناء المصرية أو ما يحدث على الحدود الجزائرية الليبية واغراقنا بالتشكيلات الإرهابية من “بوكو حرام” و”القاعدة” وتنظيم “داعش” وغيرها..
“أشبال الخلافة” : عندما يتحول طفل بريء إلى ارهابي خطير
تعترف النساء و قادة التنظيم وحتى الجهات الأمنية الليبية لمحدثتنا بأن المرأة في هذا التنظيم هي بالأساس آلة للإنجاب لذلك عليها أن تتزوج مرتين في اليوم وحتى ثلاثة بغاية إنجاب أكثر ما يمكن من الأطفال وبالتالي تكوين جيش صغير يمثل “داعش” أو ما يسمى لديهم بـ”أشبال الخلافة” ولا يهم إلى من ينتسب الابن المنجب فهم يبقون أطفالا مجهولي النسب بلا هوية ولا وثائق رسمية.
ووفق شهادات لبعض “أشبال الخلافة” أوضحوا أنه يقعوا تدريبهم بموافقة أهلهم وبغير موافقتهم، يتم أخذهم إلى معسكرات تدريب على السلاح والرماية وعلى التفخيخ والقيام بالعمليات الانتحارية وولاؤهم التام يكون للخليفة وليس لآبائهم.
وتتراوح أعمار هؤلاء الأطفال بين 9 و15 سنة وما يعتبر مرعبا وخطيرا لدى محدثتنا الطابع الاجرامي والدموي لديهم فهؤلاء الأطفال قد شاركوا في عمليات القتال ولطخت أيديهم بالدماء وقاموا حتى بإعدام من يعتبرونهم “مرتدين” وسط التكبير والتهليل واعتداد بالنفس واحساس بالفرح.
وتتساءل زرواطي ما مصير هؤلاء الأطفال؟ وهل يمكن لبلدانهم أن تستقبلهم بعد كل ما فعلوه وما تعلموه من فنون القتال والاجرام وأصبحوا يمثلون قنابل موقوتة وفقا لتوصيفها؟
وتلفت محدثتنا إلى أن العشرات وحتى مئات الأطفال اليوم بمن فيهم بعض الرضع يقبعون داخل السجون الليبية تضعهم السلطات الليبية وفقا لتأكيدات هذه الأخيرة منفصلين عن أمراء التنظيم.
وتضيف أن السلطات هناك أعلمتها بأنها قامت بعديد الاتصالات مع بلدانهم ولكن سلطات بلدانهم رفضت استقبالهم وطلبت تركهم وأمهاتهم داخل المعتقلات الليبية.
“نساء داعش” في سرت بين المحرقة والاعتقال
يمثل نساء “داعش” في سرت الصندوق الأسود لقادة التنظيم ولأزواجهن لأنهن يحملن أسرارهم لذلك فمصيرهن عند تحرير المنطقة كما تشير محدثتنا كان صادما ومفزعا بين الاعتقال لدى الأجهزة الأمنية الليبية أو التصفية من قبل التنظيم.
تقول زرواطي لم أصدم كإنسانة للوقائع التي وجدتها بقدر ما صدمت لمشاهد نهاية “نساء داعش”، نهاية السبايا والأسيرات نهاية “الداعشيات” بين من اعتقلن وبين من حرقن أحياء وبين من ذهبن ضحايا للانتحاريات اللائي فجرن أنفسهن.
وتؤكد الإعلامية في حديثها أن والي سرت قبل تحريرها أمر بحرق مضافات النساء وابادتهن وهن أحياء حتى لا يسلمن أنفسهن أو يقعن في قبضة الجيش أو الاستخبارات الليبية ويقدمن ما يعرفنه من معلومات عنهم علما وأن المضافة تضم أكثر من خمسين امرأة…وكانت المحرقة.
وفي ما يتعلق بالسجينات التونسيات تشير زرواطي إلى أنهن رفضن العودة إلى بلدهن وفضلن البقاء داخل المعتقلات الليبية تخوفا مما ينتظرهن من طرف الأجهزة الأمنية التونسية وفقا لما أفادت به مصادرها.
“داعش” لم ينته وعودة الإرهابيين كارثة
تحذر ناهد زرواطي من خطورة عودة الارهابيين وأبنائهم إلى بلدانهم حتى ولو أبدوا توبتهم مؤكدة أن تونس ليست في منأى اليوم عن خطر “داعش” وأن الإرهابيين ليسوا فقط من تمكنوا من اجتياز الحدود بل أنه تتواجد حاليا شبكات ارهابية داخل البلاد مشيرة إلى أن 20 ألف تونسي قد بايعوا “داعش” وهو رقم خطير.
وتنفي زرواطي فكرة أن يكون تنظيم “داعش” قد انتهى مرجحة انه اذا كان في سرت قد انتهى بشكل جزئي خاصة وأن السلطات الليبية تتحدث عن مقتل أكثر من ألفين من جملة 6 آلاف داعشي موجود في سرت وفقا للاستخبارات الأمريكية فالباقي تؤكد زرواطي أنه قد فتحت لهم ممرات أو خرجوا من منطقة سرت ليتوزعوا بين تونس والجزائر لذلك تقول فكل دول المغرب العربي اليوم مهددة وعلينا أن نتجند كلنا إلى ذلك.