لا شك أن اتكال الأم على الخادمة في تربية الأطفال واعتمادها عليها بشكل شبه كلي في كل ما يخص شؤون المنزل والأبناء من الظواهر التي تؤثر بشكل سلبي على تنشئة الطفل وتخلق جيلا غير سويّ، حيث يكون للخادمة تأثير واضح على معتقدات الطفل سواء كانت الدينية أو الثقافية والأخلاقية، ويزداد الأمر سوءا عندما تكون المربية تحمل جنسية أجنبية تختلف في عاداتها وتقاليدها، وهو ما يعتبره البعض غزوا ثقافيا لعقول الأطفال منذ الصغر.
وكشفت دراسة سعودية أن وجود الخادمة الأجنبية في المنزل يمثل خطرا حقيقيا على العقيدة والدين والثقافة، خاصة إذا كانت تحمل ديانة مغايرة للأسرة، بالإضافة إلى تأثيرها على العادات والتقاليد، كما أن تعلق الطفل بها وابتعاده عن أمه الحقيقية يجعله يتأثر بها سلوكيا.
وأكدت الدراسة أن غياب دور الأسرة في حياة الأطفال خاصة في عملية التنشئة، والتي تعتبر هي مصدر التوجيه والإرشاد ومعرفة الصواب من الخطأ، أدى إلى ضعف في عملية التنشئة الاجتماعية للأبناء خاصة مع غياب دور الأم وانشغالها بالعمل.
ووجد الباحثون خلال الدراسة أن من أكبر المشاكل التي يعاني منها الأطفال نتيجة تربية الخدم هي الانطوائية والانعزال الاجتماعي والميل إلى العدوانية والخمول والكسل، مؤكدين أن الخدم الأجانب هم السبب وراء المشكلات النفسية التي يعاني منها الأطفال بشكل عام، خاصة الخادمات اللائي يتعاملن مع الأطفال بشكل متواصل ومباشر داخل المنزل ويقضين أغلب الأوقات مع الأطفال في ظل غياب الوالدين بسبب اختلاف العادات والتقاليد أو سوء المعاملة، الأمر الذي ينتج عنه تشويه للأطفال من الناحية النفسية. كما وجدوا أن 50 بالمئة من المربيات يقمن بالإشراف الكامل على الأطفال، و25 بالمئة منهن يناقشن الأبناء في قضايا الدين والعقيدة، كما أن 58.6 بالمئة منهن جئن من مجتمعات لا تمانع من إقامة علاقة جنسية قبل الزواج والاختلاط مع الجنس الآخر، وهو الأمر الذي يُعتبر مخالفا لمعتقدات وثوابت المجتمعات العربية.
وتوصلت دراسة عن واقع العمالة المنزلية في الأسرة الإماراتية أنجزتها الباحثة فاطمة القلاف من مركز التنمية الاجتماعية في كلباء إلى أن وجود عمال المنازل بشكل مفرط يؤثر على الأسرة بشكل عام وعلى وضع الأبناء بشكل خاص إذ لا أحد ينكر أهمية الدور الذي يقوم به الآباء في التنشئة الاجتماعية للأطفال.
وأشارت إلى أن دراسة لباحثين في شرطة دبي كشفت أن عاملات المنازل يؤثرن على العلاقة الأسرية ويعرضنها للخطر من خلال إقامة علاقات غير شرعية مع الأزواج والأبناء وفي بعض الأحيان مع الاثنين معاً، ما يؤثر على الود القائم بين أفراد الأسرة.
وقالت إن الآثار المترتبة على استقدام الخدم تشمل اللغة والآثار المترتبة عن التنشئة الاجتماعية والنمو النفسي للطفل والآثار المترتبة على بقية أفراد الأسرة، مشيرة إلى أن جمل الأطفال تصبح ركيكة بسبب دخول كلمات أجنبية عليها ما يترتب عليه ضعف في الصياغة تتماشى مع مقدرة العامل على فهم المدلول المراد إيصاله له واختفاء بعض المرادفات العربية تماماً من اللهجة الدارجة.
ونبّهت القلاف إلى أن هذا الواقع المعيش أدى إلى صعوبة تكيف الطفل مع اللغة وبذلك تدنّى مستواه اللغوي وأصبح يعاني من مشاكل لغوية أثبتتها الدراسات التطبيقية من صعوبة النطق باللغة العربية وضعف الكتابة بها، إضافة إلى ترديد كلام عاملات المنازل والمربيات بين التلاميذ مما أدى إلى تكرار الرسوب في بعض الأحيان ناهيك عن عيوب النطق التي تطرأ عليه.
من جانبها تشير هالة حماد استشارية الطب النفسي للأطفال والمراهقين إلى أن الثقافة الغربية تُعتبر الغول الذي تخلل بيوتنا وسيطر على أفكارنا وعاداتنا وتقاليدنا، مؤكدة أنه لا يوجد عذر يبرر تخلي الأسرة عن دورها الأساسي في تربية الأبناء بحجة الانشغال بتوفير متطلبات الحياة والسعي من أجل لقمة العيش.
ولفتت إلى أن الطفل يميل إلى تقليد الآخرين وتكون المربية هي الشخص الأمثل بالنسبة إليه لتواجدها معه لفترات طويلة فيكتسب منها لغتها وسلوكياتها مما يؤثر بشكل سلبي على النمو اللغوي السليم لديه، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الأطفال الذين يعانون من صعوبات الكلام كالتأتأة والفهاهة والتلجج الكلامي نتيجة التأثر بالمربية.
وأشارت حماد إلى أن الخادمة تجعل من الطفل شخصا اتكاليا لا يستطيع الاعتماد على نفسه في أيّ شيء، وبالتالي يعجز عن إدارة شؤون حياته فيما بعد، كما أن تساهل الخادمة في تعاملها مع الطفل وتنفيذ كل متطلباته يجعل منه شخصا أنانيا عنيدا ويكتسب صفات العدوانية وعدم الاعتراف بالخطأ لأن المربية عادة ما تتحمل كل أخطائه.
وعن أهمية دور الأم والأسرة في تربية الأبناء توضح رحاب العوضي استشارية العلاقات الأسرية أن دور الأم الرئيسي يتمثل في تشكيل حياة الطفل وتعريفه بكيفية تنظيم الوقت لتخصيص جزء منه لرعاية الأطفال والاستغناء عن الخادمات والمربيات بشكل نهائي في تربية الأبناء، ومن الممكن الاستعانة بالأخت أو العمة أو الجدة لكي تكون أما بديلة وقت انشغال الأم الحقيقية في العمل أو الدراسة، مؤكدة على أهمية وسائل الإعلام في توعية الأمهات بدورهن المقدس في رعاية الأطفال ومدى خطورة الاعتماد على الخادمة في تنشئة الأطفال والاتكال عليها في كل ما يخص أمور المنزل.
وأشارت إلى أن دور الأسرة يتمثل في تنقية أفكار الأبناء من أيّ سلوكيات خاطئة، ولا يكون ذلك باستخدام الضرب أو التقليل من شأن الطفل ولكن من خلال التقارب واستخدام أسلوب الحوار وعدم ترك مجال للمربية للتأثير بأفكارها وعاداتها على الطفل.
ظاهرة الخادمات وجدت نتيجة التقليد الأعمى للغرب وهذا ما أكدته العوضي بالإضافة إلى المتغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمعات والتي دفعت المرأة للخروج للعمل وإهمال أسرتها وأبنائها والاستعانة بالخادمة لكي تحل محل الأم، وهو ما يمثل خطرا يهدد سلامة الأسرة والمجتمع.