في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم العربي، تقرر تعيين اللبنانية رولا سليمان، كأول امرأة قسيسة، بعدما وافق السينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان نهاية فبراير/شباط الماضي على قرار ترسيمها في مركزها الديني الجديد.
والسينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان، هو مجمع الأساقفة المسيحيين، الذي يتم داخله تعيين أو إقالة رجال دين، وإصدار أمور دينية أخرى.
وخطوة تعيين "سليمان" هي الأولى في الشرق الأوسط لدى الكنائس المسيحية المتنوعة، إذ لم يسبق أن تبوأت امرأة عربية منصباً دينياً كهذا، وهو المنصب الأعلى في الكنيسة الإنجيلية، حيث لا تراتب كهنوتي كما في سائر الكنائس الكاثوليكية أو الأرثوذكسية، بل تراتب إداري تنظيمي فقط.
القسيسة سليمان، في حديثها مع الأناضول قالت، أنّ خدمتها في الكنيسة الإنجيلية وسط مدينة طرابلس (شمالي لبنان) بدأت منذ تسع سنوات تقريباً، حيث كانت آنذاك راعية للكنيسة (تقوم بخدمات عادية مثل الوعظ أيام الآحاد، والزيارات الرعوية) وكانت تضطلع بجميع مهام الكاهن باستثناء تأدية خدمات أسرار الكنيسة الإنجيلية، وهي: سرّ المعمودية وسر العشاء الرباني.
وتابعت "مع العلم أنني درست في الأصل اللاهوت (علم الإلهيات)، وحصلت فيما بعد على شهادة الوعظ، وبناء على طلب من الرعية نفسها رسمتُ كاهنة على رأس الكنيسة الإنجيلية في طرابلس، التي وافقت بعد موافقة السيندوس الإنجيلي على تبني مشروع تعيين امرأة في ذلك المنصب، وقد جاء هذا القرار بعد انتظار الوقت المناسب لتأتي كنيسة محلية وتوافق على المشروع وكانت الكنيسة في طرابلس هي السبّاقة".
وأوضحت "هذا القرار جاء بموجب عملية تصويت سرّية شارك فيها 24 عضواً، وقد صوّت بنعم 23 شخصاً، معظمهم رجال ومن بينهم رعاة وشيوخ (رتب دينية لدى الطائفة الإنجيلية)، مع العلم أني توقّعت عدم حصولي على أصوات كثيرة لقد فاجأتني النتيجة".
نشأتها
تنحدر رولا سليمان من أصول سورية، ولا تزال تحمل الجنسية السورية، ووالدتها لبنانية من الشمال، وقد وُلدت وترعرت في مدينة طرابلس التي تعشقها -كما تقول- وترفض الأوصاف التي تصدر بحقها من قبل بعض وسائل الإعلام التي تعتبرها مدينة الحرب والإرهاب (بعد ربط طرابلس بالأحداث الأمنية التي جرت بين 2012 إلى 2015، حين شهدت اشتباكات بين جهات حزبية من الطائفة العلوية وأخرى من السنة سقط خلالها عشرات القتلى).
وتلفت سليمان إلى أن الطائفة الإنجيلية هي من بين طوائف الأقلّيات، لا سيّما الطائفة الإنجيلية المشرقية (كون هناك أكثر من فرقة في الطائفة المذكورة) التي تتبع السينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان، ويوجد للطائفة عدد من الكنائس الممتددة في أرجاء لبنان، وفي طرابلس بشكل خاص هناك كنيستان واحدة في المدينة وأخرى بجوارها.
وتضيف "بالنسبة إلى الكنيسة التي أرعاها في طرابلس، فهي صغيرة تتألف من 32 عائلة، أي بمثابة 70 فرداً قانونيين وملتزمين بالكنيسة ويدفعون الالتزامات الكنسية سنوياً".
وتشير سليمان إلى أن شروط الوضع العائلي والاجتماعي في الطائفة الإنجيلية تختلف تماماً عن الطوائف المسيحية الأخرى.
وبهذا الخصوص أوضحت أن "الكنيسة تسمح بزواج القسيس لا بل تُفضل ذلك لبناء عائلة مسيحية جديدة، أما الشيوخ الذين يُنتخبون من الهيئة العامة للكنيسة فلا يشترط عليهم دراسة اللاهوت وإنما يجب أن يخدموا الكنيسة فقط، وبالتالي يحق لهم العمل في مهنة أخرى وعدم التفرّغ التام للكنيسة، وهذا الأمر ترفضه الكنائس الأخرى".
و"عدد أبناء الطائفة الإنجيلية في لبنان قليل نسبياً، ويصل نحو 10 آلاف شخص من أصل 4 ملايين لبناني"، بحسب سليمان. يتوزعون على عدة مناطق، لكنهم يتركزون بشكل أساسي وسط محافظة "جبل لبنان" وتحديداً قضاء المتن (وسط).
ويعزى سبب تركز الطائفة في المتن؛ إلى كونه الجوار الأكبر جغرافياً لبيروت، وكانت كنيسة "الكويكرز" هي الأولى منذ العام 1873، وتلتها عدد من الكنائس على خريطة القضاء لتصل 24 كنيسة منظمة، أكبرها في "الرابية هاي سكول" حيث مكتب الرئاسة، أو المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في لبنان وسوريا.
أما بالنسبة لعقيدة هذه الطائفة، فتختلف عن المذاهب المسيحية الأخرى، إذ لا يكون التضرع إلاّ للسيد المسيح، وليس للسيدة مريم العذراء، "لأنها إنسانة من البشر، وإن كانت هي التي حملت بالسيد المسيح".
لذا فإن الكنائس الإنجيلية تخلو من الصور والتماثيل، لأنه "لا يجوز التضرع أو الصلاة أمام الصورة أو التمثال، بل تكون الصلاة بشكل فردي، وليس أمام الصورة، فلا تزين الكنائس الإنجيلية سوى بالصليب الذي يجسد آلام السيد المسيح".