يقولون عند المصائب... فتش عن المرأة
وعند الأفراح يقولون أيضا... فتش عن المرأة
وعند الثراء لا بد أن يكون السبب... المرأة
وعند الفقر المدقع فالسبب حتما... امرأة
فهي سر سعادة الرجل وسر تعاسته
وهي سبب راحة باله واضطراب أحواله
خلاصة القول.. إنها سبب كل شيء، فهي المُلهمة لكل نجاح، والمثبطة لكل إبداع.
إنها مُلهمة المبدعين من الكتاب والشعراء والفنانين، ولكنها أيضا سبب الحروب والكوارث التي وقعت طوال التاريخ البشري منذ أيام أبو الأنبياء آدم. فقابيل قتل أخاه هابيل وكان السبب امرأة، ليكون أولَّ دمٍ بشري يُسفك على الأرض... بسببها!
ولما كان هذا هو الحال، فأين الرجل حامي الحمى وصاحب الصولات والجولات؟ أين ذلك السبع الهُمام الذي نسج التاريخ حوله الأساطير وأقام له الأنصاب، أين الرجل من كل هذا؟
فإذا نظرنا عن كثب من حولنا لوجدنا أن المرأة في كل مكان، وليس هذا هو المهم، ولكن المُلفت أنها تبوأت المناصب الصغيرة والكبيرة، وأمست هي اللاعب الرئيس في الملعب. فهي الأم والزوجة والعشيقة والابنة وهي الزميلة في العمل وربما المسؤولة والوزيرة.
منذ خلق الله المرأة من ضلع سيدنا آدم عليه السلام؛ قامت بخدمته والسهر على راحته فأعدّت له الطعام وجهّزت له الراحلة، وأنجبت له الأولاد، وبذلت كل حياتها في العطاء للرجل، لكنه لم يُحسِن أن يُبقي ذلك المارد في قُمقُمه.
لقد دفع الرجل العصري المرأة للخروج والتمرد على سلطته، عندما قَبِلَ أن يتنازل عن بعض صلاحياته، فانتهزت المرأة الفرصة وقفَزَت طامحة بالمزيد. واستمر تخاذل الرجل تباعا وعلى مراحل في العقود الماضية، مرةً من باب المساواة، ومرةً من باب رفع الظلم، ومرةً ثالثة تحت شعار الاستفادة من الطاقات الكامنة للنساء والتي لا يستفيد منها المجتمع. ومن الملفت للنظر أن المجتمعات الغربية؛ بتشريعاتها الوضعية، قد خَطت بعض الخطوات للأمام نحو حصول المرأة على حقوقها المُغتصبَة من الرجل، لتتبعهم على استحياء المجتمعات الشرقية حديثا بخطوات ضئيلة والتي منحها إياها الإسلام منذ قرون مجانا.
غاب الرجل عن الساحة، فلا بد إذاً أن تحلّ مكانه المرأة. هذا قانون من قوانين الفيزياء التي نعرفها جيدا. فتقاعَسَ الرجل عن لعب دور الأب الحقيقي مع أبنائه، فبدل أن يقوم على تربيتهم وتوجيههم وتشكيل صورة القدوة في أذهانهم، انحصر دوره في تلبية حاجاته البيولوجية من الزوجة، وأمسى مفتاح المصرف الذي يستعان به لتلبية الاحتياجات المادية فقط. فغابت المشاعر الدافئة والأحاسيس الصادقة والحب، وتمرد الأبناء وسخروا من آبائهم. في هذه اللحظة فقط انقضّت المرأة على عرش الرجل، وأزاحته بكل قوة، وحلّت مكانه في معظم العلاقات الخاصة بالأسرة؛ من تربية الأولاد ومرافقتهم للمدرسة ومتابعة تحصيلهم الدراسي وشراء مستلزمات البيت والعائلة من السوق، ثم تبع ذلك لاحقا دفع الفواتير وتصليح حنفية الماء العطلانة وتبديل المصباح الكهربائي المحروق.
تقاعس الرجل، فجلس يندب حظه العاثر، وبدل أن يبدأ في البحث عن الوظيفة؛ بدأ يضع الشروط التي يراها مناسبة له، فيرفض الوظيفة تلو الأخرى، فأدرَكَت المرأة بحسها الأنثوي القوي أن الوقت قد حان للانقضاض على الوظائف، لتبدأ مرة أخرى جولة الإحلال والإزاحة للرجل، حتى غلب الطابع الأنثوي على أماكن العمل.
فإن دخلت لمواقع العمل؛ سَرَى في أنفك شذا عطورهن، ورأيتَ أُصُص الورود منثورة هنا وهناك، وأضْفَين للمكان رونقا وتناسقا قلّما عَرفَه الرجال. وفي نفس الوقت؛ قد لا يخلو الأمر من أن تشُّم روائح الطعام الشهي، وتسمع من بعيد أحاديثهن وأصوات ضحكاتهن. والحق يقال ان المرأة قد أضْفَت على أماكن العمل صبغةً ناعمةً طغت على جلافة الرجل وعجرفته، ولكن النعومة الزائدة...مُفسِدةٌ أيضا، فقد تضيع معها حقوق الناس ومصالحهم، وتميع معها معاملات خلق الله ما بين فاطمة وسعاد.
إنها سُنّة الله في خلقه أن تكون القيادة للرجل وتتبعه المرأة، ولكن عندما يُسْلِم الرجل القيادة للمرأة فلا يحق له أن يسأل لماذا غزت الكرة الأرضية. فالرجل دائما ما يبحث عن شماعة يعلق عليها فشله، فتارة يقول ان الحروب قد قلّصت من عدد الرجال على الأرض، وساعة يقول ان نسبة الإناث من المواليد هي الثلثان. وتارة ثالثة يدّعي أن المرأة تقبل من الوظائف ما لا يقبله الرجل. حُججٌ وأباطيل كاذبة، فالسبب واضح وضوح القمر في الليلة الظلماء. لم يعد الرجل العصري قادرا على القيام بمهامه الفطرية، هذه هي الخلاصة، فأشغل نفسه بالحديث عن الآخرين، والتجول بمركبته بالشوارع هائما لا يلوي على شيء، أو مستلقيا في البيت لمتابعة الأفلام والمسلسلات التركية التي لا ينتهي عدد حلقاتها، أوالسفر بحثا عن المتعة الحرام. جلس الرجل ورَكَن للدّعَة والخمول وأطلق لسانه يَلُوكُ في أعراض النساء، ثم بحث عن الأعذار فذهب ليشتري كتابا مشهورا مثل «الرجال من المريخ والنساء من الزهرة» للدكتور جون غراي، والذي قد يجد فيه السلوى لفشله وعثراته. ثم يمضى الكثير من الوقت في البحث ما بين أمهات الكتب، أو حتى في محرك البحث «غوغل»، عن كل حادثةٍ أو شعرٍ هجائي للمرأة يستعمله في أحاديثه وسجالاته أو حتى حروبه الوهمية مع الآخرين، وقد يستعين بأشهر أبياتٍ من الشعر الهجائي عن المرأة، ومنها ما جاء على لسان الشاعر علقمة بن عبدة الفحل الجاهلي من قصيدة له طويلة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني
عليمٌ بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله
فليس له في وُدِّهنّ نصيب
يُرِدْن ثراء المرء حيثُ عَلِمْنَهُ
وشرْخُ الشباب عندهُنّ عجيب
والحل واضح، فإن أراد الرجل أن يستعيد زمام المبادرة فعليه أن يسترد واجباته التي تنازل عنها طوعا، وأن يُحسن القيادة والريادة، وأن يكون أبا صالحا ومربيا فاضلا، وعاملا مجتهدا مواظبا على دوامه، حريصا على الإبداع والتطوير، وإلا فإن المرأة قد تكون الفائزة بالدارين، دار الدنيا؛ بالقوة الناعمة، ودار الآخرة؛ بعظمة الأمومة وكما قيل في الأثر «الجنة تحت أقدام الأمهات».