ما زالت هذه الفكرة سائدة في مجتمعاتنا العربيّة، والّتي تنظرُ إلى المرأة على أنها وُلدت فقط للزّواج وتنظيف الْبَيْتِ وتزيين نفسها مساءً لتستقبل زوجها العائد من العمل!
على الرغم من التَّطَور الكبير الَّذِي لحق بالعالم، والَّذي أوصل العديد من السيدات في المجتمعات الغربيّة إلى أعلى المناصب في الدّولة، إِلَّا أنّ المجتمع العربيّ ما زال يصرّ على حصر المرأة في إطارٍ محدّد، فحتى حين يسمحُ لها بالخروج إلى سلك التّعليم والعمل، يخبرونها مُسبقًا أنّ أنسب وظيفة للمرأة هي المعلّمة، تنهي دوامها في الواحدة أو الثانية ظهرًا ثمّ تعود للبيتِ، لتكون مثال الزوجة الوفيّة المخلصة الطائعة والطاهرة!
لو نظرنا قليلًا إلى الوراء، في زمن الدولة الإسلاميّة وأيام الأندلس وما قبل الإسلام حتّى، لوجدنا أن للمرأة دور مهم جدًّا في العلم والتّعليم، وكانت تساوي الرجل في الكثير من مناحي الحياة.
على سبيل المثال، العالمة مريم الاسطرلابية، وهي الّتي طوَّرت آلية عمل آلة الاسطرلاب المعقدة، والّتي يتكئ عليها اليوم عمل البوصلة وال"جي بي إس"، وصبح البشكنجيّة الجميلة، ومن يخفى عنّه جمال صُبح ودورها الكبير في صعود المنصور محمد بن أبي عامر للخلافة، حين وكّلتهُ أعمال الخلافة لصغر سنّ ولدها، ولتحافظ من بعده على الخلافة لابنها، حيث كان دهاؤها وحنكتها، سببًا رئيسًا لحصول المنصور محمد بن أبي عامر على الخلافة آنذاك، أمّا بلقيسُ ملكة سبأ ،والّتي كانت خير خليفةٍ لوالدها في الحكم، وقد أمسكت زمام الحكم بعد وفاة والدها، وقيل أنّ السبب في ذلك كون والدها لم يرزق بالبنين.
ولو تحدّثنا في زماننا هذا، لوجدنا الكثيرات في عصرنا الحاليّ رائدات، شامخات، يركضنّ خلف أحلامهنّ الصّعبة على المجتمع وبرفقة أزواجهنّ أو فرادى.
على سبيل المثال ميشيل أوباما زوجة باراك أوباما، في إحدى اللّقاءات، تذكر ميشيل أنهما كانا في أحد المطاعم الفاخرة في واشنطن، فطلب صاحب المطعم أن يتحدث مع ميشيل على انفراد، وعند عودتها إلى طاولة زوجها وسؤالها عن مراد صاحب المطعم، قالت: كان زميلي في الجامعة وصارحني بحبّه القديم، فضحك أوباما قائلًا: لو تزوجته لكنتِ صاحبة هذا المطعم الجميل، فأجابته بثقة: بل كان هو الآن رئيسًا للولايات المتحدّة الأميركية.
لم أذكر القصّة عبثًا، فميشيل كانت من خلف زوجها تدعمهُ وتثبّتهُ وتقوّي عزيمته، لم يكذب المثل القائل: وراء كلّ رجلٍ عظيمٍ امرأة.
أعرفُ امرأةً أخرى من خلال صفحات التّواصل الاجتماعيّ، مخرجة أفلامٍ مسلمةٍ ترتدي اللباس الشّرعيّ، تسكن واشنطن، الإخراج لديها شراكة بينها وبين زوجها، وحتى الاسم الخاصّ بالشّركة جمعٌ لاسميهما، في دلالة إلى احترام شريكها لها ولقدراتها ولموهبتها وحلمها.
الفرق بين الماضي والحاضر، أن المرأة كانت في الماضي من خلف الكواليس تدعم وتربّي وتَلِد وتعلّم، اليوم المرأة تمشّي خطوةً خطوة بجانب الرجل.
وفي سياقٍ آخر، يذكر أن سياقة السيارة، تعبئة الوقود، تفقّد الإطارات، تغيّير الزيت فيها، كلّها أمور تخصّ الرجل وحدهُ، لكن ماذا كانت ستفعل المرأة لو كان مكان عملها بعيدًا عن بيتها وتسافر كلّ يوم عشرات الكيلومترات؟
في بداية اقتنائي لسيارتي كنت أجد صعوبةً في تعبئة الوقود وتفقّد الهواء في الاطارات والانتباه لكلّ صوتٍ غريبٍ فيها، بعد حادثٍ صغيرٍ تعرّضتُ لهُ في مدينة " تل أبيب "، حين نفذ الهواء في أحد اطارات السيارة، تعمّدتُ في اليوم التالي الذهاب وتبديل الإطار رفقة صديقتي كي أتعلّم في المرّةِ القادمة كيف أقوم بهذا الأمر، أعبئ الوقود وحدي كلّ مرة، وتعلّمت كيفيّة تفقّد الزيت والماء، وذلك في سبيل ألا أتكئ على أبي أو أخي أو زوجي في المستقبل.
ولكن على الرغم من كلّ هذا، تظلُّ الفئة الغالبة من النساء والرجال على حدّ سواء، في المجتمعات العربيّة، يحكمون بأنّ المرأة خُلقتُ ليكون مكانها المنزل، ولتتصّف بصفات " الباربي" الّتي سوّقتها لنا المحطّات والإذاعات ووسائل التّواصل، وهي أنّ المرأة ما هي إِلَّا وصيّة في البيت على عائلتها، وخارج العائلة عليها أن تحظى بجسدٍ رشيقٍ لا يسمن، ووجهٍ صافٍ من البثور، وشعرٍ من المفضّل أن يكون " كيرلي" ليكون جاذبًا أكثر.