تتعاقب الأجيال وتتداخل الثقافات بين الأممِ والشعوب ولا نرى التغييرَ الذي ترجوه العقول السوية والتوجهات الصحيحة! التغيير الذي يكون دافعه الحاجة المُلحّة وضابطه الدين والأخلاق الفاضلة.
أيها القارئ الكريم
حديثي عن أدب المرأة في المملكة والذي ما زال قرار الاعتراف به يحتاج الكثير من الوعي المجتمعي، حيث تتداوله بعض عقليات بشيء من سوء الفهم كقضية عصية على الحلول! وإن أذُن له بالخروج خرج مترنحا تتبعه اللعنة تلو الأخرى ممن يعتبره انحرافا عن الفطرة التي جبلوها عليها!!
لا شك أن النفوس تهوى الحرية بالفطرة وتميل إلى الانطلاق وتكره القيود وتكره من يفرضها خاصة فيما يخص التعبير وإبداء الرأي. ما يجعلني أتساءل عن سبب هذا الربط العجيب بين الحرية والتحرر وجعل البعض حرية المرأة في الإمساك بالقلم شكلا من أشكال التحرر المرفوض؟
لماذا هذه النظرة المتجهمة للمرأة الكاتبة -والشاعرة على وجه الخصوص- وكأن الله لم يخلق لها قلبا إلا لتحمل فيه هموم الحياة وتحشرَ فيه أعباءها فيرى البعض أن البوح بمكنون صدرها حرام، وعليها أن لا تعبر عما يعتريها من مشاعر شتى إلا شهيقا وزفيرا لا نثرا ولا شِعرا..!
وإن كان حظها عظيما واستطاعت إثبات حقها في ذلك فعليها أن تتوخى الحذر فليست كل الجمل متاحة ولا كل العبارات مسموحة، حيث أن الحرف محسوب عليها ومخصوم من عفتها!
كم من نساء دفنّ ما لديهن من مواهب وإبداع استجابة (لِلا) متسلطة، ونزولا عند رغبة معاقة. فبات من المستحيل أن تخرج كاتبة إلا وقد ذاقت الأمرّين، ولو كُسِرتْ من حولهن الأطواق ويُسّرتْ لهن السبل لرأينا الساحة الأدبية تعبق بحروفهنّ وتتعطر بنفحها.
أي قسوة يمارسها البعض وفق أفكار بالية على هذا المخلوق الرقيق الذي يكتظ بالعواطف، ويتأجج بالمشاعر!!
قبل الإسلام كانت تدفنُ حيةً، وبعده تحيا مدفونة، وإن تعجب فعجيبٌ من بعض النماذج المتناقضة التي تحيط بالمرأة من ذويها حيث يقمع وينهى بينما يصفق لأخريات ويمجد طرحهنّ!
أهو اختلال؟ مهما طال التساؤل فلن يخرج عن إحدى الأمرين، إن التعبير عن مكنونات النفس حق فطري لكل إنسان ولا حق لكائن من كان لجمه ما لم يتعد على دين أو يدعو إلى رذيلة أو يزين فتنة.
إن بعض الأفكار البالية التي تسيطر على بعضهم ما زالت مسيطرة، و(إنا وجدنا آباءنا على أمة) ما زالت قاعدة تبنى عليها الأحكام وينظر تحت إجحافها في شؤون المرأة -خاصة- وما زال شبح الخوف والقلق يلاحقها ماجعلها تفضل الصمت على البوح والتخفي عن الظهور، فلا يكون بوسع تلك المشاعر إلا أن تتكتل في داخلها مشكلة طبقة سميكة من الاكتئاب والسوداوية والتراجع والخذلان. وهو ما يتنافى مع الحرية التي منحها الدين للإنسان بشكل عام وكما جاء: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).