صفية 27 عامًا ذات الوجه الجميل، وجسد نحيل، لم تعد تتحمل فنون تعذيب زوجها الأربعيني لها، بدءًا من صفعاتٍ متتالية على الوجه، وركلات متتابعة بالأرجل، مرورا برشقها بالقهوة، والشاي الساخنين، وقصه لشعرها رغماً عنها، وانتهاءً بتهديدها بالقتل، مشهراً السكين في وجهها أكثر من مرة.
حياة الذل، الإهانة، والتعذيب تظلل العمّانية صفية المتزوجة منذ خمس سنوات. بعد أن ظنت أنها ستعيش مع زوجها النعيم والاحترام، “ضيّعتُ زهرة شبابي، حتى بنقعد أشهر ما بنقرب على بعض، وفي حال قربنا على بعض بلحظة الجماع يتهمني بشرفي بأبشع الكلمات”.
“بس يرجع بعطيني دينار أصرفها على البيت. وكل دخله يصرفه على المشروب، مرات خبز ما بكون بالدار”، بحسب صفية يرفض زوجها الإنفاق على أسرته ما دفعها للعمل عاملة منزل، لتقتات هي وطفليها، وكلما علم زوجها بذلك راح يتهمها بالعمل في الدعارة لجلب المال.
صفية اضطرت لطرق أبواب إدارة حماية الأسرة التابعة للأمن العام منذ أيلول/2010 متقدمة بشكواها الرابعة أوائل عام 2013، علها تَجِدُ حلاً لمشكلتها المستمرة منذ زواجها عام 2009، مصطحبة معها تقريرا طبيا يفيد بضربها من قبل زوجها، لكنها صعقت برد إحدى العاملات في إدارة حماية الأسرة، “حلك، روحي على المحكمة الشرعية، اطلقي”.
ترفض صفية الطلاق من زوجها، حرصا على مصلحة أبناءها، وخوفاً من نظرة المجتمع السلبية للمطلقة، وكل ما تطالب به حمايتها من عنفه، وزيارات لمتابعة حالتها.
صفية إضافة إلى 12 ألف معنفة تعاني من عدم المتابعة، وإهمال مكاتب الخدمة الاجتماعية؛ التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية إداريا وتنظيميا، والمتواجدة مكانيا في أقسام حماية الأسرة منذ عام 1998، وفقا للتقرير التحليلي للملفات المتراكمة في مكاتب الخدمة الاجتماعية في قسم حماية الأسرة لشرق عمان، ومكتب الإدارة الرئيسية في عمان فقط.
إدارة حماية الأسرة تكتفي باستدعاء زوج صفية المعنف، بغية توقيعه على تعهد بعدم إيذائها وفق المادة 11 من قانون الحماية من العنف الاسري، لكنه لا يحضر. وبعد كل بلاغ يصله من حماية الأسرة لمراجعتها؛ بسبب شكوى زوجته، يضربها وطفليها أكثر من ذي قبل.
من جانبه، يرد رئيس شعبة العلاقات والاتصال الدولي في إدارة حماية الأسرة المقدم ناجي البطاينة، بأن إدارته رغم امتلاكها كامل صلاحيات الضابطة العدلية، إلا أنها لا تتخذ إجراء لجلب الزوج المعنف، إلا في الحالات الخطيرة جدا، لأن ذلك من شأنه تفاقم المشكلة داخل الأسرة، خاصة إذا أن الجرم المرتكب لا يستدعي إجراء القبض عليه، وحجز حريته.
يكشف هذا التحقيق الاستقصائي عن خلل في قانون الحماية من العنف الأسري لسنة 2008، وعدم إصدار أنظمة لتفعيله من قبل الحكومات المتعاقبة، هذا حال دون تشكيل لجان وفاق اسري فاعلة، من قبل الوزراء المتعقبين على حقيبة التنمية الاجتماعية منذ إقرار القانون قبل ست سنوات. وأدى ذلك إلى إخفاق إدارة حماية الأسرة، والمحاكم، في تحويل قضايا المعنفات أسريا لتلك اللجان التي يتوقف عليها متابعة باقي الإجراءات، المنصوص عليها في القانون.
كل ذلك من شأنه تفاقم معاناة حوالي 32 ألف حالة عنف اسري راجعت إدارة حماية الأسرة خلال الأعوام الأربعة السابقة، وعدم إيجاد حلول مناسبة لمشكلات أسرهم.
ورغم وجود مظلة وطنية لتعامل مع العنف الأسري، إلا أنه يصعب تحديد حجم المشكلة الحقيقي للنساء المعنفات في المملكة، نظرا لعدم وجود إحصاء وطني لقضايا العنف الأسري، ما أدى إلى تضارب أرقام الضحايا.
يتوقف التطبيق الفعلي لقانون الحماية من العنف الأسري، بسبب هشاشة وضعف مواده القانونية بعد أن تم “سلقه” على عجل من قبل مجلس النواب الخامس عشر، استجابة لرغبة الملك في إقرار قانون يعالج مشكلة العنف الأسري. المجلس ذو الأغلبية العشائرية المحافظة، غَلب النصوص القانونية التي تدفع الى المصالحة، على غيرها من النصوص التي تدفع إلى حماية المتضرر، وتجريم المشتكى عليه، بحسب عضو أمناء المجلس الوطني لشوؤن الأسرة د.مؤمن الحديدي.
هذا أدى لعدم استفادة سمر التي تعرضت للعنف زوجها، من وجود قانون للحماية من العنف الأسري، الذي جعل من لجان الوفاق الأسري التي تُشكل بقرار من وزير التنمية الاجتماعية، حجرة الزاوية في الاستمرار بباقي الإجراءات المنصوص عليها في القانون، من إصدار أمر إبعاد بحق المشتكى عليه عن البيت الأسري لمدة أقصاها 48 ساعة، أو التحفظ عليه لمدة لا تزيد عن 24 ساعة، مرورا بإصدار المحكمة لأمر الحماية للمتضرر في أي مكان أمن.
وزارة التنمية الاجتماعية لم تشكل لجان وفاق أسري بشكل فاعل، ولم تحول إدارة حماية الأسرة المنشأة في الأمن العام، والجهة صاحبة الاختصاص في معالجة قضايا العنف الأسري، وفق قانون الحماية من العنف الأسري، أو المحاكم، إلا خمس قضايا خلال ست سنوات من اصل18500 قضية إلى هذه اللجان، علاوة على عدم إصدارها أي أمر إبعاد بحق أي مشتكى عليه، وتقوم بحفظ الشكاوى؛ وفق ما أجاز لها قانون الحماية من العنف الأسري، متعدية على صلاحيات السلطة القضائية، كما أن المحاكم لم تصدر أي أمر حماية للمتضرر، علاوة على عدم تطبيقها لقانون الحماية من العنف الأسري، وتستعيض عنه بقانون العقوبات.
لجان الوفاق الأسري حبر على ورق:
قابلت كاتبة التحقيق 10 نساء معنفات من قبل أزواجهن، أفدن جميعهن بعدم عرضهن على لجان الوفاق الأسري، التي تهدف إلى حل النزاع والتوفيق وإصلاح العلاقة الأسرية، المنصوص على تشكيلها في المادة 6 من قانون الحماية من العنف الأسري.
خمس لجان وفاق أسري شكلت عام 2010، في أربع محافظات من أصل 12محافظة (عمان، السلط، مادبا، الزرقاء) بعد عامين من نفاذ القانون، وذلك بقرار من وزيرة التنمية الاجتماعية آنذاك هالة لطوف، وفق المادة 6 من قانون الحماية من العنف الأسري لسنة2008 ، ولغاية إعداد هذا التحقيق لم تشكل أي لجان جديدة، أو إعادة تشكيل اللجان القديمة. بحسب رد وزارة التنمية الاجتماعية المكتوب على أسئلة معدة التحقيق.
كل لجنة تتكون: من رئيس وعضوين، ويترأس معظم هذه اللجان سيدات يعملن في الحقل السياسي. حيث ترأس العين نوال الفاعوري لجنة مادبا، والعين مي أبو السمن لجنة البلقاء، والعين السابق نادية بشناق لجنة الزرقاء، ووزيرة التنمية الاجتماعية ريم أبو حسان رئيسة لجنة عمان، والتي تم تعينها أبان عملها رئيسة للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، والمحامية سميرة أبو زيتون لجنة شرق عمان.
الناشط في حقوق المرأة المحامي عاكف المعايطة، يعلق على تشكيلة اللجان وعدم فاعليتها، بعدم تفرغ من يرأسها نظرا لدورهم في الحياة السياسية والعامة، ولكثرة مشاغلهم اليومية التي لا تتيح لهم متابعة حالات العنف الأسري عن كثب.
رئيسة لجنة الوفاق الأسري لشرق عمان المحامية سميرة أبو زيتون، تنتقد عدم وجود مأسسة لعمل لجان الوفاق الأسري نظرا لقصور القانون، وغياب الأنظمة الخاصة بها وتقول: ” لجنتنا لم تجتمع منذ أكثر من خمسة أشهر، لعدم تحويل أي قضايا لنا من قبل حماية الأسرة، أو المحاكم”.
مستشار وزيرة التنمية الاجتماعية للدفاع الاجتماعي محمد الخرابشة قال:” تشكيل للجان الوفاق الأسري في عام 2010 كان تجريبيا، وثبت أنها تعطل شغلنا وعملنا، لطول الوقت المستغرق في حل القضية، وهذا سبب عدم الاستمرار في تطبيقها، وتعميمها على باقي محافظات المملكة، والوزارة تعمل على إعداد مسودة جديدة لقانون الوفاق الأسري معالجة جميع الاختلالات في نصوصه.
خلال مراجعتنا لقانون الحماية من العنف الأسري، وتعليمات لجان الوفاق الأسري، التي صدرت بعد عامين من نفاذ القانون، وجدنا انه لا يوجد نصوص تشريعية في كليهما على آلية تشكيل اللجان، وصلاحياتها، ومدة عملها، وأسس اختيار أعضاءها، ومؤهلاتهم، ومكافأتهم.
لجان الوفاق تنظر 5 قضايا من أصل 18 ألف قضية
بَلغ عدد القضايا التي نظرت بها لجان الوفاق الأسري 5 قضايا فقط من أصل قرابة 18500ألف حالة منذ عام 2010، إذ فشلت قضية واحدة بالطلاق نظرتها لجنة البلقاء، وكان الصلح مصير الأخريات، التي نظرتها تلك اللجان؛ بحسب رد وزارة التنمية الاجتماعية المكتوب على أسئلة معدة التحقيق.
في حين؛ لم يمارس جميع وزراء التنمية الاجتماعية منذ إقرار قانون الحماية من العنف الأسري عام 2008، حقهم القانوني في تفويض صلاحياتهم للأمين العام، أو أي من مدراء التنمية لتشكيل تلك اللجان، استنادا للمادة 6 من ذات القانون. وفق الرد المكتوب من وزارة التنمية الاجتماعية على أسئلة معدة التحقيق.
تَعَاَقَبَ على حقيبة التنمية الاجتماعية منذ إقرار قانون الحماية من العنف الأسري، كل من هالة لطوف بسيسو، وسلوى الضامن، ووجيه عزايزة، ونسرين بركات، والوزيرة الحالية ريم أبو حسان.
ولدى مواجهتنا لوزراء التنمية الاجتماعية خلال 2008-2013 عن عدم تشكيلهم للجان الوفاق الأسري، أو تفويض صلاحياتهم لتشكيلها. بين الوزير الأسبق لتنمية الاجتماعية وجيه عزايزة، انه لا يتذكر انه تم طرح موضوع تشكيل لجان للوفاق الأسري عليه خلال خدمته كوزير للتنمية الاجتماعية.
فيما اعتذرت الوزيرة السابقة للتنمية الاجتماعية نسرين بركات عن الإجابة، لعدم امتلاكها المعلومات الكافية حول هذا الموضوع.
سلوى الضامن الوزيرة السابقة للتنمية الاجتماعية، أكدت أن مدة تسلمها لحقيبة التنمية الاجتماعية لم تتجاوز 5 أشهر، ولم يناقش موضوع تشكيل اللجان الوفاق الأسري في تلك الفترة.
بعثنا لوزيرة التنمية الاجتماعية السابقة هالة لطوف أسئلتنا عبر البريد الالكتروني، عن سبب تأخير تشكليها للجان الوفاق الأسري في2010، و أسس، ومعايير، واليات تشكيلها لتلك اللجان، إلا أننا لم نتلقى رد.
وزيرة التنمية الاجتماعية ريم أبو حسان ترد: “بأن تشكيل لجان الوفاق الأسري، يتعارض مع دور المدعي العام، لكون قانون أصول المحاكمات الجزائية أناط صلاحية إجراء المصالحة بالسلطة القضائية والمدعي العام، المشكلة قانونية سواء في إيجاد الأنظمة أو تفعيل اللجان”.
إدارة حماية الأسرة التابعة للأمن العام، تنتقد في ردها المكتوب على معدة التحقيق، عدم تفعيل لجان الوفاق الأسري، “نظرا لعدم وجود نظام يحدد من هم أعضاء هذه اللجان وتخصصاتهم، والمدة الزمنية لإعادة تشكيلها، وبناءً على ذلك لم تفعل اللجان، أو تشكل بالطريقة الصحيحة”.
12 ألف حالة عنف مهملة في مكاتب الخدمة الاجتماعية
التقرير التحليلي لعينة من ملفات حالات العنف الأسري المتراكمة في مكاتب الخدمة الاجتماعية التابع لوزارة التنمية الاجتماعية، والمنتشرة في أقسام حماية الأسرة. اظهر وجود 12 ألف حالة عنف اسري ما زالت ملفاتها مفتوحة لعدم المتابعة منذ العام 1998 في قسم شرق عمان، والمكتب الرئيسي في إدارة حماية الأسرة.
وزارة التنمية الاجتماعية طلبت في عام 2012 من الفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف المنضوي تحت مظلة للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، المكون من 22 مؤسسة رسمية ومجتمع مدني، مساعدتها في عملية مراجعة الملفات، والخروج بقرار متابعتها، أو التوصية بإغلاقها.
وللوقوف على مصير تلك الملفات، راجعت كاتبة التحقيق المركز الوطني لحقوق الإنسان أحد أعضاء الفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف. رئيسة وحدة المرأة في المركز بثينة فريحات قالت “أن وزارة التنمية الاجتماعية طلبت منهم في عام 2012، توفير
شخصين من المركز الوطني لتدريبهم على قراءة ملفات لـ12 ألف حالة عنف عالقة في مكاتب الخدمة الاجتماعية التابعة لوزارة التنمية. ولكن حتى هذه اللحظة لم يتم العمل على تلك الملفات، أو متابعة الموضوع من وزارة التنمية الاجتماعية”.
ومن جهته، يؤكد مدير الدفاع الاجتماعي في وزارة التنمية الاجتماعية أحمد الزبن، أن الوزارة تبحث عن آلية مناسبة لمعالجة الملفات العالقة، وقد يتطلب الأمر فتح مكتب لدراستها، موضحاً انه تم تشكيل فريق مصغر من موظفي الوزارة قام بدراسة ما يقارب حوالي 350 حالة فقط، من أصل 12 ألفا، خلال عام 2013.
التعهد: حليمة تعود لعادتها القديمة
أماني 35 عاما متزوجة منذ 12 سنة، اشتكت على زوجها لدى إدارة حماية الأسرة، بعد تكرار تعرضها للعنف بكافة أشكاله؛ من ضرب، وشتم، وإهانة.
وبعد كل شكوى تستدعي إدارة حماية الأسرة زوج أماني، وتوقعه على تعهد لكي لا يكرر فعلته، لكن سرعان ما تعود حليمة لعادتها القديمة، ويعود لتعنيفها من جديد.
أماني ليست الوحيدة في دوامة التعنيف المتكرر، بل تابعت معدة التحقيق أوضاع 8 سيدات وقّع أزواجهن على تعهدات في إدارة حماية الأسرة، ولدى الحاكم الإداري، بعدم التعرض لهن، لكن هذه التعهدات لم تحرك ساكنًا. ولم تتابع إدارة حماية الأسرة، ومكاتب الخدمة الاجتماعية أي من تلك الحالات؛ بعد تقديمهن لشكاوى؛ سواء بالزيارات الميدانية، أو تقديم الخدمات الاجتماعية والنفسية والإرشادية للمعنفات.
رئيس الشعبة القضائية في إدارة حماية الأسرة المقدم عطا الله المصاروة، يؤكد انه في ضوء دراسة الحالة يتم التصرف في القضية من خلال التعهد داخل الإدارة على المشتكى عليه، أو ربطه بكفالة عن طريق الحاكم الإداري، ليتم بعدها متابعة الحالات من قبل مكتب الخدمة الاجتماعية.
أرقام “إدارة حماية الأسرة” تشير إلى أن عدد القضايا التي حولتها إلى الحكام الإداريين بلغت قرابة 4 آلاف قضية منذ العام 2010 وحتى نهاية 2013، بمعدل ألف حالة سنوياً، غير الملفات الـ 12 ألف العالقة.
وفي ردّ مكتوب من إدارة حماية الأسرة، تبيّن أن توقيع التعهد إجراء قانوني، وتدبير احترازي؛ تتبعه إدارة حماية الأسرة بحسب نص المادة 11 من قانون الحماية من العنف الأسري. ويكون ذلك بناءً على موافقة الضحية في حال رغبتها بتحويل القضية إلى القضاء.
أمر الإبعاد عصي التطبيق
تنص الفقرة ب في المادة 11 بشقيها من قانون الحماية من العنف الأسري على الاحتفاظ بالمُعَنِّف بغض النظر عن جنسه، لمدة لا تزيد على (24) ساعة أو عدم السماح له بدخول البيت الأسري 48 ساعة وإبقائه في إدارة حماية الأسرة، أو أحد أقسامها لحين تأمين الحماية للمتضرر، أو لأي من أفراد الأسرة إذا تعذر منعه من دخول البيت الأسري.
لكن حماية الأسرة تقر بأن الفقرة (ب) بشقيها لم تطبق أبدا، معللة ذلك بتأمينها الحماية للمتضرر من العنف الأسري بمكان آمن وبعيد عن المسيء.
المحامية والناشطة الحقوقية هالة عاهد، ترى أن السبب الحقيقي في عدم تطبيق المادة 11 فقرة (ب)، “عدم وجود نظام وتعليمات لتنفيذها. فالإجراء المتبع يضع المرأة في دور الوفاق وكأنها في سجن، بدلا من إبعاد المشتكى عليه (أحد أفراد الأسرة) لحين حل المشكلة”.
“عدم وجود مأوى للرجل لتطبيق المادة، فضلاً عن عدم تقبل المجتمع خروج الرجل من منزله، يجعل تطبيق المادة معكوسًا بأن تخرج المرأة المعنفة من البيت، وليس الرجل المعنِّف” بحسب المستشارة القانونية في اللجنة الوطنية لشؤون الأسرة أمال حدادين.
أمر الحماية: حمل كاذب
منح القانون في المادة 13 المحكمة إصدار أمر حماية للمتضرر وأفراد أسرته، يُلزم المشتكى عليه، بعدم التعرض للمتضرر أو التحريض عليه، أو الاقتراب من مكان الإقامة البديل سواء كان دار رعاية أو أي مكان أخر، علاوة على عدم الإضرار بالممتلكات الشخصية للمتضرر وتمكينه من دخول البيت الأسري أو من يفوضه عنه؛ بوجود موظف مكلف لأخذ ممتلكاته الشخصية، وتسليمها لأصحاب العلاقة.
تقدمنا لوزارة العدل بطلب حصول على المعلومات، وفق قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، لمعرفة عدد قرارات أمر الحماية للمتضرر الصادرة عن المحاكم النظامية منذ إنفاذ القانون عام 2008، فكانت إجابتها “لا يوجد تصنيف خاص بالعنف الأسري في بيانات الدعوى”.
في حين؛ تؤكد مديرة مركز ميزان لحقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني) المحامية إيفا أبو حلاوة “عدم إصدار القضاء لأي أمر حماية لضحايا العنف الأسري منذ نفاذ القانون،نظرا لعدم وجود أنظمة لإنفاذ القانون، أو عدم احترام الإجراءات الواردة فيه، علاوة على ضعف صوغه التي أدت إلى شلل غالبية مواده”.
وزارة العدل لم تطبق القانون
لم تشكل وفق المادة الثانية من قانون الحماية من العنف الأسري محكمة مختصة للنظر في قضايا العنف الأسري، وبقيت محاكم البداية، الصلح، الأحداث، تنظر في قضايا الأسرة، وفقًا لقانون العقوبات الأردني ساري المفعول، باستثناء ثلاث قضايا ما زالت منظورة أمام المحاكم لتعويض للمتضرر وفق المادة 17 من قانون الحماية من العنف الأسري.
المحامية ايفا أبو حلاوة، تؤكد “عدم إجراء محاكمات وفق القانون، لأن الإجراءات تبدأ بتحويل إدارة حماية الأسرة للحالة إلى لجان الوفاق الأسري، وبالتالي تم تعطيل القانون بصعوبة تحويل الإدارة إلى اللجان”.
قاضية محكمة استئناف رفضت ذكر اسمها، أكدت “أن عدم استخدام القضاء للقانون يعود لكون القانون صدر وتجمد لفترة طويلة بسبب عدم صدور تعليمات لتفعيله”.
وتضيف “السبب الأخر أن إدارة حماية الأسرة لم أي تُحيل شكوى إلى القضاء وفق القانون، وتمارس حقها في حفظ الشكوى، وفق المادة12 من قانون الحماية من العنف الأسري، وعليه لم تحال الكثير من الشكوى إلى المحاكم”.
أرقام إدارة حماية الأسرة تبين أنها حولت قرابة (9300) حالة إلى القضاء منذ 2010 وحتى نهاية 2013، استخدم فيها قانون العقوبات الأردني بدلا من قانون الحماية من العنف الأسري.
مؤمن الحديدي، المحاضر في المعهد القضائي، وعضو مجلس أمناء المجلس الوطني لشوؤن الأسرة، يعلق ” سهولة تطبيق قانون العقوبات حالت دون استخدام قانون الحماية من العنف الأسري في المحاكم”.
إدارة حماية الأسرة تصادر صلاحيات القضاء
انتقد المركز الوطني لحقوق الإنسان، في تقريره السنوي لعام 2008 نصوص قانون الحماية من العنف الأسري، وخاصة المادة12 منه، التي تسمح بمصادرة منتسبي إدارة حماية الأسرة لصلاحيات السلطة القضائية، من خلال منحهم صلاحية وقف الملاحقة دون رقابة القضاء بطريقة تنافي مبدأ فصل السلطات، وحق القضاء في إصدار قرارات وقف الملاحقة في القضايا الجزائية.
القانون منح في المادة 12 منه، مدير إدارة حماية الأسرة، ورؤساء أقسام الحماية وقف ملاحقة المشتكي عليه، إذا ما تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين.
وأضاف التقرير: “لقد غيّب القانون دور المدعي العام بشكل تام، ولم يمنحه أي سلطة، ولم يرد على ذكره نهائيا، وصلاحياته منحت لمدير إدارة حماية الأسرة وأفرادها”.
القانون لا يحمي الأسرة:
المقررة الخاصة بالعنف ضد المرأة في الأمم المتحدة رشيدة مانجو، تعيب على قانون الحماية من العنف الأسري، وفق تقريرها لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في أيار/2012، “إعطاء الأولوية للمصالحة في المقام الأول مهما كان حجم العنف، مقابل الحقوق الفردية الإنسانية للمرأة بوصفها ضحية للعنف الأسري”.
وزيرة التنمية الاجتماعية ريم أبو حسان تقر بأن “قانون الحماية من العنف الأسري لا يحمي الأسرة، والمرأة، وأطفالها بشكل كامل، مبينة في الوقت ذاته أن وزارتها تعمل على تعديل القانون”.
عضو أمناء المجلس الوطني لشؤون الأسرة الدكتور مؤمن الحديدي، يرى أن “القانون غير مفعّل، ولم يحقق الغاية من تشريعه، إذ تم (سلقه)على عجل في ديوان التشريع ووزارة التنمية وقت إذن، وظن البعض أن توجه الملك للعناية بالأسرة؛ هو إقرار قانون بسرعة”.
وطالما بقي القانون هشاً بنصوصه، استمرت وزارة التنمية الاجتماعية وغيرها من المؤسسات تعلّق سوء خدماتها للمعنفات على مشجب القانون، وتدوم في الوقت ذاته معاناة صفية وغيرها من مرارة عنفٍ متعدد الألوان.
راديو البلد