لم تكن شيرل ساندبيرغ مجرد مديرة العمليات في فيسبوك، ولكنها كانت زعيمة إيجابية تسعى إلى حل المشاكل.
كانت تمثل “الجسد الحي” لفيسبوك، الذي تعامل مع أزمته كما لو كانت صفقة عمل فاشلة يمكن استنتاج بعض النتائج الإيجابية منها. درست بيانات الأزمة، طبّقت النتائج على نفسها، وتوصلت إلى حلول إيجابية لمشكلتها.
وفي مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، هذا الأسبوع تحدثت ساندبيرغ بصراحة عن التعامل مع فقدان زوجها ديف غولدبيرغ، الذي توفي بسبب أزمة قلبية عام 2015 أثناء سفرهما إلى المكسيك لقضاء عطلة نهاية الأسبوع والاحتفال مع صديق بعيد ميلاده الخمسين. كان السفر لقضاء عطلات نهاية الأسبوع نادرا لأن الوقت كان ثمينا.
تقول ساندبيرغ عن تلك التجربة المؤلمة “غفوت قليلا في ظهر ذلك اليوم زوجة سعيدة، واستيقظت بعد ساعة أرملة”.
وتضيف “تصدر خبر الوفاة جميع الصحف العالمية، حينها ولكن كان له صدى خاصة داخل عائلتي. كنت أعرف ما هو شعور أن تسافرا معا كزوجين سعيدين لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، ثم يعود أحدكما إلى المنزل حاملا نعش الآخر”.
وتستدرك “لكن كوني عضوا في ما تسميه ساندبيرغ ‘النادي الذي لا يريد أحد الانضمام إليه’، فقد عدت إلى العمل بعد عشرة أيام من الحادث. فعندما يكون المنزل مسكونا بالذكريات، يسيطر عليك حنين كبير للعثور على مأوى”.
ويعتبر الزوجان من ذوي النفوذ والقوة في وادي السيليكون، فغولدبيرغ، كان الرئيس التنفيذي لشركة تكنولوجيا تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار، أما هي فتعمل رئيسة التشغيل في شركة فيسبوك، ومؤلفة الكتاب الأكثر مبيعا “تقدمي” (لين إن) الذي تدعو فيه النساء إلى التسلح لمحاكاة طموح الرجال وإيمانهم بذواتهم.
وبحسب مجلة “فوربس” تم إدراج ساندبيرغ ضمن أقوى النساء على هذا الكوكب.
وعملت قبل توظيفها في فيسبوك كمديرة للموظفين في وزارة الخزانة الأميركية في حكومة بيل كلينتون، وكان من المتوقع أن تكون عضوا مستقبليا بمجلس وزراء هيلاري كلينتون إذا ما قدّر لها أن تصبح رئيسة الولايات المتحدة الأميركية، وتمتلك ثروة قُدرت بنحو مليار دولار.
عندما بلغت 45 عاما كانت أمّا لابن يبلغ من العمر 10 سنوات وابنة تبلغ من العمر 7 سنوات. وتضيف ساندبيرغ لصحافية الغارديان ديكا إتكنهيد عندما كانتا تتحدثان في مقر فيسبوك بمينلو بارك في شمالي كاليفورنيا، قالت ساندبيرغ “تعرفين!، كنا منفتحين جدا هنا في فيسبوك. نجلس دائما سوية في الساحة الواسعة للشركة ونتشارك العمل”.
ولم يكن لساندبيرغ أي مكتب خاص بها في العمل. وأضافت “أن نتشارك، فذلك جزء مما نحن عليه الآن. ولكن يبدو لي أن الجميع ينظر إليّ كما لو كنت شبحا. لا يريد أحد التحدث معي”.
وقالت يومها لمديرها مارك زوكربيرغ “خسرت كل علاقاتي، ولا يريد أحد التحدث معي”. وحينها رد عليها مارك بالقول “يريدون التحدث معك، إنهم فقط لا يعرفون ماذا يقولون؟”.
وطبقا للتقاليد اليهودية يستمر الحداد على شريك الحياة لمدة 30 يوما. وعندما اقتربت نهاية الشهر، قامت ساندبيرغ بالمخاطرة وفعلت شيئا جعلها تشعر بالفخر بنفسها. فقامت بكتابة منشور روت فيه معاناتها في شهرها المنكوب وقامت بنشره على صفحتها الشخصية بفيسبوك.
وفكّرت ساندبيرغ في الليلة السابقة، لأن هذه الفكرة مستحيلة وأن الموضوع شخصي جدا على أن تنشره على صفحات موقع التواصل الاجتماعي، وأنها لن تنشره على فيسبوك.
ولكن عندما استيقظت في صباح اليوم التالي، فكرت في أنه اليوم الأخير للحداد، وأن الأمور لن تزداد سوءا مما هي عليه حقا. ضغطت ساندبيرغ على زر “نشر” وظهر المنشور أمام الجميع على صفحات فيسبوك.
خطت كلمات غاية في التأثير حينها. قالت “عشت ثلاثين عاما خلال الأيام الثلاثين الماضية. أصبحت أكثر حزنا بثلاثين سنة وأكثر حكمة أيضا”. وأضافت، المسؤولة التي تعد من الشخصيات الأكثر نفوذا في وادي السيليكون، “تعلمت أنه لا نعرف أبدا ماذا علينا أن نقول للمحتاجين وأن حساباتي كانت خاطئة في البداية. وكنت أحاول أن أطمئن من حولي.. لكن في بعض الأحيان من الأفضل أن نقرّ بأن الأمور ليست على خير ما يرام”. وأكدت أنها تعلمت أن تطلب المساعدة.
وختمت كاتبة “تعلمت الامتنان لأمور كنت أعتبرها تحصيلا حاصلا مثل الحياة. وحتى لو أنا جد حزينة اليوم، أنظر إلى طفليّ كل يوم وأشعر بالفرح لأنهما على قيد الحياة”.
وقد اجتذب هذا المنشور موجة هائلة من الدعم وأكثر من 74 ألف تعليق حتى الآن، وقالت “بعد ذلك، لم أشعر بالوحدة”.
وفي المقابلة مع الصحيفة البريطانية قالـت “مارك هو السبب في أنني لا أزال على قيد الحياة، لقد قام مارك وزوجته بريسيلا بأكثر مما جاء في الكتاب، حيث فعلا معي الكثير، عندما شعرت بالوحـدة والانعزال”، وأضافت “إنه كان يقول لي مرارا وتكرارا ‘علينا أن نتخطى ذلك، وبالفعل سنتخطى هذه الأزمة”.
وكشفت ساندبيرغ في كتابها الأخير، الذي يحمل عنوان” Option B” أو الخطوة البديلة وكتبته بالاشتراك مع عالم النفس آدم غرانت، عن حزنها إزاء فقدان زوجها غولدبيرغ ويعتبر الكتاب مرجعا في كيفية تحقيق “الصمود ما بعد الصدمة”.
وقد تضمن الكتاب أساليب عملية للتعامل مع الحزن. وشمل ثلاث تجارب بهيجة وثلاثة أشياء يجب القيام بها بشكل جيد كل يوم وكذلك بعض النصائح العملية عن كيفية الخروج من الأزمة.
وكما تقول ساندبيرغ أيضا فإن الكتاب يعطي نصائح “عمّا قبل الوقوع في أزمة” للقراء حتى يستطيعون الخروج من أزماتهم الشخصية في حال تعرضوا لها بالفعل.
ووفق صحفية الغارديان فقد كان كتاب “أوبشن بي” “أفضل كتاب رأيته يتحدث عن الكآبة والحزن ولكن في نفس الوقت مفيد لدرجة أني تمنيت لو أنه تمت طباعته منذ ثلاث سنوات”.
وتضيف “كنت لألصق صفحات الكتاب على باب الثلاجة عندما أصبحت أرملة. كل ما كنا نحتاجه هو كتاب يساعدنا على تخطي الأزمة التي أثرت فينا بشكل جديّ. لا أستطيع أن أفكر أن هناك أحدا لم يستفد في حياته من قراءة هذا الكتاب”.
وترجع سبب تسميته إلى أنه إذا لم تنجح في اتخاذ الخيار الأول، فعليك بكل ما تملك من قوة أن تتمسك بالخيار الثاني. ولم تولد ساندبيرغ غنية.
نشأت في ميامي لأسرة من الطبقة المتوسطة، وكانت الأخت الكبرى لثلاثة أبناء لطبيب عيون وأم تُدرّس اللغة الفرنسية.
وكانت طالبة مجتهدة، درست الاقتصاد في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة قبل أن يتم تعيينها مساعدة لمعلّمها لاري سامرز في البنك الدولي.
وعادت ساندبيرغ إلى جامعة هارفارد بعد ذلك بعام ودرست ماجستير إدارة الأعمال وتخرّجت بامتياز، وعُينت في شركة استشاريي علم الإدارة “ماكينزي”، وذلك قبل العودة إلى العمل مرة أخرى مع سامرز في البيت الأبيض. وتمثل فشلها الوحيد في حياتها الشخصية عندما تزوجت من رجل أعمال أميركي وهي في الرابعة والعشرين من عمرها وانتهى بالطلاق بعد عام.
وتخبّئ ساندبيرغ شخصية مسيطرة، تعمل كل شيء بحساب وبخطة.
وعن بعض التفاصيل تتحدث صحفية الغارديان “مع اقتراب لقائنا من النهاية، بدأ تركيزها في التشتت وحملقت في الساعة أمامها.
بدأت أسألها عن فيسبوك ولكنها أوقفتني وقالت إننا سنتحدث فقط عن الكتاب. وقبل أن أغادر فوجئت بسؤالها “فيم أخطأت؟”ماذا تعني؟ قالت ساندبيرغ “الكتاب. أخبريني ما الذي ينقص الكتاب؟”.
قلت لها “كنت أتمنى لو أنك تحدثت أكثر عن نفسك في الكتاب”. وردت ساندبيرغ “حقا؟”. استخرج منها المحررون معلومات أكثر مما كان ينبغي الكشف عنه، لم يبق أي شيٍٍء لتقوله.
وتقر صحافية الغارديان بقدرة ساندبيرغ العجيبة على التملص من الاستفسارات، فقد كانت حريصة على عدم الاعتراف بأن ثروتها تحميها من الصعوبات التي تواجه معظم الأرامل.