حال الأرامل في المجتمع التونسي لافت للانتباه. وضعهم يقدم نموذجا للفوارق بين النساء والرجال. اختلافات جلية في حياتهم اليومية وفي مصير الأرملة المختلف تماما عن مصير الأرمل.
نلاحظ في مجتمعنا أن أعداد النساء الأرامل تفوق بكثير أعداد الرجال الأرامل. السبب واضح، فأغلب الرجال يتزوجون بعد وفاة الزوجة. في حين نسبة قليلة من النساء من تتزوج بعد وفاة الزوج.
وما يجذب الاهتمام أكثر أن أغلب الرجال منذ أن تتوفى زوجاتهم أو يعلمون بأن أيام إحداهن معدودة يفكرون في البديل، في ما بعدها وفي من بعدها. وينتظر معظمهم أياما أو شهورا قليلة بعد الوفاة ليتزوجوا بأخرى ويقومون بتجديد حياتهم مثلما يرددون.
وبقطع النظر عن السن حتى ولو كان الرجل شيخا فهو يقدم على خطوة الزواج. قليلون هم الرجال الذين لا يفكرون في هذا التجديد للحياة بعد فقدان الزوجة.
وفي المقابل الغالبية من السيدات لا تفكر ولا تقدم على الزواج بعد وفاة الزوج. وتكتفي الأرملة إن كانت أمّا بتكريس ما تبقّى من حياتها لأبنائها حتى وإن كانت في مقتبل العمر أو تظل وحدها إن تزوج الأبناء أو لم تنجب.
نسبة ضئيلة جدا من الأرامل تتزوج بعد وفاة الزوج. وتسير الأمور على هذا النحو في جل الأوساط ريفية كانت أو حضرية وبالنسبة إلى جل الفئات الاجتماعية. ويبدو أن الأرامل يشتركون في هذه الوضعية في جل المجتمعات العربية ليس فقط في تونس.
الغالبية من النساء تختار عدم الزواج مرة أخرى بعد وفاة الزوج خاصة إذا كان النساء في سن متقدمة وفي تقديرهن فإنّ أسرهن أولى باهتمامهن، وسنّهن لا يسمح لهن بخوض غمار حياة زوجية جديدة.
لكن النساء اللاتي يترملن في عمر الشباب لماذا لا يتزوجن خاصة إن كان لديهن أبناء؟ هل في جل الحالات الزواج الثاني قرار أم أنه اضطرار؟
يبدو أن للعادات والتقاليد وللعرف الاجتماعي دور كبير ومهم في قرار الزواج من عدمه بعد وفاة الزوج، فالمجتمعات التقليدية العربية والمحافظة تحفّز الرجل على الزواج بعد وفاة شريكته ولكنها لا تشجع المرأة على ذلك. وقد ترسخت هذه الأفكار في أذهان النساء والرجال، فمن تموت زوجته عليه أن يجدد حياته وإن كان شيخا فعليه أن يجد الزوجة التي تهتم به وتعيله.
وهنا لا تربط المسألة بالعواطف وبالوفاء لذكرى المرحومة ولو كانت قد ربطته بها قصة حب طويلة وعشرة طيبة أو قد تركت له أبناء يتامى الأم.
المعايير تختلف بالنسبة إلى المرأة ولو كانت شابة ويتيح لها سنها عيش تجربة عاطفية وحياة زوجية جديدة لأنه حينها تذكر مسائل ومقولات من قبيل العيب ولماذا الزواج ثانية؟ والنصيب والمكتوب وتستحضر قيم الوفاء للزوج وللعشرة. كما تتدخل حسابات أخرى على الخط من بينها كيف تقبل أن يكون لأبنائها زوج أمّ؟
ومن الرجل الذي يقبل أن يتزوج بها وهي أم لأبناء من رجل غيره؟ وتطول قائمة الاعتراضات ما يجعل أغلب الأرامل في سن صغيرة يستبعدن من أذهانهن فكرة الزواج الثاني ولو رغبن في ذلك.
الرجل لا عيب عليه إن تزوج ولو بعد أيام من وفاة زوجته. ولا مجال لترديد مقولات الوفاء وزوجة الأب وتقبل الأبناء لها من عدمه. فالمسألة أشبه بعملية حسابية نتيجتها واضحة مسبقا فإن توفّيت زوجته فيجب أن يتزوج بأخرى، بل ويقول هؤلاء الرجال ودون خشية من نظرة المحيطين بهم يجب أن أجدّد حياتي.
فهل تجديد الحياة مسموح به فقط للرجال؟ أليس من حق الأرملة صغيرة السن أن تعيش هي أيضا حياتها وتجدّدها؟ أم لأنها امرأة لا تحتاج ولا تستحق ذلك؟ أم لأنها اعتادت أن تفكر في غيرها (أبناؤها وعائلتها ونظرة المجتمع إليها) قبل نفسها فتُحرم أو تحرم نفسها من أن تعيش بعد وفاة زوجها.