بدت الوثيقة نافرة من الاعلام وأدائه ، مُطلقة حكمها العام على كل من يعمل باستقلالية فردا أو مؤسسات، ناسخة طبق الأصل لحديث الشارع المنقسم سياسيا دون تمعن أو تمحيص في مكتسبات كبيرة حققتها النساء في الأعلام الخاص والمستقل(*) ،وقبلها حققها الاعلام المواطني ( السوشيل ميديا ) والمؤسسي من صحف ومجلات وقنوات راديو ، وخاصة الاعلام المحلي الذي ولجته الاعلاميات بأعداد غير مسبوقة في رئاسة التحرير، وإدارة الصحف، والصحافة المتخصصة، فلم يعد عطاؤهن حكرا كما جرى وكان على هامش الاسرة والمطبخ والاجتماعي ، وكذا قنوات فضائية والتي على رأس أدارتها أعلامية، وضمن كادرها مُعدات ومُقدمات برامج مُباشرة ومُسجلة، ومُحررات بأقسام الاخبار ، وصرنا نرى المُراسلات من عين المكان المستقر أو الذي يشهد توترا ، وهي ظاهرة كانت مُفتقدة في مجال الاعلام الليبي ، بل ولأول مرة مُحللات وناشطات يعلقن عن الشأن العام وقضايا المرأة .. والمثير للأستغراب بعد كل هذا ما ورد بالوثيقة ، من اظهار لعكس ذلك : ص 5 (المشاركة الخجولة للمرأة في الاعلام ) ص 8 ) كانت مشاركة المرأة في مجال الاعلام محددوة ) .
كما أن تغيير بعض القيم المجتمعية التي كانت تنبذ وتستهجن شهدت تحولا في قبولها انخراط وعمل الاعلامية وتلقيها للدورات المحلية والدولية التنشيطية أو المواكبة للتطور في المجال الاعلامي ، ومراجعة لرصد أعدادهن قبل الثورة وبعدها يُثبت ذلك ، وخاصة في أعلام المدن الذي كان حكرا على الرجال ، وكان من المفترض وأنصافا للمجال وما طرأ عليه وكما أشارت الوثيقة الى أحادية دور الاعلام المُقتصر على نشر العنف واشاعة الفتنة ! ، أن يجري التوثيق لمُتغير أيجابي في ظل وجود السلاح والتطرف ما مثل مكسبا حققته المرأة في قطاع الاعلام، وإن سلمنا بأن المقصود بنقاط الوثيقة هو حضورها أخباريا وكمُتحدثة فإن السيدات ومنهن مُشاركات بصياغة الوثيقة لا يولين شأنا كبيرا لنشرة شهرية تصدر عن منظماتهن تُحيط وتعلن عن نشاطتهن ، و لا يخرجن لوسائل الاعلام ويُطالبن بحقهن بالمشاركة والتحدث عما يفعلنه فذلك ليس من لزوم ما يلزم لأنعاش الاعلام وتعزيزه بحضورهن رغم أنه جزء كبير من الدور المنوط بهن ، ولا ننسى أن الاعلام مرآتنا ونحن الاعلام بكل ما يظهر فيه صورة ومعنى .
وثاني المثالب ما ورد (ص5) ، و( ص 11) : أستحداث ألية مراقبة ومحاسبة للمؤسسات الاعلامية من قبل الدولة ! إذ جعلت الوثيقة من شرط مراقبة وسيطرة الدولة مبررا لأيقاف العنف الذي تُصدره كل القنوات دون الانتباه الى أن الاعلام السائد خارج هكذا سيطرة واقعا وفعلا سواء الاعلام الالكتروني أو القنوات التي نتابعها من خارج البلاد ! ونزيد على ذلك الاعلام داخلها ما يسمى بأعلام الدولة عبارة عن محطة واقعة تحت سيطرة فصيل ومليشيا متطرفة تسمح بخبر ولا تسمح بغيره ، وأن وكالات الدولة الاخبارية منقسمة على نفسها .إن أعلام الدولة الحاكم ذو وجهة النظر الأحادية الحامل لأيدلوجيته، والممانع لكل اختلاف هو من أعلن معاداته لحضور المرأة في ،وعلى ذلك من غير المتوقع أن يصدر هكذا متطلب بسيطرة ورقابة وحجب وقد تأذت النساء من أعلام الدولة ، وقد خضنا ثورة تبحث وتناضل من أجل ترسيخ حرية الرأي والتعبير ، وما حصل وعكس أدوار النساء وخصهن بمضمونه ومحتواه هو الاعلام الحر والمستقل الذي عادة ما يتيح المجال للجمهور بمختلف اهتماماته للنقد والمُعارضة التي تتقصد التنبيه والمتابعة لسياسات الحكومة .
- وفي متابعة لبنود الاعلام بالوثيقة فقد غُيبت في ديباجته ما يتعلق بالمهنة واللوائح والمعاهدات التي انخرط فيها المهتمون( ات) والمهنيون ( ات ) ما انفتحنا عليه وكان مقصيا ومحظورا ، يماثل ما خرجت الوثيقة به هنا تنفيذا لقرار السلم والامن 1325 العالمي ، نموذج ذلك تشريعات صحفية وقد تم الخوض فيها وتداولها ، و من أهمها (المادة 19 ) من مباديء حقوق الانسان ، مبدأ حرية الرأي و التعبير ، حق منح المعلومة ، حماية مصدر المعلومة ، عدم الافلات من العقاب ، الى الصحافة والسلام ، فممتهنو الصحافة يعانون من عدم احتواء واستيعاب مؤسسات أمنية وتشريعية لماهية عملهم عند نقل المعلومة الى الجمهور ، كما كان من المناسب طرح مشروع الهيئة المستقلة للأعلام والتي يقودوها اعلاميون مستقلون ، كما الدعوة الى تشكيل روابط ونقابات للصحفيين تنظم عملهم و تحفظ حقوقهم ( وبالامكان الاحتذاء بالتجربة التونسية في الهايكا** ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
(*) ترتب على الأنفتاح الاعلامي منذ فبراير 2011انخراط الموهبات والمهتمات بالمجال الاعلامي، وخاصة ما اتيح من عمل مستقل دون تبعية او رقابة صارمة الا الالتزام الاخلاقي الذاتي ، كما تم ولوجهن القنوات المحلية الحكومية فقد اقتحمت المذيعات ومعدات ومقدمات البرامج ورئيسات أقسام فنية ، وفي ادارة الصحف والمجلات ما مثل نقلة في المدن الاطراف : زوارة وسبها والمرج وطبرق... ،وظهرت المُراسلات من عين المكان يغطين اخبار المدن الليبية ، ومنها ما كان محظورا كالتعاطي الاعلامي مع القنوات الخارجية وتمكنت اعلاميات مثل : سيرين العماري لقناة 24، نعيمة المصراتي لمواقع الكترونية كالصينية ، كما وترأست أداريا الاعلامية هدى السراري قناة ليبيا الاحرار، ثم ليبيا 218 ، ابتسام عبد المولى قناة الشبابية المسموعة ،فاطمة غندور مدير جريدة ميادين المستقلة ، انتصار البرعصي مدير جريدة قورينا ،ريم البركي مجلة لنا ، تهاني دربي جريدة الاحوال ، سليمة بن نزهة رئيس تحرير جريدة أفسانيا ، فريال الدالي رئيسة تحرير أطياف، وغيرهن ..... ولنا أن نسجل البراح الذي أتيح وانبثق لأول مرة في تاريخ ليبيا للمكونات الامازيغية والتبو والطوارق ما أطلق اعلاميتهن في الصحف والراديو والتلفزيون ، ومنهن فدوى كامل كرئيسة تحرير لجريدة باللغة الامازيغية.
(*) الهايكا هي مختصر مسمى "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" و هي هيئة مستقلة دستورية تونسية، تأسست في 3 مايو 2013 من قبل المرسوم عدد 116 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 ، تتكون من 9 أشخاص مستقلين مشهود لهم بالخبرة والكفاءة والنزاهة في مجالات القانون والإعلام والاتصال من مهامها : إسناد الرخص المتعلقة ببعث منشئات الاتصال السمعية والبصرية.إنجاز كراسات الشروط التي تحدّد حقوق وواجبات مكونات القطاع الإعلامي.مراقبة مختلف مكونات القطاع في ممارسة هذه الشروط واتخاذ الإجراء ات اللازمة في حال عدم تطبيقها. إبداء الرأي في التعيينات الإعلامية على رأس المؤسسات العمومية. لها دور إستشاري في القضايا الإعلامية. إصلاح الإعلام التونسي . تأريخ البرامج التلفزية والإذاعية وتسجيلها. ضمان العدالة في تغطية الحملات الإنتخابية. ضمان حرية التعبير واستقلالية القطاع الإعلامي. (https://ar.wikipedia.org ).