بعض المدافعين عن حقوق المرأة في السودان يعدّون مؤخّر الصداق حقاً للنساء المطلقات، في حين يرفض كثيرون تحديده في عقد الزواج إذ يرون ذلك أشبه بـ"عمليّة بيع".
النساء في السودان مدعوّات إلى التمسّك بمؤخّر الصداق في عقد الزواج، وذلك بهدف تأمين مستقبلهنّ في حال حدوث طلاق. وكان الرئيس السوداني عمر البشير قد حثّ أخيراً النساء على ذلك من خلال تحديد مبلغ يساعدهنّ في تأسيس حياة جديدة. لكنّ توجيهات البشير تلك أثارت ردود فعل كثيرة، إمّا مؤيّدة وإمّا رافضة. فقد رأى البعض أنّها تحوّل المرأة إلى سلعة وتفقد الثقة بين الزوجَين، فضلاً عن أنّ من شأنها ضرب النسيج الاجتماعي السوداني، فيما عدّها آخرون خطوة تصبّ في مصلحة حقوق المرأة بالإضافة إلى أنّها شرعية.
لا يهتم السودانيون عادة بتضمين مؤخّر الصداق في عقد الزواج أو حتى بالإشارة إليه، لذا تبقى الخانة المخصصة له خالية تماماً. أمّا المهر في العقد، فيُشار إليه برقم رمزي متوسّطه مائة جنيه سوداني (أقل من سبعة دولارات أميركية) على الرغم من أنّ المبلغ قد يكون في الواقع كبيراً ويُترَك للعريس تحديده، كلّ بحسب إمكاناته. يُذكر أنّه من المعيب أن يلزم أهل العروس العريس بمهر محدّد، بل هو يدخل عادة من ضمن مخصصات التجهيز للعرس.
والسودانيون يرون في الزواج عموماً مناسبة اجتماعية، فلا يدققون كثيراً في الشؤون المادية. وهم في الأساس ينظرون إلى التعاملات المالية في عقد الزواج بشيء من الحساسية، إذ لا يعيرون اهتماماً لا لمؤخّر الصداق ولا حتى للنفقة. لكنّ حالات محدودة تسجّل، يطالب فيها أهل العروس بمؤخّر الصداق لتصبح بالتالي سيرتهم على كلّ لسان كحالة نادرة وغريبة.
وكان البشير قد عبّر في تصريحات له في الأوّل من أبريل/ نيسان الجاري، عن قلقه من تزايد حالات الطلاق وسط الشباب، قائلاً إنّهم يستسهلون لفظة "طلقانة" في إشارة إلى إنهاء الزواج. وطالب البشير النساء بالتمسّك بتضمين العقد مبلغاً محترماً كمؤخّر صداق يمكنهنّ من الانطلاق بحياة جديدة بعد الانفصال عن أزواجهنّ، من دون أن يحتجنَ إلى عطف منه أو من أيّ كان. وإذ أوضح البشير أنّ ذلك حقّ من حقوقها، شدّد على ضرورة أن يقرّ الحزب الحاكم الخطوة لتكون واجبة النفاذ.
تجدر الإشارة إلى أنّ نسب الطلاق في السودان ارتفعت خلال الفترة الأخيرة، إذ تشير تقديرات غير رسمية إلى تجاوزها نسبة 60 في المائة، بينما يبيّن تقرير رسمي صادر عن رئاسة الشرطة القضائية أنّ حجم الطلاق خلال عام 2012 تجاوز 52 ألف حالة من أصل أكثر من 112 ألف عقد زواج في العام ذاته. إلى ذلك، توثّق دفاتر التحريات ما بين ثلاثين وستين دعوى طلاق يومياً، باستثناء حالات الطلاق التي تأتي بصورة وديّة.
في السياق، يقول أستاذ الصحة النفسية علي بلدو إنّ "مؤخّر الصداق وإن كان مثبتاً شرعياً وإن نصّ عليه القانون، إلا أنّه لا يتماشى مع الذهنية السودانية. فهو يُعَدّ انتقاصاً من قيم الشهامة والكرم التي يفتخرون بها، ويخلّف لدى أهل العروس شعوراً نفسياً سلبياً. فذلك بالنسبة إليهم، يوحي بأنّ السبب الوحيد لتمسّك العريس بابنتهم هو المبلغ الضخم الذي يتضمّنه العقد". ويوضح بلدو أنّ "كثيرين يتحاشون تحديد مؤخّر الصداق ويستعيضون عن ذلك بعبارة: الصداق المتفق عليه بيننا. كذلك لا يطالبون به في حالات الانفصال والطلاق، تفادياً للحرج". يضيف أنّ "الشعور بالأنفة والكبرياء وعزّة النفس إلى جانب متلازمات المجتمع السوداني وتعقيداته لا تجعل من مؤخّر الصداق عاملاً وحيداً لضمان العلاقات الزوجية". ويرى بلدو أنّ "ضمان استقرار الحياة الزوجية ليس في المبالغ التي ينصّ عليها مؤخّر الصداق أو ما إليه، وإنّما في توفير التناغم الزوجي والكشف قبل الزواج وحلحلة التعقيدات الاجتماعية المصاحبة". ويشدّد على أنّه "حتى لو جعلنا مؤخّر الصداق مليار دولار، فسوف يقع الانفصال. بخلاف ذلك، سوف تنتج عن الأمر ملاحقات قضائية تعمّق من المشكلة الاجتماعية وتزيد من حالات الفرقة بين الناس".
من جهته، يرى رجل القانون علي السيد أنّ "مؤخّر الصداق حقّ من حقوق المرأة، ومن الممكن أن يُدفع لها إمّا بالتقسيط أو بالأجل". ويوضح أنّ "السودانيين لا يتعاملون عادة مع مؤخّر الصداق بل تُترك خانته شاغرة في العقد. هم لديهم اعتقاد بأنّ هذه الخطوة هي بمثابة عملية بيع". يضيف السيد أنّ "المرأة في السودان لا تشهد عقد قرانها عادة ولا يطالب وكيلها - إن كان والدها - عمّها بمؤخّر الصداق. فالسودانيّون يرون في ذلك عيباً من العيوب". ويشير إلى أنّ "القانون يتضمّن بنداً يُعرف بالمتعة، وهو ينصّ على تخصيص مبلغ يعادل نفقة ستة أشهر، لكنّه لا يفعّل تحت البنود المجتمعية". ويؤكّد السيد على أنّه "لن نجد امرأة سودانية تطالب بحقّ المتعة أو حتى بالنفقة، في أحيان كثيرة. فبمجرّد أن يتّخذ الطرفان قرار الطلاق، تتوجّه المرأة إلى بيت والدها لتنظر هناك ورقة طلاقها، من دون الإشارة إلى أيّ التزامات مالية وإن كانت تلك حقوقاً محميّة من الشرع والقانون".