توجه النساء في العديد من المجتمعات أصابع الاتهام إلى الرجال، ويتهمنهم يوميا في وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل بالوقوف حائلا دون حصولهن على حقوقهن كاملة، وبتضييق الخناق عليهن في المجالات المهنية، ويحملنهم مسؤولية العنف المسلط عليهن والغبن والحرمان اللذين ما زلن يعانين منهما في مجتمعاتهن.
وتشير بعض الدرسات إلى أن أوضاع النساء في العالم لم تشهد إلا تحسينات “هامشية” وأنهن مازلن يواجهن عقبات جمة للحصول على أبسط حقوقهن الشرعية.
وقالت منظمة العمل الدولية في أحد تقاريرها إن المرأة في العالم العربي ربما تحتاج إلى المزيد من عقود النضال، كي تحقق ما يصفه البعض بـ“تمكين المرأة”، وهو المصطلح الذي يعكس المظلة الأوسع التي تحول دون مشاركة المرأة الفاعلة في مجتمعها.
وترجع بعض الأبحاث ذلك إلى تواني الرجل عن معاملة المرأة كند مساو له، ما جعل المرأة تخوض صراعا دائما من أجل افتكاك حقوقها منه، وهذا أدى بدوره إلى انعدام التفاهم والانسجام بين الجنسين وحال دون التكامل في الأدوار بينهما.
فهل فعلا أن الرجال اليوم غير مستعدين للتخلص من العقلية الدونية للمرأة ويرفضون تمتعها بحقوقها كاملة؟
يبدو الصحافي التونسي منير المنستيري في حديثه مناصرا للمرأة ومدافعا عن حقوقها، وكأنه يحاول أن يثبت صحة مقولة “وراء كل امرأة عظيمة رجل”.
وتساءل المنستيري مستنكرا “كيف لنا أن نجعل من المرأة إنسانا ناقصا المرأة وهي نصف المجتمع والنصف الذكوري تربى في أحضانها..؟”.
واسترسل الصحافي التونسي قائلا “المرأة ولدتنا وربتنا فهي الأم، وهي الأخت التي عشنا معها وترعرعنا وطبعت شخصيتنا بشخصيتها، وهي الزوجة التي نسكن إليها ونتقاسم معها الحياة بحلوها ومرها ونشاركها الفراش والحكايات والذكريات، وهي الحبيبة التي تهفو قلوبنا إليها ونتقاسم معها مشاعر الحب الجارف، فكيف يكون موقفنا منها موقف الصراع؟”.
وأضاف “نحن مثلا في عائلتنا قسمنا الميراث لا على أساس (حظ الذكر مثل حظ الأنثيين)، بل أجرينا قرعة وكل منا حصل على مناب دون أي اعتبارات أخرى”.
وتمنى العراقي أحمد حمدي عبداللطيف في حديثه: أن يعترف مجتمعه بحقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أسوة بالرجال، وينزلها منزلتها الرفيعة التي تستحقها، معتبرا ذلك دليلا على رقي المجتمعات وتحضرها، إلا أنه أشار إلى أن هذا الاعتراف ما زال صعب التحقيق على أرض الواقع، في ظل المجتمعات الذكورية التي ما زالت تكرس التمييز ضد المرأة وتقف حائلا دون نيلها أبسط حقوقها.
فيما يرى الموظف المصري حسن عبدالرحمان أن المرأة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، مشددا على ضرورة أن يكون الرجال مساندين ومعاضدين لها، حتى تبدد النظرة الدونية التي تحط من شأنها وتجعلها حبيسة لأدوار تقليدية، لا تلبي طموحاتها، على عكس الرجل الذي يجد الدعم الكامل من الأسرة والمجتمع منذ الصغر ويناصر في جميع مواقفه.
وتثير التصريحات السابقة مسحة من التفاؤل في صفوف البعض من النساء اللاتي لمسن تغييرا فعليا في القناعات التقليدية لدى الرجال في موقفهم من المرأة، ولكن الأهم بالنسبة لرائدة الأعمال صوفي لوراي هو العمل الفعلي على تغيير الصور النمطية لدور المرأة في المجتمع والقطاعات الاقتصادية والمساهمة في تمكينها سياسيا.
وأكدت لوراي خلال المنتدى الاقتصادي للقيادات النسائية في دورته الـ17 في العاصمة الإماراتية أبوظبي، أن أهمّ قرار اتّخذته هو “اختيارها لزوجها لأنه شريكها وداعمها الأكبر”، مشيرة إلى أنها لم تكن لتستطع بناء مسيرتها المهنية لو لم يوفّر لها زوجها الحرية والتوازن.
فيما قالت التونسية كوثر ماني القروي صاحبة وكالة لكراء السيارات إن “علاقة الرجل بالمرأة علاقة تكامل وتعايش سواء كان قرينا أو زميلا، فالزوج سكن وحبيب والزميل صديق وسند في العمل”.
وأضافت “لا وجود لصراع بيني وبين الرجل في حياتي الشخصية، وأرفض عبارة صراع جملة وتفصيلا في العلاقة بين الرجل والمرأة، والأصح أن نسميها علاقة تنافس من أجل إثبات الجدارة في العمل، وعلاقة تكامل في اتخاذ القرارات السليمة داخل الأسرة”.
أما ابنة بلدها ربة البيت زينة الجبالي فترى أن الرجال ما زالوا يستأثرون بأغلب الأدوار داخل المجتمع، ويمثلون منافسين شرسين للمرأة على جميع المناصب الهامة، مشيرة إلى أن النساء في المجتمعات الذكورية مازلن مهضومات الحقوق سواء داخل الأسرة أو في المجتمع، وهذا على حد قولها يغذي أحقادهن ضد الذكور.
ولفتت الجبالي إلى أن المرأة نفسها مسؤولة بالدرجة الأولى عن عملية تلقين ثقافة التمييز بين الجنسين للرجل منذ الصغر.
وتبدو الجبالي محقة إلى حد ما في وجهة نظرها، فالتمييز بين الذكور والإناث، ثقافة تتوارثها الأجيال من مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية ووسائل الإعلام وخاصة الأسرة، فعندما يؤيد الآباء مبدأ المساواة بين الجنسين لفظيا، ويحتفظون بالتقسيم التقليدي للعمل في المنزل، تكون بناتهم أكثر عرضة لتصور أنفسهن في وظائف تقليدية مثل التمريض أو التدريس أو تربية الأطفال في المنزل.
ويرى عالم الاجتماع الأميركي تالكوت بارسونز أن الوالدين أثناء تفاعلهما مع الطفل لا يقومان بأدوارهما الشخصية، بل يؤديان أدوارا ينظمها المجتمع، كما لا تحكم سلوكهما قيم شخصية، بل يمثلان قيم المجتمع السائدة أثناء تفاعلهما مع أبنائهما، فإذا كان المجتمع يؤمن باختلاف أساليب التربية الموجهة للذكور، وأساليب التربية الموجهة للإناث، فإن عملية التنشئة الاجتماعية في هذه الحالة تتم وفق نمطين اجتماعيين مختلفين، نمط يرفع من شأن الذكر ويعطيه حق التسلط، ونمط يستضعف المرأة ويحط من قيمتها، ومن ثم ينطبع سلوك كل منهما بطابع خاص، فيشبان على الاختلاف وعدم الاتفاق، مما يخلق صراعا نفسيا بينهما تغذيه رغبة الرجل في التسلط خوفا على هدر رجولته، وتمرد من قبل المرأة على القيود الذكورية التي جعلتها أقل شأنا من الرجل.
العرب