ما لاشك فيه، إن تنامي المجتمعات يعطي إحساسا بالخطر،! الخطر على وجوده الذاتي، وعلى أفراده، والوعي هذا، يولي الثقافة اهتماما يتعاظم حتى تصبح \" الثقافة \" من أهم العوامل المساهمة في فهم وتفسير حالة التغير الحضاري، كونها المكون الأساس لوجدان أي مجتمع وروح حضارته، والمعبر عن العمق التاريخي والمتراكم المترسب في المجتمع، وحيث هي المجال الذي تتفاعل فيه القوى المعرفية والإبداعية في المستقبل، ولأنها المعبر عن الهوية والانتماء الوطني، وبغض النظر عن الزمكان هي، ركزة التواصل عبر العصور، وحيث يتجه العالم إلى التفاعل بين ما هو عالمي وجديد من قدرات تقنية تنمو يوما بعد يوم، وبين ما محلي هو، وبين قوى سيطرة وقوى مقاومة، وتغير سريع نتج عنه إعادة هيكلة رأس المال والتكنولوجيا الحديثة، ما دفع إلى وعي عالمي بأهمية العولمة، حيث يعاش عصر حديث يتعدى مرحلة ما بعد الحداثة، حيث تزداد تعقيدات المجتمع، وظهرت أبعاد جديدة للتغير المصاحب، والذي غالبا ما يكون جامعا بين التناقض والسلب والإيجاب . عليه، أن نتاج عملية التراكم التكنولوجي والثقافي، جعل من عولمة الثقافة كظاهرة متعددة الأبعاد، تواجه العديد من المقومات، في الوقت الراهن، ليس فقط من داخل البلدان النامية، من الدول المتقدمة أيضا، حيث ترى الأولى، إن العولمة تهديدا لنمط الحياة ومحاولة لتحويله إلى نمط ليس هو عليه والى شكل نمط غربي . في الوقت الراهن تخترق العولمة، الثقافة العربية بشكل أوجد تناقض بين ثقافة المجتمع \" الحقيقية \" والثقافة الغازية، مع جهد منها \" الثقافة العربية \"، بقدر ما يستطاع، من صمود أمام الهيمنة الثقافية والحفاظ على ألبني الاجتماعية، حيث الازدواجية المثارة بين الوافد والمحلي، وبين النظم التقليدية المتوارثة والحديثة، مع تغير دائم، حتى باتت العولمة، تطبيقا عصريا للمنهج والوسائل، ووسيلة والية لشق طريق لترسيخ بعثات استكشافية وتبشيرية، ثم لتكون الثقافة الغربية \" الأوربية \" الثقافة في المركز الأول في العالم الرأسمالي، من خلال إنتاج ثقافة قادرة التأثير المباشر، وتكريس منظومة معينة من القيم التي تتغلغل داخل المجتمعات بسلاسة وروية، وبثبات لاختراق نظم القيم المحلية، والثقافة العربية ليست منغلقة على نفسها، وما هي بمجتمع راكد، فهي موروث عظيم،ولها قابلية على هضم أي ثقافة عالمية، حسب حاجتها، والتاريخ معها، أثبت أنها صاعدة الأمم \" أمة صاعدة \" قادرة على استيعاب وإعادة إنتاج وصياغة الثقافات الأخرى وتحويلها إلى جزء من ثقافتها، مهما يمر من متغيرات متسارعة تطي أيديولوجية التنميط والاختراق الثقافي، باستثمار التقدم التكنولوجي ومكتسبات العلوم في مجال ثورة الاتصالات والمعلومات، والصياغة المنمذجة للثقافة العالمية، مع تبادل ثقافي غير متكافئ حيث وجود ثقافة مدعمة بوسائل التكنولوجيا . والخطر بعد هذا، في تعرض مكونات الثقافة العربية \" الدين ، اللغة ، الوعي التاريخي \"، إلى تحديات من منظور أن العرب تبعية، وأنهم مجموعة دويلات وأقطار متفرقة وليست كتلة واحدة، وان الحضارة أصول أوربية وجذور أميركية، ليكون التباين لا على أساس الثقافات، بل على الهرمية والموقع الأعلى \" العولمة ـ الرأسمالية \" . إن الخصوصية الذاتية في الهوية العربية، في التفرد بخصائص وصفات تميز مجتمعها، وتميز المجتمعات من بعضها وتعكس تلك الخصوصية، ومع العولمة، أصبح النظر إلى الاختلافات، أو وضع التمايز في الاعتبار، حيث لم يعد من سعي هناك، وراء المبادئ ذات التطبيقات والاستخدامات الكونية، حين ظهور الهوية في مجتمعات أصبحت مقسمة إلى مجموعات متعددة، فقد أصبح الاختلاف المعترف به هو الوحدة التي يعترف بها على أساس تلك النظرة إلى الاختلافات ووضع التمايز، و إن ما يمس الهوية \" الثقافية \" يمس الأمة أو الدولة، مع التحول الذي خلقته الهوية من أهمية متنامية على الساحة العالمية . قد تحطم العولمة الثقافية، القيم والهويات التقليدية للثقافات الوطنية، وتنصرف إلى ترويج لقيم فردية واستهلاكية \" غربية \"، وكأنها المفاهيم الوحيدة المقبولة لتعاون الدول في ظلها \" العولمة \"، حتى تبدو كأنها افتعال لصراع حضاري \" جديد \" وتحديدا مع الدول العربية، يمكن بموجبه فرض قيم ثقافية غربية، وهنا يحدث تغير يطرأ على جانب من جوانب الثقافة المادية وغير المادية، في الاحتكاك والغزو الثقافي وتيار العولمة، الذي يحدث اتصالا وتبادلا بين الدول، ناهيك عن بعض العوامل الخارجة عن إرادة المجتمع، كالعوامل السياسية أو الثقافية أو التكنولوجية، والتي قد تحدث صدمة ثقافية، بعد تغير ثقافي، مما يؤدي إلى حدوث فجوة بين القيم السائدة في المجتمع الجديد، والتي اكتسبت حيثما وحينما انتقلت تلك القيم من الموطن الأصلي، وبالتالي يحدث تغير في السمات الثقافية والاجتماعية، مع ذاك لا بد من تمسك ببعض و لا تنازل عن كثير منها، والتغير الثقافي والاجتماعي وفقط، يكون من داخل المجتمع، باستعارة الثقافة من مجتمعات قوية الثقافة، وبإضافة أو تحسين عنصر ثقافي، عن طريق الاختراع والاكتشاف لتلبية الحاجات، وذاك عن طريق الاحتكاك بثقافة أخرى قوية، وحينما لا تناسب عناصر الثقافة متطلبات البيئة والمجتمع، يكون التخلي عنها والبحث عن بديل هو النتاج، وعندما يتخلى أو يتناسى عن موروث العناصر الثقافية \" بالإهمال \"، يكون التغير الثقافي محدثا لتغير جذري في نظم المجتمعات وبنائها، مع دخول عناصر ثقافية جديدة عن طريق الأفراد، باكتسابهم لهذه الثقافات، والتي تأخذ بمرور الزمن الديمومة والاستمرارية، لتصبح تقليدا سائدا في المجتمع، وينولد منها نوع من الازدواجية الثقافية التي قد تنتهي لغير صالح الثقافة المحلية، ا وان تصبح الثقافة هذه، جزءا من نسيج ثقافة المجتمع الذاتية، وذاك حين الانخراط في تقنيات العصر الحديث من خلال استيعاب ثقافة التكنولوجيا الحديثة الوافدة، واستقدام أساليبها دون أية خلفية ثقافية، وكأن الأمر مجرد رغبة في الحصول على ثقافة ذاتية نمطية قد لا نفع لها .