عندما بدأ عرض مسلسل "فتيات" عام 2012، شاهدته باهتمام، لأني دائما ما أعجب بالكاتبات الشابات عندما يخرجن عن نطاق المألوف. وقد أعجبت بالمسلسل منذ مشاهدتي للموسم الأول منه عندما كان يعرض قصة أربع شابات في العشرينيات من العمر يحاولن البقاء على قيد الحياة في أحلك الظروف في مدينة بروكلين.
وقد أعجبت للغاية بالأزمة الأولى، عندما قرر والدا الفتاة "هانا" عدم الإنفاق عليها. وما أروعها من فكرة لبدء مسلسل تتسم شخصياته بالتحدي.
ولكن مع تقدم حلقات المسلسل، أصابني اكتئاب بشأن الأحوال الجنسية للأبطال.
كان الرجال يجهلون كيفية إمتاع النساء، ويعتقدون أنهن عبارة عن مجرد أجساد ولا يفكرون إلا في إرضاء أنفسهم. كان المشهد مضحكا ولكنه حزينا للغاية، ويجعلني أتساءل: كيف أصبحنا متخلفين إلى هذه الدرجة؟ وكنت أشاهد المسلسل من وقت لآخر لأنني أعجبت بصدقه.
ومع ذلك، عندما طلب مني أن أكتب عن أحدث المواقف المتكررة لهانا و"شقيقاتها"، بدأت بمتابعة الموسم الجديد بشكل مستمر ووجدت نفسي مهتمة به مرة أخرى.
في إحدى الحلقات الأخيرة، تواجه هانا روائيا شوفينيا كانت تكتب عنه بشكل سلبي في مدونتها. يحاول هذا الرجل إغواءها وهي تقاوم. في البداية، اعتقدنا أنها ستكتشف أنه رجل جيد حقا، ولكن في نهاية الحلقة سنكتشف أنه لجأ لتلك الحيلة مع العديد من النساء الأخريات.
ويتسم أسلوب الكتابة بأنه صادق ومضحك في آن واحد. وفي حلقة أخرى، تكون هانا حاملا ويتعين عليها التعامل مع رغبتها في الاحتفاظ بالجنين وعدم اتضاح رؤيتها فيما إذا كانت تريد أباه أم لا.
جعلني هذا المقطع أتساءل عما إذا كانت ابنتي البالغة من العمر 38 عاما قد مرت بأي تجارب مثل هذه من قبل. أعتقد أنها لم تمر بمثل هذه التجارب، أو ربما مرت بها ولم تخبرني.
ولكن تجربتي الخاصة كانت مختلفة للغاية عن تجربة شخصية هانا الخيالية، ففي مرحلة المدرسة الثانوية والجامعة، كان أصدقائي من الرجال بشكل عام يعشقونني ويعشقون ما أكتبه. ولم أواجه عددا كبيرا من الرجال السيئين إلا بعد انفصالي عن والد ابنتي عندما كنت في التاسعة والثلاثين من العمر. لا أعلم إن كان ذلك يعود إلى أنني كنت في ذلك الوقت من "المشاهير" ـ بغض النظر عما يعنيه هذا التعبير ـ أو لأن بعض الرجال الذين حاولوا إقامة علاقات معي كانوا يعتقدون أنني ثرية، أو ربما لأن العالم ببساطة قد تغير مرة أخرى.
لم تكن تجربتي ولا تجارب بناتي مثل التجارب التي مرت بها بطلات مسلسل "فتيات". ومع ذلك، يمكنني ربط التجارب ببعضها، وهو ما يعني أن الكتابة كانت ناجحة.
كسر القالب
كان لدى دونهام الشجاعة الكافية للظهور على الشاشة دون ماكياج ودون تصفيف شعرها وغالبا دون ملابس. وقد دار الكثير من الجدل حول ذلك، لكنني أراها امرأة شجاعة. فالنساء سجينات إلى حد كبير في الحاجة لأن يكن جميلات ونحيلات وينافسن نماذج الهياكل العظمية من عارضات الأزياء في المجلات، وهذا يحتاج إلى شجاعة هائلة للاستهزاء بتلك الضرورات.
أعتقد أن الكتابة، سواء كانت ساخرة أم رومانسية ورقيقة، يجب أن تكون صادقة ـ وإلا فلم نوليها الاهتمام؟ لم أحب أبدا الروايات الرومانسية ولا الكاريكاتيرية للأبطال الخارقين ولا أفلام المطاردة بالسيارات لأنها تجعلني أشعر بالملل.
إنها أنواع من الترفيه، ولكنها لا تثير اهتمامي، لأنني أبحث عن الحقيقة ولا شيء سواها. ويعرض مسلسل "فتيات" لحظات من الحقيقة. وبالتأكيد، لم تكن جميع الحلقات مكتوبة بشكل جيد أو مثير، ولكن بعضها ممتاز.
وأشعر بالتعاطف مع الطريقة التي عوملت بها دونهام ككاتبة وممثلة، فقد انتقدت مسلسلاتها لخلوها من التنوع العرقي، وقوبل عريها وسمنتها بالسخرية. كما قوبلت شهوانيتها بالتذمر في الوقت الذي انتقدها آخرون لعدم تعريها بما فيه الكفاية.
وينظر إلى بطلاتها على أنهن "غير محبوبات" ـ هل وجد أي منكم أي بطل ذكر "غير محبوب"؟ بالطبع لا، فالأبطال الذكور، سواء كانت شخصية زوكرمان لفيليب روث أو حتى جيمس بوند، لا يتعرضون أبدا إلى مثل هذه الانتقادات. ولكن عندما يتعلق الأمر بالنساء، يشعر كل ناقد، أكان رجلا أم امرأة، أن لديه الحق في توجيه الانتقادات اللاذعة.
قرأت ذات مرة مراجعة تعود إلى القرن التاسع عشر قال فيها ناقد غريب عن جين إير، "لن أوظفها أبدا كمربية"! قد يبدو هذا مضحكا بالنسبة لكم ـ وهو من المؤكد سخيف، ولكنه يحدث في كل الأوقات للنساء اللواتي يكتبن، ولطالما تساءلت كيف يمكننا تغيير ذلك. في الولايات المتحدة، كانت هيلاري كلنتون موضع سخرية لكونها "غير محبوبة"، وإذا بنا نأتي بدونالد ترامب الذي لم يكمل ثلاثة أشهر في الرئاسة بعد، والذي لم يكن محبوبا بدرجة كبيرة، ومع ذلك فإنه على نحو ما كان "محبوبا" أكثر من كلينتون.
ويطرح مسلسل "فتيات" العديد من الأسئلة الوجيهة. فالمسلسل ليس خائفا من تخطي الحدود وعرض الحقيقة المرة ـ وهي أن الحياة ليست لامعة كأغلفة المجلات، فالنساء لسن جميعا ذوات سيقان طويلة ونهود كبيرة، وليس كل الرجال بإمكانهم إمتاع النساء، وليس من السهل أن تكسب أموالا تمكنك من القيام بما تحب، ومرحلة البلوغ تمثل تحديا كبيرا، والحياة ليست سارة للغاية أحيانا.
وتتشابه تجربة دونهام مع تجربتي في الكتابة، فعندما نشرت رواية "الخوف من الطيران" عام 1973، تعرضت للهجوم من قبل النقاد ذكورا وإناثا. ويبدو أن البعض منهم اعتبرني "عاهرة" الأدب. لقد تجرأت عندما تطرقت بصراحة لموضوع الجنس في بلد متزمت، ولم يغفر لي أحد ذلك. فقد وصفت بأنني امرأة عاهرة وداعرة وفاسقة ـ وليس كاتبة. وحتى هذا اليوم، يتواصل تشويه سمعتي هنا في الولايات المتحدة، على الرغم من تكريمي دائما خارج بلادي.
وبعد أربعة وأربعين عاما على ذلك، لا تزال تلك الرواية تنشر في كل أنحاء العالم بأكثر من أربعين لغة، وقد بيع منها أكثر من 35 مليون نسخة. ويقول لي الناس الآن إنني رمز ـ أيا كان معنى ذلك. ولعل الشيء المذهل بالنسبة لي هو أنني لا زلت أتعرض للانتقادات حتى الآن.
ويجب أن نعرف أن العالم مليء بالكاتبات الرائعات، بدءا من من سافو إلى إميلي ديكسون وشارلوت برونتي وشقيقاتها، اللاتي يكتبن بشكل جيد للغاية. وقد أنتجن روايات مثل ميدلمارش و"جين إير" و"بيلفيد" و"وايت تيث"، و"كنتري غيرلز"، و"بوزيشن"، وغيرها الكثير والكثير. ولكن بينما ينتظر فيليب روث الحصول على جائزة نوبل، فإننا نستعد للنقد التالي. ولذا، لا عجب أن يصاب الكاتبات الشابات بالإحباط ويقررن التوقف عن الكتابة والحمل بدلا من ذلك.