تغيب ثقافة التعامل مع المختصين في علم النفس وعلم نفس الطفل والمختصين في علوم التربية والإرشاد الأسري عن غالبية الأسر التونسية. ولا يتوجه إليهم معظم أرباب الأسر إلا في الحالات المرضية القصوى عندما يصاب أحد الأبناء مثلا بمرض نفسي يعجزون أمامه.
وفي الكثير من الأحيان يحتار الآباء والأمهات خاصة منهم الجدد في إيجاد طرق التعامل المثلى مع أبنائهم والتي تخول لهم تربيتهم تربية سليمة.
وتمثل البرامج التلفزيونية التي تطرح المواضيع التي تهم الأسرة وتقدم عبر مختصين في علم نفس الطفل وفي علوم التربية مصدرا للمعلومة والمعونة التي يبحث عنها الآباء والأمهات لتجاوز صعوبات التعامل مع أبنائهم، غير أن هذه النوعية من البرامج تكاد تكون مفقودة في القنوات التلفزيونية التونسية سواء الرسمية أو الخاصة.
وإن وجدت فهي تقدم ضمن المنوعات الصباحية في توقيت يكون فيه أغلب أفراد الأسر التونسية خارج بيوتهم سواء للعمل أو لقضاء بعض الشؤون، وبالتالي فإن نسبة مشاهدتها تكون ضئيلة جدا، ولا تحصل الاستفادة منها على الوجه الأكمل.
وهناك برامج مثل “سوبـر ناني” وهو بـرنامج بـريطاني الأصل من صنـف تلفـزيون الواقع، يبث أيضا في قنوات أوروبيـة وأميركية عديدة، ومنه نسخـة فرنسية من تقديم سيلفي جينالي تبث على العديد من القنوات.
ويطرح البرنامج مقاربة لحل الإشكاليات والصعوبات العائلية المتصلة بتربية الأطفال من منطلقات نفسية وطبية واجتماعية. وقد حقق برنامج “سوبر ناني” نجاحا لافتا.
واتخذت إحدى القنوات التونسية على عاتقها بث النسخة التونسية منه في العام 2008، وقدمته المختصة في علم نفس الطفل والتي اشتهرت بدورها في ذات البرنامج في نسخة فرنسية كلثوم سراي غير أنه بمجرد مرض ووفاة مقدمة البرنامج انتهت تجربة التونسيين مع السوبر ناني. وانتهت معها استفادة الأسرة التونسية من نصائحها وخبراتها في المجال ليرجع الفراغ من جديد.
غياب فادح تتضح خطورته أولا في حاجة الأسر الجديدة إلى نصائح وإرشادات علمية توجه تعاملها مع أطفالها في واقع متغير يقوم على أن غالبية الأزواج الجدد هم من فئة العاملين والموظفين فلا يجدون وقتا للاهتمام بأبنائهم، والوجه الثاني لفداحة هذا الغياب يتمثل في ما تقدمه البرامج الراهنة الموجهة للعائلات والأطفال من محتويات هزيلة وخالية من الإفادة.
وتقول مريم السعدي، موظفة في شركة تأمين، عملت سابقا في مرصد لمراقبة الإعلام في تونس “رغم أهمية المواضيع المتعلقة بالتربية والأسرة إلا أن الإعلام التونسي لا يوليها أهمية كبرى ويتطرق إليها فقط في البرامج الصباحية الموجهة عادة لربات البيوت دون سواهن مع مواضيع مثل الطبخ والموضة..”.
وتضيف أن هذه البرامج الصباحية والتي تعرض مواضيع تهم الأسرة ربما لا تحظى بنسب مشاهدة عالية مثل التي تلقاها بعض البرامج السياسية والمنوعات، وتقول متسائلة عن الأسباب في ذلك؛ هل أن المجتمع والأسرة التونسية خاصة يهتمان فعلا بهذه المواضيع؟ ولماذا تخاطب هذه البرامج النساء فقط؟
وبحسب مريم فإن العقلية الذكورية التي توكل جل المهام الأسرية وتربية الأبناء إلى النساء تعد من بين أهم أسباب انخفاض نسب المشاهدة للبرامج التي تطرح المواضيع الأسرية، وتظل متابعة هذه البرامج مقتصرة على الأمهات تقريبا.
تضاف إلى ذلك طريقة طرح وتقديم المواضيع التي تقوم على سؤال من قبل مقدم البرنامج وجواب من قبل المختص المعني وهي طريقة كلاسيكية مملة تنقصها لمسات الإبداع القادرة على جذب المشاهدين وعلى تبسيط أجوبة المختصين ودعمها بأمثلة واقعية، مثل التي تقدمها برامج سيبار ناني، لكي تستوعبها جل فئات المجتمع.
من جانبها تلاحظ مروى فهمي (اسم مستعار) وهي معلمة في مدرسة ابتدائية بالعاصمة تونس أن هناك تقصيرا فادحا من قبل وسائل الإعلام ا في ما يتعلق بالبرامج التي تهم الأسرة والتربية، وتقول إنها عادة ما تلجأ إلى البحث عن أجوبة لاستفساراتها التي تتعلق بتربية الأطفال في الإنترنت.
وهذا الحل بدوره لا يخلو من تعقيدات في طريق إيجاد المعلومة التي يكون مصدرها موثوقا وصادرا عن المختصين في المجال.
وتقول ”هناك صفحات ومواقع ويب تموّلها جهات حاملة لأيديولوجيات وخلفيات سياسية وفكرية معينة قد تهدف إلى توجيه الرأي العام والمجتمع ولا نعرف إن كانت معلوماتها صحيحة وعلمية فعلا”.
كما تشير مروى إلى ما أسمته بـ”موضة التنمية البشرية”، وتقول إنها اكتشفت مؤخرا أنها لا تعتبر من العلوم الإنسانية مثل علم النفس. وتخلص إلى القول “إنني في النهاية أجد نفسي في حيرة أمام العديد من التساؤلات التربوية التي تهم تقويم سلوك الأطفال سواء كانوا أبنائي أو تلاميذي. أتمنى أن تتغير العقلية في المجتمع التونسي وداخل الأسرة تحديدا، وأن ينظر إلى تربية الأبناء على أنها عمل مشترك بين الأب والأم أساسا ثم المؤسسات التربوية وبمساعدة من وسائل الإعلام ومساندة من المجتمع ككل”.
وتظل الأسر التونسية الجديدة في حاجة ماسة إلى برامج من جنس “سوبر ناني” وغيره، لأنها برامج تعالج الإخلال والمشاكل الأسرية على كثرتها وتنوعها بالحضور المباشر مع الأسرة والتعرف على موطن الضعف ثم تقديم الحلول والمقاربات العلمية لإصلاح الأخطاء.