لا يعرف العامة من هذا الجذر إلا لفظ ( الخنثى) ويريدون به الشخص المشكل بين الذكورة والأنوثــــــــــــــة . وهذا الاعتبار يحتمل المناقشة ولا يؤخذ على اطلاقه !
قال صاحب اللسان :
الخَنِثُ، ككَتِفٍ: من فيه انْخناثٌ، أتَكَسُّرٌ وتَثَنٍّ، وقد خَنِثَ، كفَرِحَ، وتَخَنَّثَ وانْخَنَثَ، وبالكسر: الجَماعةُ المُتَفَرِّقَةُ، وباطِنُ الشِّدْقِ عندَ الأَضْراسِ.
وخَنَّثَه تَخْنيثاً: عَطَفَه فَتَخَنَّثَ، ومنه: المُخَنَّثُ، ويقالُ له: خُناثةُ وخُنَيْثَةُ.
وخَنَثَه يَخْنِثهُ: هَزِئَ به،
وقال ابن فارس رحمه الله :
الخاء والنون والثاء أصلٌ واحد يدلُّ على تكسُّرٍ وتثَنٍّ. فالخَنِث: المسترخِي المتكسِّر.ويقال خَنَثْتُ السِّقاءَ، إذا كسَرْتَ فمه إلى خارج فشرِبْتَ منه. فإن كسَرْتها إلى داخل فقد قَبَعْتَه. وجاء في اللسان : والانْخِناثُ: التَثَنِّي والتَّكَسُّر.
وخَنِثَ الرجلُ خَنَثاً، فهو خَنِثٌ، وتَخَنَّثَ، وانْخَنَثَ: تَثَنَّى وتَكَسَّرَ، والأُنثى خَنِثَةٌ.
وخَنَّثْتُ الشيءَ فتَخَنَّثَ أَي عَطَّفْتُه فتَعَطُّفَ؛ والمُخَنَّثُ من ذلك للِينهِ وتَكَسُّره، وهو الانْخِناثُ؛ والاسم الخُنْثُ؛ قال جرير:
أَتُوْعِدُني، وأَنتَ مُجاشِعيٌّ، ***أَرَى في خُنْثِ لِحْيَتِك اضْطِرابا؟
أما الخنثى فقد أطلق عليه/ــا هذا الوصف بسبب تذبذبه وتردده بين الذكورة والأنوثــــــــــــــة ، قال ابن منظور :
الخُنْثَى: الذي لا يَخْلُصُ لِذَكَرٍ ولا أُنثى، وجعله كُراعٌ وَصْفاً، فقال: رجلٌ خُنْثَى: له ما للذَّكر والأُنثى.
والخُنْثَى الذي له ما للرجال والنساء جميعاً، ولجمع: خَنَاثى، مثلُ الحَبالى، وخِناثٌ؛ قال:
لَعَمْرُكَ، ما الخِناثُ بنو قُشَيْرٍ *** بنِسْوانٍ يَلِدْنَ، ولا رِجالِ
فأصل الخنَث هو التثني والترجع والتردد والتذبذب، تخنّث أي تمايل . هذا بالأصل.
(خ - ن - ث) كما أسلفنا ونعيد : "الخَنِثُ، ككَتِف: مَنْ فِيهِ انْخِنَاثٌ وتَثَنٍّ"، وهو المُسْتَرْخِي، المُتَثَنِّى. والانْحِنَاثُ: التَّثَنِّي والتَّكَسُّرُ، والاسمُ مِنْهُ الخُنْثُ، قال جَرير:
أَتُوعِدُني وأَنْتَ مُـجَـاشِـعِـيٌّ أَرَى في خُنْثِ لِحْيَتِك اضْطِرَابَا
وَقَدْ خَنِثَ" الرَّجُلُ "كَفَرِحَ" خَنَثاً، فهو خَنِثٌ. "وتَخَنَّثَ" في كلامِه. وتَخَنَّثَ الرَّجُلُ: فَعَلَ فِعْلَ المُخَنَّثِ. وتَخَنَّثَ الرَّجُلُ وغيْرُه: سَقَطَ من الضَّعْفِ. "وانْخَنَثَ:" تَثَنَّى وتَكَسَّر، والأَنْثى خَنِثَةٌ. وفي حَدِيثِ عَائِشَة أَنّهَا ذَكَرَتْ رَسولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيْه وسلَّمَ، ووفاتَه، قالت: "فانْخَنَثَ في حِجْرِي، فما شَعَرْتُ حتّى قُبِضَ" أَي فانْثَنَى وانْكَسَر؛ لاسْتِرْخَاءِ أَعْضَائِهِ، صَلَّى الله عليه وسَلّم، عندَ المَوْتِ. وانْخَنَثَتْ عُنُقُه: مالَتْ. الخِنْثُ "بالكَسْرِ: الجَمَاعَةُ المُتَفَرِّقَةُ"، يقال: رأَيْتُ خِنْثاً من النّاسِ. "وباطِنُ الشِّدْقِ عندَ الأَضْرَاسِ" من فَوْقُ وأَسْفَلُ، نقله الصّاغَانيّ. "وخَنَّثَه تَخْنِيثاً: عَطَفَه، فتَخَنَّثَ" تَعَطَّفَ، "ومِنْه المُخَنَّثُ"، ضُبِطَ بصيغةِ اسم الفاعِلِ واسمِ المَفْعُولِ معاً؛ للِينه وتَكَسُّره. وفي المِصْباح: واسمُ الفاعِلُ مُخَنِّث بالكسر، واسمُ المَفْعُولِ مُخَنَّثٌ، أَي على القياس. وقال بعض الأَئمة: خَنَّثَ الرَّجُلُ كلامَه- بالتَّثْقِيلِ- إِذا شَبَّهَهُ بكلام النِّسَاءِ لِيناً ورَخَامَةً، فالرَّجُلُ مُخَنِّثٌ بالكَسْرِ.
قال شيخُنَا: ورأَيْتُ في بعضِ شروح البُخَارِيّ أَنّ المُخَنّثَ إِذا كانَ المرادُ منه المُتَكَسِّر الأَعضاءِ المُتَشَبِّه بالنّسَاءِ في الانثِناء والتَّكَسُّرِ والكلامِ فهو بفتح النون وكسرها، وأَمّا إِذا أُريدَ الذي يَفْعَلُ الفاحِشَةَ، فإِنّمَا هو بالفَتْحِ فَقَط، ثم قال: والظّاهر أَنّه تَفَقُّهٌ وأَخْذٌ من مثلِ هذَا الكلامِ الذي نَقَلَه في المِصْباح، وإِلا فالتَّخْنِيثُ الذي هو فِعْل الفاحِشَةِ لا تَعْرفُه العَرَبُ، وليس في شْيءٍ من كلامِهِم، ولا هو المَقْصُودُ من الحَدِيثِ ، أي أنَّ الأصل في (خ ن ث) هو التثني والتذبذب ، وليس التخنث الذي يريده بعضهم لأنَّ العرب لم تعرفه أبدا بفطرتها السليمة . أقول هذا لمن يحاول أن يسيء إلى ابن تيمية رحمه الله ، وهو من وصف بعض الفرق الإسلامية بالمخانيث والمخاريف، وما أراد الفحش أبدا ، بل أراد الإشارة إلى ترددهم وعدم ثباتهم على مبدأ الحق ومنهج الفطرة(1) .
والخنثى له بحث خاص في علم المواريث ، ومن جميل ما قرأت في توريث الخنثى
قصة سخيلة ، وتُسمّى فتوى سخيلة :
وهي قصة حدثت في العصر الجاهلي، علق عليها الإمام الأوزاعي رحمة الله عليه تعليقاً عظيماً، هذه القصة تقول: كان هناك رجل في الجاهلية قبل الإسلام يقال له: عامر بن الظرب العدواني ، كان هذا الرجل كامل العقل مسموع الكلمة مطاع حكيم، فالعرب إذا اختلفت يأتون إليه؛ فجاءه مرة ستة أو سبعة رجال وسألوه عن قضية في المواريث، وهي أنهم ابتلوا بشاب خُنثى له آلتان: آلة رجل وآلة امرأة، قالوا: أنت حكيم العرب والناس تأتيك فهل نعامل هذا على أنه رجل فنعطيه الميراث، أو أنثى فلا نعطيه ميراثاً؟ على عادة الجاهليين آن ذاك، فقال: والله! ما مرت بي مسألة مثلها، فأخذ يتفكر، وأدخلهم داره فجلسوا في بيته أربعين يوماً، وكان عنده جارية راعية اسمها سخيلة قد ضاق عامر منها، فقد كانت ترعى الغنم ولا تعود إلا متأخرة وهو يريد أن يحلبها فيتأخر عليه اللبن، فكل يوم يعاقبها ويعاتبها، فجاءته وهو متحير فقالت: ماذا بك؟ فضربها وزجرها وقال: ليس هذا إليك. فظل أياماً على تلك الحالة، ثم قالت له الجارية: هؤلاء الضيوف أكلوا الغنم وكل يوم وأنت تذبح لهم، فكأنه رق لها وقال: أنا أقول لك القصة، وأخبرها بالقصة، فقالت: أتبع الحكم المبال، يعني: إذا كان يبول من آلة الرجل فعامله على أنه رجل، وإذا كان يبول من آلة الأنثى فعامله على أنه أنثى، فضع حكمك على بوله وتنتهي القضية. فصار يمشي في الدار ويقول بيتاً من الشعر آخره: فرج الله عنك يا سخيلة !وفي معناه أنه لن يعاتبها بعد اليوم.ودخل على ضيوفه وأخبرهم الخبر، وهذا الحكم الشرعي أثبته الإسلام اليوم، فالخنثى الذي له آلتان يتبع الحكم فيه على مباله، إن كان يبول من آلة الرجل يُعامل على أنه رجل، وإن كان يبول من آلة الأنثى يحكم له بأنه أنثى في الميراث، والذي قال هذا امرأة اسمها سخيلة
كانت أميّة ترعى الغنم .
------------------------- هامش :
(1) بلغ جهلنا في لغتنا أنَّ أحد المثقفين انتقدني حين استعملت في منشورٍ لي تعبير ابن تيمية ، وقال : أربأ بك أن تقول مخانيث ومخاريف، وفاته أن المخاريف من الخرافة، والمخانيث هم المترددون المذبذبون لا يثبتون على حالٍ أو منهج واحد ، ولماذا تربأ بي يا سيدي ؟
هل أتيتُ بابا من الكبائر ؟ وكان الأجدر بكم أن تبحث في المعجم قبل أن تربأ بي وأنا الذي أربأ بكم دون أن تأخذني العزة بالإثم !!!