كثيراً ما راودني سؤال "حينما أذن الله بوجود شريك لسيدنا آدم في الكون لماذا خلق امرأة؟ لمَ لَم يكن ذكراً آخر؟ أو ماذا لو كان أُنثيين؟!".
هل تناسقاً مع باقي الخليقة من وجود الذكر والأنثى؟! ولكن إن كان كذلك حقاً فلمَ أيضاً كل الخليقة حين أذن الله بخلقها خلق شريكاً لها أنثى؟!
أَوَليس الذكر يستطيع فعل كل الأشياء؟ أوليس بقادر علي التفكير والتدبير والتصرف واتخاذ القرار وحده؟!
بالطبع ليس هذا رأيي، بل هو رأي كل ذكر يمارس ذكوريته بتسلط وهمجية ولا آدمية ما فيه تقليل لقيمة الأنثى والاستهزاء بما تملكه من قدرات.
وإن كُنت أؤمن أن استضعاف المرأة نفسها هو العامل الأول لما تتعرض له من اضطهاد يومي من أي ذكري بداية من ولي الأمر وصولاً للأغراب من الذكور.
إن الأمر الذي غفل عنه الكثير منا أنه لا مجتمع سوي يقوم على الذكور فقط ولا الإناث فقط.
ولله الحكمة في أمره حين وضع في كلا الطرفين جمالاً يزيد كلما اجتمعا.
كثيراً من المنظمات التي تدعو لحرية المرأة وحقوق المرأة وغيرها كانت من ضمن الأسباب التي انتقصت من قدر المرأة، فكيف يكون الحق حقاً إن كان على المرأة أن تطلبه من ذكر؟ أظن أن الحقوق إن سُلبت لا تحتاج مطالبة أو مفاوضة لاستعادتها بل تحتاج لانتزاعها وإعادتها لأهلها وحسب.
لمَ التعامل مع المرأة ويكأنها طرف أقل يرتجي دوماً الحق والحرية من طرف آخر برغم أنه لو دققنا النظر قليلاً لوجدنا أن الأنثى طرف متعادل مع الذكر؟!
ألم يخلق الله لها عقلاً أم أنه وكل أمر تفكيرها وقرارها عقل الذكر وجردها من العقل؟ أعتقد لو أن الله يرى في ذلك خير لترك التفكير والقرار والاختيار للذكور وحسب، وخلق النساء مجرد تابع عليه فقط أن يُنفذ ما يؤمر به وينتهي عما ينتهي عنه.
إن العقل الذي لا يستطيع تقبل فكرة العدل البشري بين الجنسين فهو حتماً ناقص أهوج، وكثيرون من هؤلاء يجدون في ذكوريتهم تشريفاً وفي الأنثى نقصاناً ومعيبة.
لست أدري كيف تطرق بهم الأمر لهذا الجرم الفكري والسلوكي؟! أي إنجاز قد حزته بكونك ذكراً؟!
إن الأمر لا يمكن تقبله إلا من خلال العنصرية الجنسية، كم مرة قابلت أنثى واجهت أمراً مجتمعياً عصيباً فقط لكونها أنثى؟!
في أي دين كانت الأنثى جُرماً؟ أي عقل سوي يقبل بهذيان العنصرية والرجعية؟!
إن الحقيقة التي وإن كان البعض يعرفها فقليل ممن يعرفها يدركها والأكثرية تكفر بها، لا أكتب هذا لأستجدي عطف أي ذكري لإنصاف الأنثى، بل لكي أُذكر الأنثى ذاتها بأن أمرها بيدها أولاً، وقرارها ينبع من عقلها، مشاعرها ملكها وحدها، قلبها ليس خردة ليبتاعه عابر سبيل لا يقدره.
أما عن اللاتي تطرفن في الإيمان بأنوثتهن حتى إنهن كفرن بالذكر وقيمته، فهن شر لا بد من الاعتراف بخطره أيضاً، فإن كان الكفر هو السبيل لمعالجة أمراض المجتمعات لصرنا جميعاً ملحدين نكفر بالصواب؛ كي لا نجعل للخطأ قيمة وليت بهذا يُشفى المريض من المرض.
ولا ننسَ أيضاً دُعاة المساواة ممن رأوا أن الذكر والأنثى متساويان، وعليه فالحقوق متساوية، وطبقاً لهذا نستنتج أنه يحق للذكر أن يحمل ويلد كما الأنثى.
أما عن اللاتي وجدن أن السبيل للتحرر هو التعري فليتهم يدركون أن الأمر يرجع إليها تعرت أم احتشمت، ولكن أن تسميه حرية فتعاريف القيم ليست في مهب الريح.
على النساء أن يعدن التفكير فكل طفل سوي هو نتاج ذكر وأنثى بعقل سوي وتفكير متناسق وسلوك متجانس، لا يحق لجنس أن يفرض على الآخر التطبيع سواء في السلوك أو التفكير، وليس من حق جنس السيطرة على الجنس الآخر.
في بعض الأمور لم يكن يوماً المظهر هو عنوان الحرية، ولم يكن التحرر هو المطالبة بالتساوي مع الذكور في المظهر أو في السلوك، لم نرَ ذكراً سوياً يطالب بأن يكون له الحق في أن يظهر بمظهر نسائي.
إن ما يجب على المجتمع كله إدراكه أنه لا جنس أفضل من الآخر، وأن الاختلاف طريق للنقص البشري السوي الأشبه بالكمال على الأرض، والكمال المطلق لله وحده.
إن الحروب التي تنشب كل ساعة بالعالم ما هي إلا اختلال في العلاقة ما بين الذكر والأنثى ممن لم يستطيعوا إنتاج أسرة سوية أو تهيئة بيئة قويمة تعلوها القيم والإنسانية.
إن الذكر الذي يُنكر فضل الأنثى لا بد أنه قد نسي أن من أنجبته لم تكن ذكراً لكنها أنثى، والأنثى التي تُنكر فضل الذكر لا بد أنها تظن أن بويضة أمها قد تكاثرت ميتوزياً.
وعلى الطرفين أن يُدركا جيداً أن الأرض لم تُعمر إلا حينما استطعنا أن نقول إن بها رجلاً وامرأة.
ولن يكون للإعمار سبيل إلا حين نُقر أن بها مر رجل وامرأة حتى ولو لم يجتمعا يكفي احترام كليهما لخلق الآخر ودوره في الكون والمجتمع.
المجتمع لا يعنيه مرور رجل وحسب أو امرأة وحسب، لن يكون المجتمع سوياً إلا إذا استطعنا أن نجمع الرجل والمرأة بممر واحد كل بطبيعته كل بتفكيره وحريته، كل بعقله.
فقط حينها نقول: من هنا مر رجل وامرأة.