إنه أمر مفيد حقا أن تبدو مراهقا على الرغم من أنك في أواخر العشرينات من عمرك، مما يمكنك من الحصول على الخصم الخاص بالطلاب في أي مكان، ويسامحك الناس أيضا إذا قمت بعمل فوضوي، ولكن يأتي الجانب السلبي لهذا الموضوع حينما لا يأخذك زملاؤك في العمل على محمل الجد.
قالت هانا (34 عاما) تعمل في مجال الصحافة إنها كانت تشعر بإحباط شديد عندما كانت في العشرينات من عمرها وكان يصل طولها إلى 5 أقدام فقط، مما أثر بشكل واضح على طريقة تعامل زملائها معها.
وأوضحت قائلة “كنت أنظم لحدث صحافيّ كبير، واعتقد أحد المدعوين، في الستينات من عمره، أنني نادلة الحفل وطلب مني أن أحضر له مشروبا. وفي حدث صحافيّ آخر، سُئلت ماذا أدرس في الجامعة، على الرغم من أنني كنت في السابعة والعشرين من عمري وكنت أعمل نائبة لرئيس التحرير في ذلك الوقت”.
وتقول ستاسي (28 عاما) تعمل في مجال التسويق والإشراف على الماليات إن الزبائن يعلقون دائما على مظهرها الخارجي “غالبا ما يسأل الزبائن زملائي في العمل إن كنت مازلت أعمل تحت التدريب أو أدرس، مما أشعرني بالإحراج كثيرا. أنا عندي سبع سنوات من الخبرة العملية، لكن هذه النظرة لي تخصم من كل سنين الخبرة التي لدي”.
وبغض النظر عن تلك المواقف المحرجة، هل يؤثر مظهر الإنسان الخارجي الذي يوحي بصغر سنه على حياته المهنية؟ تقول الدكتورة جوانهارفي عالمة النفس وكبيرة المحاضرين في جامعة نيوكاسل ببريطانيا، “إننا نحكم دائما على الناس بناء على الإشارات غير المنطوقة، بما في ذلك المظهر الخارجي، وهذا ما نسميه في علم النفس ‘إدراك العلاقات’. ويتم تصنيف الأشخاص إلى مستويات؛ فتجد أن الكثير من الثقافات تعطي احتراما أكثر لمن هم أكبر في السن”.
وبحسب هجوني جيفورد المستشار في السلوك التنظيمي بمعهد تشارترد للأفراد والتنمية بلندن، والذي قام بأبحاثه حول “سياسة المحاباة” في بيئة العمل، فإننا نطلق أحكامنا المسبقة بناء على السلوكيات اليومية المتكررة التي تحدث من الأفراد، مشيرا إلى أننا “نأخذ المعطيات ونكوّن مجموعة من الافتراضات والتصورات في عقولنا تجاههم، وتلك هي سياسة الحياة التي نعيشها. ومن هذا المنطلق نشأت سياسة المحاباة”.
ويشير ذلك التفسير إلى أن كل شخص يلعب دوره المحدد في تصورنا “إذا كنت تحضر اجتماعا على سبيل المثال وأردت أن تقرر أيّ وجهة نظر تريد تأييدها، ستجد أنك تأخذ مبدأ العمر مقياسا لقرارك”، حسب جيفورد.
وقال جيفورد أيضا مشيرا إلى مدى تأثير المظهر الخارجي إذا كان مختلفاً على السلوك الفردي “تتغير طريقة معاملة زملاء العمل لك بناء على مظهرك الخارجي الذي يوحي بصغر سنك، مما يقلل من شعور الثقة بالنفس ويؤثر بالسلب على أدائك الوظيفي”.
وتعمل نيها (27 عاما) في مجال الإعلام الرقمي وتقول إن بدايتها في سن صغيرة كان لها تأثير سلبي على سلوكها في العمل خصوصا أنها كانت تشغل منصبا كبيرا “لطالما أردت أن أثبت كفاءتي. كنت أعمل باجتهاد أكثر طوال الوقت حتى يأخذ زملائي نتاج عملي على محمل الجد”، حسب قولها.
وعلى الرغم من ذلك فهو ليس بالشئ السيء على الإطلاق، حيث قالت هانا أيضا إنه توجب عليها أن تبذل قصارى جهدها لتحافظ على الود وعلى علاقتها الجيدة بزملائها، مضيفة “وإلا كان سيتم استبعادي من وظيفتي، ولكن عادت تلك المحاولات عليّ بالفائدة في عملي”.
ويقول مايكل غوتريدج عالم النفس في مجال الأعمال والتدريب، إن أمر المظهر الخارجي يمكن أن يعمل لصالح الشخص، مشيرا إلى أنه “غالبا ما ينظر إلى الناس قصيري القامة على أنهم محركات دينامو صغيرة مليئة بالطاقة. ويمكنك بالطبع الاستفادة من هذه الميزة”.
ويؤكد هارفي على أن هذه المسألة لا تتعدى كونها مسألة نقل انطباع فقط، موضحا “أن تتمتع بتلك المهارات، يمكن أن تلفت الأنظار بعيدا عن مظهرك الخارجي الذي يوحي بصغر السن. وإذا كنت تريد أن تظهر أكثر ثقة في نفسك، فكل ما عليك فعله هو أن تحافظ على ظهرك مستقيما، وعلى كتفيك إلى أسفل ورأسك في وضع مستقيم، كما لو كنت تمشي حاملا مجموعة من الكتب فوق رأسك. وهذا من شأنه أن يغير من وضعية جسمك ويجعلك تبدو أكثر ثقة. بالإضافة إلى ذلك سيدرك من حولك أنك أكبر سنا بدرجة كافية”.
وإذا فشلت كل تلك المحاولات السابقة، فعلى الأقل نجد ميزة أخرى نحتفل من خلالها بأعياد ميلادنا. وتقول هانا “أحب أن أظهر أكبر سنا. أعلم أن الكثير يكرهون أن يدل مظهرهم على عمرهم الحقيقي، ولكني لا أشعر بذلك مطلقا. بمجرد أن أتممت الثلاثين من عمري، شعرت بأن كل شيء من حولي أصبح أفضل بكثير. إنه ليس مجرد النضج، ولكن هي قضية كيف يعاملك الناس من حولك. أنا الآن لا أبدو صغيرة في السن كما كنت قبل ذلك. وأشعر أنني أفضل حالا الآن”.
وأجاب معظم المشاركين في استطلاع رأي، أنجز في وقت سابق وشارك فيه أكثر من 10.525 شخصا من أكثر من 12 دولة عربية أن المظهر الخارجي له علاقة بالنجاح.
وأجاب 83.4 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع الذي حمل عنوان “تأثير المظهر الخارجي على قرارات التوظيف” من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأنهم يربطون بين المظهر الخارجي والنجاح.
ويعتقد 78.6 بالمئة من المشاركين أن هنالك علاقة بين حسن المظهر والنجاح المهني، كما يعتقد 76.4 بالمئة أن أصحاب العمل يتخذون قرارهم بناء على المظهر الخارحي للمترشح، ويرى 24.8 بالمئة أن الاعتناء بالشكل الخارجي هو دليل على حسن سلوك وشخصية المترشح.
ويؤكد علماء اجتماع وعلماء التنمية البشرية على أن مظهر الإنسان مهم جدا وله دور مؤثر في علاقاته مع المحيطين به.
وأكدت دراسة أنجزت في جامعة ديوك الأميركية العلاقة القوية بين حسن المظهر والنجاح في عالم الأعمال، إضافة إلى إلقاء الضوء على السمات الشخصية والوظيفية الأخرى، مثل الطموح والقيادة والكفاءة، كونها ليست العناصر الوحيدة المؤهلة لمنصب المدير التنفيذي، وذلك من خلال مسابقة للجمال أقامتها الجامعة في إطار الشركات.
وقال الباحثون “توقعنا أن يكون المظهر الخارجي عاملا لنجاح السياسيين في انتخاباتهم، ولكن لم نتوقع في أي من الأحوال أن يكون هذا عاملا لنجاح المديرين التنفيذيين أيضا، المفترض أن يتم تعيينهم لأسباب مهمة تفوق المظهر، وهو أمر مؤسف”.