عرب المهجر هم الامتداد الطبيعي لجذورهم التي تمتد في عمق الوطن العربي. لا أعتقد أن أي مهاجر عربي اختار بمحض إرادته الغربة أو استبدلها بالوطن الأم، لأن الغربة مرة بل هي حنظله في حلقوم كل عربي، رغم المنافع التي اكتسبها والنجاحات التي حققها الكثير من أبناء هذا الوطن.
من المسلم به أن كل عربي، بشكل عام، حريص على سمعته، حريص على تراثه وتاريخه وثقافته، إذا اعتبر نفسه سفير وطنه في المهجر، يجسد ثقافة هذا الوطن عبر النشاطات الثقافية والفنية والتراثية الكثيرة للجماعات الثقافية المتعددة في كندا.
إنّ العرب في المهجر يتألمون لبعدهم عن الوطن الأم، ويرغبون في مد جسور الود والمحبة بينهم وبين القارئ العربي في الوطن العربي، إنهم على تواصل يومي مع أخبار الوطن العربي، من خلال التلفزة والصحافة المحلية، ورغم شح هذه الأخبار إلّا أنهم حريصون على التواصل مع أبناء الوطن، حريصون على إثراء مشاعرهم وأحاسيسهم المشبعة بالحنين والمحبة نحوهم ونحو أوطانهم.
الكثير من العرب في المهجر أثبتوا وجودهم في كندا رغم المعاناة المريرة لنمط حياة كل ما فيها جديد وغريب، والمنافسة المتزايدة التي وصلت أوجها منذ بدء الركود الاقتصادي، ليس في كندا فحسب بل في العالم أجمع، هذا بالإضافة إلى ثقل حجم وتراوح قوه المجتمعات الثقافية المتهددة في كندا بعامه وفى مدينه مونتريال بخاصة عاصمة الثقافة في شمال أمريكا، والتي تحتضن أكثر من 160 ثقافة.
في العادة يتقارب المهاجرون من الجنسيات الواحدة من بعضهم البعض، وتتميز الجماعات الاثنية اليهودية والإيطالية واليونانية والأرمنية عن غيرها من الجماعات، بالتعاون التام والترابط والعمل الدؤوب من أجل إثبات وجودهم وإعلاء شأنهم، مثال على ذلك الجاليات اليهودية التي جاء أفرادها من جميع أنحاء العالم وتوحدوا في جالية واحدة تعد من أغنى وأنجح الجاليات الإثنية.
إن الكونجرس اليهودي على سبيل المثال تزيد ميزانيته عن أكثر من 25 مليون دولار، ومن خلال مؤسساته النفعية المتعددة يتلقفون المهاجر اليهودي فور وصوله إلى كندا، ويوفرون له فرص عمل تتناسب مع قدراته وإمكانياته العلمية أو التقنية، يمدوه بالمال والنصح إذا رغب في البدء بعمل مشروع ما، وتهيئ له مسكنا له ولعائلته، وعندما يبدأ مشروعه بالإنتاج ويدر عليه ربحاً، تطلب منة المؤسسة النفعية التي ساعدته جزء بسيطاً من دخله الشهري لسداد قرضها الذي قدمته له فور وصوله، حتى يتيحوا الفرصة لمساعدة مهاجر يهودي جديد.
إنهم لا يكتفون بالمساعدة المالية والمشورة الاقتصاية فقط، سواء كانت دراسة جدوى المشاريع الاقتصادية وغير ذلك من أبحاث، بل يستمروا في دعمه حتى نهاية المشوار وقطف ثمار النجاح. إنهم يعممون على جاليتهم أن تتعاون مع كل مهاجر جديد حتى يضمنوا لعمله النجاح له ولعائلته الاستقرار في كندا. وهذا بالطبع يسهل عليهم التحكم بجاليتهم وتوجيهها لدعم ما يسمى بأرض اسرائيل.
أما المهاجرون العرب الذين دفعهم الخوف على مستقبل أبنائهم للهجرة، حملوا معهم خوفهم وقلقهم وشكهم رغم أنهم حريصون جداً على استشارة كل من يستطيعون الوصول إليه دون التفريق بين الاستشاري المتخصص وغير المتخصص مطبقين المثل القائل:
"أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة" ونسوا أو تناسوا المثل الأكثر ضماناً لهم والذي يقول: "أعطى الخبز لخبازه ولو سرق نصفه"، وهذا لم يساعدهم على الإطلاق في تفهم نظم العمل هنا، وبالتالي خسر بعضهم "تحويشة" العمر بسبب حذرهم الشديد، وعدم ثقتهم وترددهم وخوفهم من بعضهم البعض.
لقد اعتقدوا بأن نجاحهم في بلادهم سيؤهلهم لإثبات وجودهم في أي مكان، دون الأخذ بعين الاعتبار الفارق الكبير في أسلوب وقوانين العمل هنا، ونوع العمل ومكانة وحاجه الناس إليه من ناحية، وبين العمل في بلادهم وأنظمتها المختلفة من ناحية أخرى، وبدل أن توحدهم الغربة وتقربهم من بعضهم البعض، ازدادوا فرقة وأقاموا المئات من المؤسسات العربية الصغيرة التي تمثل أقليات عربية عرقية وحزبية لا يزيد عدد أعضاء أكبر واحدة منها عن عشرات الأعضاء
ونسوا أو تناسوا أن مهمتهم الأسمى والأجدى هي بناء لوبي عربي قوي داخل المجتمعات المتعددة في كندا، ورغم سنوات الاغتراب الطويلة لم يتعلموا للآن تأسيس هذا اللوبي، لأنهم لم يمارسوا الفعل على أرض الواقع، كما فعل غيرنا من الجاليات رغم أنها أقل عدداً وخبرة منا، أجل للأسف الشديد ورغم مرور أكثر من ماائة عام على أوائل المهاجرون العرب إلى كندا لم يمارسوا نظم الحياة في كندا، ولم يشكلوا لوبياً عربياً يخدم مصالحهم التي من المفروض أن تنصهر هنا وتصبح مصالح مشتركة لصالح الوجود العربي في المهجر برمته، ولم يتحدوا في جالية واحدة تنصهر فيها جميع الجاليات العربية لتحقيق ذاتهم وخدمة مصالحهم السياسية والاقتصادية…الخ.
لا تظن عزيزي القارئ أن وضعنا بهذا السوء، هناك الكثير من النجاحات اللامعة والتي تنثر شذاها وتتسع مساحتها يوماً بعد يوم في واحة الغربة، أجل يوجد هنا مهاجرون قدامى منذ أواخر القرن الماضي وبداية القرن الحالي نجحوا كأفراد (كما هي عادة العرب) ومن بعدهم أولادهم، وبرزوا في التجارة، وبناء مصانع الملابس الجاهزة، التي تفوقوا فيها عن غيرهم من الثقافات المتعددة.
وفيما بعد برز الكثير من الأكاديميين وأساتذة الجامعة العرب الذين انتشروا في أغلب الجامعات والكليات الكندية. كما برز الكثير من الأطباء العرب الناجحين والذين أثبتوا جدارتهم العلمية الفائقة في تخصصات طبية متميزة.
كما يوجد مهاجرون جدد من الشباب العربي الناجح والنشط، خريجوا الجامعات الكندية والأمريكية، برزوا في الحياة العملية وأثبتوا مقدرتهم الفذة في بدء مشاريع جديدة وقيادتها إلى قمة النجاح، ولقد ساعدهم كثيرا تفهمهم لنظم الحياة المحلية بدقة وبسرعة، وطبقوها في حياتهم العملية، وشابات عربيات يخضن مجال العلم والتكنلوجيا الحديثة بإصرار وإرادة صلبة على النجاح.