أحد قرائي أرسل لي رسالة إلكترونية مؤخراً
أحس أني قد دفعت خارج طائرة ومعي مظلة بها خيوط جذب عديدة، لا أدري أيها سينقذني وأيها سيقتلني، ولكني أعرف أن عليَّ فعل شيء قبل أن أصطدم بالأرض.
هذا هو الشلل المؤلم الذي يسبق اتخاذ قرارات الحياة في العصر الحديث، لقد ولَّت الأيام التي ترث فيها ببساطة عمل والدك إذا فعلت ذلك فأنت ببساطة "تستقر".
ولَّى العصر الذي ساد فيه الاعتقاد الذي يصفه أحد التقليديين في رواية ديفيد ميتشل، سحابة أطلس: "مهما فعلت فلن يبلغ مقدار إنجازك قدر قطرة في محيط" آباء اليوم يخبروننا أن العام هو محارتنا.
اليوم فإن تحقيق إمكاناتنا الكبرى وليس إيجاد الشريك المناسب هو أهم شيء في حياتنا.
نحن نرحب بهذه الفرص المكتشفة، لكننا أيضاً نعاني منها، نخشى من اتخاذ القرارات الخاطئة إلى درجة أننا وللمفارقة نضحي بإمكاناتنا في هذه العملية.
عندما نغرق بين الاختيارات المختلفة نميل إلى الندم على القرار الذي اتخذناه ونصبح مهووسين بالبدائل التي فوَّتناها أو ببساطة لا نختار على الإطلاق.
مقالات لا نهائية تخبرنا كيف نستغل حياتنا بالشكل الأمثل، لكن إذا لم نكن نعرف كيف نرضى بقراراتنا، سنعيش حياة غنية، ولكنها مليئة بالندم. الطب النفسي الحديث يقدم 3 طرق تمكننا من التصالح مع قراراتنا:
1- لُم حدسك
بعض الأحيان تشعر بالندم لاعتمادك على قرارات حدسية، قال أحد مديري التوظيف: "أكره أن أقول هذا لكن معظم القرارات هي شعور حدسي"، لكن الثقة في حدسك له ميزاته، ولكن ليس للسبب الذي تعتقده.
هل جربت هذا التدريب الذي يتضمن الجلوس وإغلاق عينيك والتفكير في قرار مهم ومصيري؟ تسأل نفسك "هل يجب عليَّ فعل ذلك؟"، من المفترض أنك شعرت برغبة في الميل إلى الخلف أو شعور يدفعك إلى الخلف، إذن الإجابة هي لا. إذا مِلت إلى الأمام فالإجابة هي نعم.
جربت هذا الأمر مؤخراً عندما كنت آخذ قراراً بـ هل عليَّ إلقاء خطاب غير مدفوع الثمن في مدينة نيويورك. ملت إلى الخلف لهذا قررت أن أرفض الدعوة، من المحرج الاعتراف بهذا الأمر لكني لست نادمة على هذا الأمر.
من المستحيل أن تعرف إذا كان الميل إلى الخلف في الحقيقة هو حديث حدسك، ولكن إليك ما يهم، التفكير في أن حدسك يتكلم.
في إحدى الدراسات لوحظ المستهلكون وهم يشترون بإيجابية أكثر عندما يتم اتخاذ القرار في غياب المداولات المتأنية "يجمل المؤلف" على خلاف الحكمة الشائعة ليس من الحكمة الانشغال في مداولات متأنية قبل الاختيار، بعبارة أخرى، نحب خياراتنا بشكل أفضل عندما لا نختارها بشكل واعٍ ومؤلم، نفضل الخيارات التي تبدو لا شعورية.
باختصار فإن الرضا عن الخيارات لا يحدث بسبب ثقتنا في حدسنا، بل بسبب إلقائنا اللوم عليه.
2- لا تغيّر رأيك
فور انتهائك من اكتشاف خياراتك وما تريده، فإن الخطوة المحورية للرضا عن قراراتك هي أن تعتبرها نهائية.
في إحدى الدراسات طلب من المشاركين اختيار قطعة فنية لأخذها إلى المنزل، المشاركون الذين تم إخبارهم أن بإمكانهم استبدال تلك القطعة لاحقاً شعروا برضا أقل عن اختياراتهم من أولئك الذين لم يملكوا هذا الخيار.
المثير في الأمر أن المشاركين لم يقروا بهذا التأثير، لقد اعتقدوا فعلاً أنهم قاموا بالاختيار الأفضل.
باختصار حتى لو كان لديك طريق للتراجع لا تخبر نفسك "يمكنني أن أغير رأيي في أي وقت"، عندما تتخذ القرار، هذا الأمر يجعل نفس القرار أقل إرضاء.
الأدهى أن بعض الدراسات تشير إلى أن تغيير رأيك قد يكون خطراً، نستمر في تقييم اختياراتنا حتى بعد أن تغيب عن مجال رؤيتنا ومستوى وعينا، عندما نغير آراءنا بناء على أدلة قمنا بتحليلها بعد اتخاذنا للقرار فغالباً نقوم بأسوأ اختيار.
3- برّر قرارك
كان هناك مؤسس ثالث غير معروف لشركة أبل يدعى رونالد واين، بعد أسبوعين من تسجيل أبل في 1976، غادر واين الشركة وباع حصته البالغة عشرة في المائة بـ800 دولار، والآن في عمر 84 يعيش واين على معاش الضمان الاجتماعي خارج لاس فيغاس، في هذا اليوم كان نصيبه يقدر بـ63 مليار دولار.
ييرر واين قراره ببيع حصته أبل بأنه وفر على نفسه عمراً من القلق "إذا بقيت في أبل ربما كنت سأكون أغنى رجل في المقبرة"، هكذا أخبر الـ"سي إن إن".
قد يبدو إدراكه هذا وكأنه تمنّ وربما هو كذلك بالفعل، ولكنه أيضاً ميكانيزم دفاعي للتكيف مع الندم للحفاظ على السلامة النفسية والقدرة على ممارسة الحياة مستقبلاً.
أطلق نيتشة على هذا الأمر، أن تحب مصيرك، "لا يريد الإنسان شيئاً مختلفاً، لا شيء للأمام، لا شيء للخلف، ليس كل الأبدية"، هكذا كتب نيتشة في كتابه الأخير .
خلاصة الأمر:
الرضا عن قراراتك لا يرتبط بالقرارات نفسها بل بكيف تراها وتعقلنها.
عندما نلوم حدسنا ونلتزم باختياراتنا ونعقلنها بهذا نستطيع بلوغ الحد الأقصى من إمكاناتنا ونشعر بتحقيق الذات.