قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في تصريحات إعلامية الإثنين الماضي ، إن بلاده لا يمكن أن تحتمل الكم الهائل من الزيادة السنوية في نسبة الولادات مستقبلا، وإن مواجهة هذا التمدد لا تقل أهمية عن الحرب ضد الإرهاب باعتبار أن الزيادة السكانية تقضي على كل مساعي التنمية.
جاءت تصريحات السيسي استمرارا لموقف مماثل من جانب شريف إسماعيل رئيس الحكومة وعدد من الوزراء المعنيين بالاقتصاد، حمّلوا فيه الزيادة السكانية مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر ما يعني أن تحديد النسل والحد من عدد المواليد دخلا مرحلة جادة.
وكان أبوبكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للإحصاء (جهة حكومية) استبق هذا التوجه بتأكيده أن الزيادة السكانية أصبحت عبئا على الدولة المصرية التي تمر بظروف صعبة، لأن تعداد السكان قارب على المئة مليون نسمة، وشدد على أنه لا يجب أن تنجب كل أسرة أكثر من 3 أبناء.
حسب البعض من المسؤولين فإن عدد السكان قفز من 66 مليون مواطن مع بداية الألفية الجديدة، إلى حوالي 93 مليونا في مطلع العام الجاري، وإذا استمرت معدلات الولادات بهذه الطريقة فإنه من المتوقع أن يصل التعداد السكاني إلى 150 مليونا بحلول سنة 2050، غير أن خبراء مصريين أكدوا أن فرض عقوبات على الأسرة التي لا تلتزم بالحد من الإنجاب لن يحد من الزيادة السكانية بالشكل المطلوب والمتوقع دون تغيير ثقافة المجتمع ودفعه إلى تقبل ذلك من خلال التوعية بخطورة عدم تحديد النسل على مستقبل البلاد.
وقال هؤلاء إن الحد من ظاهرة الزواج المبكر والقضاء على الأمية (20 بالمئة من السكان أميون) وتغيير الثقافة الذكورية بما يسهل خروج الفتيات والزوجات للعمل، كل ذلك من شأنه أن يساهم بقوة في خفض معدلات الإنجاب.
وفي مصر تنتشر ظاهرة الزواج دون سن الـ18 عاما المخالفة للقانون، ويتم التحايل على ذلك بالتلاعب في سن الفتاة حتى يبدو زواج القاصرات قانونيا، وأحيانا تكون الفتاة قد أنجبت طفلين أو ثلاثة قبل بلوغ تلك السن، ونادرا ما يعاقب رب الأسرة أو الزوج على ذلك.
مشكلة بعض الأسر في الأحياء الشعبية والمناطق الريفية، أنها تنظر إلى زيادة عدد الأبناء على أنه “رزق”، وأن كثرة الأبناء سوف تضاعف دخل الأسرة من خلال دفعهم إلى العمل وجني المال، وهذه ثقافة يصعب تغييرها بسهولة.
علاوة على أن برامج تنظيم الأسرة التي ترعاها وزارة الصحة لم تقنع إلى الآن سوى 50 بالمئة من الأسر بالمشاركة فيها والاستجابة لها، حتى وإن كان يتم تقديم تلك البرامج بالمجان في الوحدات الصحية المنتشرة في ربوع الجمهورية.
أرجعت سامية منصور أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس بالقاهرة ذلك إلى أن هناك اعتقادا لدى الملايين من الأسر المصرية بأن تنظيم الأسرة بالحد من الإنجاب “حرام شرعا”، وهذه الثقافة يتم غرسها في الأبناء والأحفاد وتستمر في عائلات بأكملها دون تغيير.
وقالت إن فرض العقوبات “لن يجدي نفعا” لأن العقوبات لا يمكن أن تغير الثقافات ما لم يتم توحيد الجهود لذلك من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية النشطة في مجال المرأة.
وأضافت أن القانون لا يمكن أن يحل المشكلة بدليل استمرار الزواج المبكر برغم وجود تشريع بعقوبات مشددة، ومن هنا تظل التوعية هي السلاح الأقوى والرابح في معركة الدولة مع هذه الأزمة لأن الأميين لا يعترفون بالقانون، وهؤلاء هم السبب الأكبر للأزمة. وأوضحت منصور أن أكثرية الأسر الريفية التي تنجب سبعة وثمانية أطفال لا يعنيها اقتصاد الدولة أصلا، حيث أن لها اقتصادا خاصا بها، وتلجأ إلى “العِزوة” (مصطلح مصري يعني كثرة الأبناء) في زراعة الأراضي والاستفادة من المحاصيل في توفير معظم سلعها الغذائية، بعكس سكان المناطق الحضرية الذين تستورد لهم الحكومة كل شيء.
نواب داخل البرلمان اقترحوا إلغاء الدعم الحكومي المقدم للأسر الفقيرة في حال عدم الاستجابة لتنظيم النسل كوسيلة ضغط عليها نظرا لحاجتها إلى هذا الدعم لمواجهة ارتفاع الأسعار.
إلا أن العقبة الأهم أمام إمكانية نجاح فرض العقوبات على الأسر الرافضة لخفض عدد المواليد هي الفكر المتجمد لبعض المؤسسات الدينية، لا سيما وأن دار الإفتاء لديها موقف ثابت من هذه القضية بأن تحديد النسل “حرام”، كما أن هناك تيارات دينية تدعم كثرة الإنجاب وتروّج له دينيا وفي مقدمتها السلفيون.
وأشار متابعون إلى أنه حتى وإن كان للشيخ أحمد الطيب إمام الأزهر رأي مغاير لموقف دار الإفتاء، (بتأكيده خلال مناسبة سابقة طرح فيها السيسي نفس القضية في فبراير 2015 أن تنظيم العملية الإنجابية حلال)، فإن الظاهر للمجتمع أن هناك انقساما دينيا حول القضية ما قد يدفع أفراده إلى الاستمرار على نفس النهج.
وفي تقرير سابق لها أرجعت منظمة الصحة العالمية عزوف شريحة كبيرة من سكان مصر عن استخدام وسائل منع الحمل واتباع برامج تنظيم الأسرة في تحديد النسل إلى أسباب ثقافية ودينية.
وشددت آمنة نصير أستاذة العقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر على أن “التوعية الدينية هي السبيل للتأثير على الفئات المهمشة والفقيرة في قضية تنظيم النسل لأن التأثير الديني عندهم شيء أساسي، ومهما تحدث مسؤولون حكوميون أو رجال إعلام عن القضية دون سماع البسطاء لرأي ديني واضح وصريح فلن تكون هناك جدوى من كل ذلك”.
وأوضحت أنه آن الأوان لتتوحد المؤسسات الدينية على رأي واحد في هذه المسألة، مع التفرقة بين تنظيم النسل وتحديد النسل، فالأول حلال والثاني غير مستحب.