يحاول الإنسان دائما قبول التحدي عندما تكون ظروفه مواتية لذلك، ويمتلك القدرة على تحقيقه والتعايش معه، بعد دراسة أبعاده وعواقبه، لكن أن يصل التحدي لدرجة اختراق امرأة مهنة لم يقربها إلا الرجال ذوو القوة والشدة والقدرة على التحمل، فذلك بالتأكيد من أقوى أنواع التحديات.. وهو ما نجحت فيه سيدة مصرية فعلت ما لا يقدر عليه أشد الرجال.
فريال خليل العدوي، أو الحاجة فريال كما يسميها الكثيرون، أول “سائقة نقل ثقيل” في مصر، وتحمل رخصة مهنية من الدرجة الأولى منذ 40 عاما، وهي الرخصة التي تتيح لحاملها قيادة أصعب السيارات في أشد الظروف قسوة.
قالت “أعمل 24 ساعة يوميا، وليست عندي مواعيد ثابتة للراحة، واخترت تلك المهنة الصعبة لأثبت أن المرأة لا تقل عن الرجل في شيء، وقادرة على القيام بنفس الأعمال، بل وأكثر، دون أن تصبح مادة للسخرية”.
وتابعت “كان السائقون الرجال يسخرون منّي عندما بدأت بقيادة سيارة أجرة ماركة ‘بيجو’، بين المحافظات، فقررت تعلم قيادة النقل الثقيل كي يكفوا عن السخرية مِنّي”.
وأضافت أن عملها كسائقة نقل يجبرها على التواجد بالسيارة طوال ساعات النهار والليل ولعدة أيام متواصلة، دون راحة على الطريق، وتأخذ قسطها من النوم بشكل متقطع حينما تسمح الظروف، لأن عمل سائق النقل الثقيل يكون في الليل أكثر من النهار.
رحلة عملها تبدأ بالتوجه لميناء نقل البضائع، لتحميل البضائع المراد نقلها، ثم تنتظر حتى موعد السماح لسيارات النقل بالسير على الطرق السريعة، للانتقال بين المدن المختلفة في المساء، وتستمر الرحلة حتى تنقل الشحنة إلى مقر المخزن أو الشركة التي ستوضع بها.
سرعة سير سيارة النقل تتحدد حسب الحمولة، فإذا كانت حمولة ثقيلة تضطر العدوي للسير بسرعة بسيطة، لضمان سلامتها هي والسيارة، وعدم اختلال توازن السيارة نتيجة الحمولة مع السرعة الزائدة.
جميع المشكلات التي واجهتها هذه السيدة لم تكسبها إلا المزيد من القوة والصلابة، وكانت أصعب المواقف التي تعرضت لها، حين تعطلت سيارتها على الطريق السريعة، في قلب الليل، ثم ظهور عصابة قُطّاع طرق حاولوا سرقتها والاعتداء عليها، إلا أنها استكملت تحديها في هذا العالم الصعب وأمسكت بمفتاح معدني وواجهتهم بكل شجاعة، وقالت “كنت إما قاتلة وإما مقتولة.. وكان يجب أن أدافع عن نفسي باستماتة”.
صعوبة عمل العدوي لا تتوقف عند هذا الحد، بل إنها يكون مطلوبا منها في البعض من الأحيان نقل بضائع بسيارة النقل من داخل مصر إلى دولة أخرى، وتضطر لأن يكون الذهاب والإياب متتاليين دون فاصل زمني.
ليس هذا فحسب، بل إنها قادرة أيضا على إصلاح السيارة حال تعطلها لسبب أو لآخر، باستخدام معداتها وتستطيع تغيير إطار السيارة دون مساعدة من أحد الفنيين، ولكن عندما يزيد العطل عن ذلك، فإنها تتجه إلى الحداد أو ميكانيكي السيارات.
يقول عنها المحيطون بها إنها “سيدة بمئة رجل”، وتعتبر ذلك تكريما عظيما ومكافأة ربانية لها، لتحملها مشقة أكثر من الرجال في الكثير من الأحيان، ولم يدعوها “الحاجّة” لمجرد التكريم، بل ذهبت بالفعل إلى مكة المكرّمة وأدت فريضة الحج، وأيضا مناسك العُمرة عدة مرات.
وقد عاشت طفولتها في القاهرة بعد انتقالها من محافظة الشرقية (شمال القاهرة)، للعيش مع خالتها وهي في سن الثالثة، وواصلت دراستها المدرسية حتى الصف الرابع الابتدائي، ثم أصيبت بحمى أقعدتها عن الدراسة.
وهي في الثانية عشرة، تزوجت من شاب عشريني وأثمرت هذه الزيجة ميلاد ابنها خالد، الذي قررت خوض رحلتها في الكفاح لتلبية متطلباته، دون الحاجة لمساعدة من أحد، وكانت حينئذ في السابعة عشرة من عمرها.
تعلمت قيادة السيارات بمدرسة المرور بالقاهرة، إلى جانب أساسيات القيادة والميكانيك، واستخرجت أول رخصة في حياتها من النوع المهني (رخصة الدرجة الثالثة).
وأكدت أنه لا يوجد شيء في الحياة يجعل الإنسان يغير من هويته، ودخولها إلى هذه المهنة لم يطغ على أنوثتها كامرأة، كما لم تمنعها تلك الأنوثة من العمل بكامل طاقتها وتركيزها، كي تضمن النجاح في هذا المجال الصعب.