أشار متخصصون في سيكولوجية الطفل إلى أن هناك الكثير من السلبيات التي قد تنتج عن مكافأة الطفل الدائمة بالمال والتي تتمثل في إنشاء طفل استغلالي متطلب دائما يصعب إرضاؤه بأيّ شيء، ومن بينها حب الطفل للحصول على مقابل على أعماله وهو ما يولّد لديه حب “الأنا”، واستسهال المقايضة في تحقيق الرغبات، والتي تكبر عند الطفل وتتنامى عبر السنوات، كما يُصاب الطفل بالعناد والتسلط في الرأي من أجل تحقيق ما يريده.
وأكدت دراسة أميركية أن إفراط الآباء والأمهات في مكافأة الطفل بالهدايا له تأثير سلبي على مراحل نموه النفسي، وهذا ما يجعله أكثر تمسكا بالأموال والممتلكات، ويكبر وهو غير مهتم بالجانب الأسرى والعاطفي ولا يقدم على مساعدة الآخرين قبل تأكده من الحصول على الثمن أو المكافأة.
ونبهت الدراسة إلى أن هذه الإجراءات يمكن أن تؤثر سلبا على نمو الأطفال وتدفعهم نحو المادية والنفعية مع الآخرين عند وصولهم مرحلة البلوغ.
وقالت الدراسة إن الأطفال الذين كوفئوا بالهدايا كانوا الأكثر عرضة للتفكير في ممتلكاتهم التي تحدد مكانتهم وقيمتهم من وجهة نظهرهم.
وأنجز الدراسة باحثون بقيادة مارشا ريتشنز بجامعة “ميسوزوي” الأميركية بالتعاون مع نجوين لان شابلن بجامعة “ألينوى” فى شيكاغو، وتوصلت إلى أن استخدام الممتلكات المادية للتعبير عن الحب أو مكافأة الأطفال عن إنجازاتهم، يمكن أن يأتى بنتائج عكسية.
وأفاد الباحثون أنه رغم ما يبذله الآباء من جهود لتوجيه أبنائهم نحو السلوكيات الفاضلة والابتعاد عن النفعية والمادية إلا أن الطرق الخاطئة للتعبير عن محبتهم تدفع أبناءهم -دون قصد- نحو المادية المرفوضة.
وحلل المشرفون على الدراسة التأثير طويل الأمد لمشاعر الأبوة والأمومة المادية على أكثر من 700 طفل وبالغ، وأظهرت النتائج أن البالغين الذين تلقّوا المزيد من المكافآت المادية والعقوبات الأقل كانوا أكثر ميلا من غيرهم لاستخدام ممتلكاتهم لتحديد مشاعرهم والتعبير عنها، كما لوحظ أن الكبار الذين حصلوا على العديد من الجوائز المادية من المرجح أن يستمروا في مكافأة أنفسهم بسلع مادية.
وشدد الباحثون على ضرورة أن يتوخى الآباء والأمهات الحذر بشأن استخدام الأشياء المادية للتعبير عن حبهم ومكافأة أطفالهم لحسن السير والسلوك، حيث ثبت أن التركيز المفرط على الممتلكات المادية خلال مرحلة الطفولة يمكن أن تكون له آثار سلبية طويلة الأمد.
وأشار علماء نفس إلى أن الطفل مع التقدم في السن والدخول في مرحلة أخرى لا يشعر بأهمية الجهد المبذول لتحقيق هدف معين فيفقد الإحساس بالمسؤولية، ولا يكون للمكافأة بهجتها وفرحتها كما كانت في وقت سابق بل إنه يفقد قيمتها.
ويظهر تحول الطفل إلى شخص ابتزازي ودائما ما يطلب خدمات مقابل أي شيء يقوم به، وفرض طلباته على الوالدين بالشروط التي يريدها، والتصنع في الحزن ليحصل على رغباته التي يربطها بمكافأة، ويتعمد القيام بالتصرفات السلبية عند رفض الوالدين طلبه ويكون ذلك بمثابة العقاب لهما.
وقد كشفت دراسات تربوية أجريت مؤخرا أن مكافأة الطفل عن طريق المال يحول الأسلوب التربوي إلى رشوة، ويبدأ الطفل في ابتزاز والديه في حالة طلب منه العدول عن سلوك ما، خاصة أن الطفل قادر على التحايل على الأهل للحصول على ما يريده.
في المقابل فإن معاقبة الطفل بالمال ينتج عنها انحراف سلوكي ويبدأ في البحث عن مصادر أخرى للمال، سواء من خارج المنزل أو داخله، وهو ما يدفعه إلى السرقة في بعض الأحيان أو اللجوء إلى أسلوب الاقتراض والسّلف من الأصدقاء، وتعتبر هذه من أسهل الطرق للحصول على المال، دون أن يعرف أن الدين من شأنه أن يهين صاحبه، ويقلل من هيبته في علاقاته مع الآخرين.
وشدد خبراء التربية على ضرورة التنويع في وسائل وطرق العقاب والثواب، وأن تكون تارة بالمديح وتارة أخرى بهدية صغيرة، وألا تكون دوما في صورة مال أو هدايا ثمينة.
من جانبه، أشار جمال شفيق رئيس قسم الدراسات النفسية للأطفال بجامعة عين شمس المصرية إلى أن تربية الطفل لها العديد من الأساسيات التي يجب اتّباعها من قبل الوالدين، والتي تتطلب مجموعة من التعزيزات الإيجابية والسلبية الذاتية من خلال المكافأة والعقاب، وهما من أهم وسائل التربية لتحفيز الطفل على العمل الجيد والبعد عن الخطأ.
ونبه إلى أن الكثير من الآباء يقعون في أخطاء المكافأة من خلال ربطها بالمال، لأن المختصين يرون أن هذا الأسلوب من شأنه أن يدفع الأطفال إلى الانحراف السلوكي، وقد يحوّل هذا التمشّي التربوي مكافأة الطفل إلى مقايضات ومساومة وابتزاز تجاه والديه، فلا ينفذ أيّ طلب أو أمر إلا بعد حصوله على مقابل ماديّ، وفي المقابل لا يمكن عقاب الطفل بمنع المال عنه، لأن ذلك من شأنه أيضا أن يؤدي إلى نتائج سلبية.
وأكد أن استخدام المال كأسلوب للتفاوض مع الطفل هو أمر خاطئ من الناحية التربوية لأن هناك مهام ضرورية يجب أن يقوم بها دون مكافأة مثل الصلاة والذهاب إلى المدرسة والقيام بواجباته، فهي مهام أساسية لبناء مستقبله فيمكن تحفيزها عن طريق التشجيع المعنوي وليس المادي لأن ارتباطها بالمال هو أمر خاطئ. ولفت شفيق إلى أن الطفل يجب أن ينفّذ أوامر والديه بنوع من الحبّ والقناعة منه، وليس من أجل الحصول على المال لأن هذا السلوك من شأنه أن يستمر معه مدى الحياة، لذلك لا بد من التنويع في المكافأة.
وهناك العديد من الطرق التي تعتبر بمثابة المكافأة الخفية التي تدعم الطفل من خلال استخدام كلمات المديح والاحتضان والإشادة به وسط الآخرين، فتلك الأمور على الرغم من بساطتها إلا أنها تؤثر بشكل إيجابي في نفسية الطفل وتشعره بالأمان وبأهمية ما قام به، ويمكن استخدام المكافأة المادية في المرحلة الأخيرة وعلى فترات متباعدة على ألا يعتاد الطفل عليها.
وعن مصروف الطفل وتأثيره عليه، توضح عبلة إبراهيم أستاذة التربية بجامعة عين شمس أن المصروف الشخصي يمكن استخدامه كوسيلة تربوية بشرط أن يتناسب ذلك مع العمر الزمني للطفل والوضع المادي للأسرة، حيث يتعلم الطفل كيف يمكن أن يكون له دخل خاص به يشتري به ما يريد.
وأفادت أن أفضل عمر لإعطاء الطفل مصروفا خاصا به هو عمر الروضة، حيث يستطيع الأبوان تحديد قيمة المصروف وفقا لأسعار الأشياء التي يريد شراءها والتي تتناسب مع عمره، ويمكن زيادة المصروف سنويا أو بالانتقال إلى مرحلة عمرية أخرى.
وقالت إبراهيم إن حرمان الطفل من المصروف يعد من أنواع العقاب، وهو أمر خاطئ يتبعه الكثير من الآباء، ولا يجب أن تلجأ الأسرة له لأنه نوع من القهر للطفل، لكن يمكن أن يتمثل العقاب في حرمانه من شيء آخر يحبه أو من التنزه.