العزاء والعزوة والعَزْوُ كلها من الجذر الثلاثي ( عزي//ع ز ي) ولنقرأها بلغة الجذور فنلاحظ :
العَزَاءُ: الصَّبْرُ عن كل ما فَقَدْت، وقيل: حُسْنُه، عَزِي يَعْزى عَزَاءً، ممدود، فهو عَــزٍ.
ويقال: إنه لعَزِيٌّ صَبُورٌ إذا كان حَسَنَ العَزَاء على المَصائِب.
وعَزَّاه تَعْزِيةً، على الحذف والعِوَض، فتَعَزَّى؛ قال سيبويه: لا يجوز غيرُ ذلك. قال أَبو زيد: الإتمامُ أَكثر في لِسان العرب، يعني التفعيل من هذا النحو، وإنما ذكَرْت هذا ليُعْلَمَ طريقُ القِياس فيه .
وتقول: عَزَّيتُ فلاناً أُعَزِّيه تَعْزِيَةً أَي أَسَّيْته وضَرَبْت له الأُسى، وأَمَرْتُه بالعَزَاء فتَعَزَّى تَعَزِّياً أَي تَصَبَّرَ تَصَبُّراً *.
وتَعازى القومُ: عَزَّى بعضهم بعضاً؛ عن ابن جني.
والتَّعْزُوَةُ: العَزاءُ؛ حكاه ابن جني عن أَبي زيد، اسم لا مصدرٌ لأَن تَفْعُلَة ليستْ من أَبْنِية المصادر، والواو ههنا ياءٌ، وإنما انقلبت للضَّمَّة قبلَها كما قالوا الفُتُوّة.
وقال الفيروزابادي ( وكأنّه يلخّص ما يقوله ابن منظور):
العَزَاءُ: الصَّبْرُ، أَوْحُسْنُهُ،
كالتَّعْزُوَةِ. عَزِيَ، كَرَضِيَ، عَزَاءً، فَهْوَ عَزٍ، وعَزَّاهُ تَعْزِيَةً.
وتَعَازَوْا: عَزَّى بَعْضُهُمْ بَعْضاً.
وعَزاهُ يَعْزِيهِ، كيَعْزُوهُ.
والاعْتِزاءُ: الادِّعاءُ، والشِعارُ في الحَرْبِ.
ويَعْزَى ما كان كذا، كَقَوْلِكَ: لَعَمْرِي لَقَدْ كانَ كَذا.
أما العزوة من العزاء ، فيقول المعجميون :
والعَزَاءُ والعِزْوَة: اسم لدَعْوَى المُسْتَغِيثِ، وهو أَن يقول: يا لَفُلانٍ، أَو يا لَلأَنصار، أَو يا لَلْمُهاجرينَ قال الراعي: فَلَمَّا الْتَقَتْ فُرْسانُنا ورجالُهم، دَعَوْا: يا لَكَعْبٍ واعْتَزَيْنا لعامِرِ وقول بشرِ بن أَبي خازِمٍ: نَعْلُو القَوانِسَ بالسيُّوف ونَعْتَزِي، والخَيلُ مُشْعَرَة النُّحورِ من الدَّمِ وفي الحديث: مَن لمْ يَتَعَزَّ بعزَاءِ الله فليس منّا أَي مَن لم يَدْعُ بدَعْوَى الإسلامِ فيقولَ:يا لله أَو يا لَلإسلامِ أَو يا لَلْمُسْلِمِينَ وفي حديث عمر، رضي الله عنه، أَنه قال: يا للهِ لِلْمُسْلِمِينَ قال الأَزهري: له وَجْهان: أَحدهما أَنّ لا يَتَعَزَّى بعَزاء الجاهِليَّة ودَعْوَى القَبائل، ولكن يقول يا لَلْمُسْلِمِينَ فتكون دَعْوَة المُسْلِمِينَ واحدةً غيرَ مَنْهِيٍّ عنها، والوجه الثاني أَن مَعْنى التَّعَزِّي في هذا الحديث التَّأَسِّي والصَّبرُ، فإذا أَصاب المُسْلِمَ مصيبةٌ تَفْجَعُه قال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، كما أَمَره الله ، ومَعنى قوله بعَزَاءِ الله أَي بتَعْزِيَةِ الله إيّاه؛ فأَقام الاسمَ مُقامَ المَصْدرِ الحقيقي، وهو التَّعْزية، مِنْ عَزَّيْتُ كما يقال أَعْطَيْته عَطاءً ومعناه أَعْطَيته إعطاءً.
وفي الحديث: سَيَكون للْعَرَبِ دَعْوَى قَبائِلَ، فإذا كان كذلك، فالسَّيفَ السَّيفَ حتى يَقُولوا يا لَلْمُسلمين وقال الليث: الاعْتِزاءُ الاتّصالُ في الدَّعوَى إذا كانت حربٌ فكلُّ مَنِ ادَّعى في شعارِهِ أَنا فلانٌ ابنُ فُلانٍ أَو فلانٌ الفُلانيُّ فقدِ اعْتَزَى إليه.
والعِزَةُ: عُصْبَة من الناس، والجمع عِزُونَ. الأصمعي: يقال في الدارِ عِزُونَ أَي أَصنافٌ من النَّاسِ.
والعِزَة: الجماعةُ والفِرْقَةُ من الناسِ، والهاءُ عِوَضٌ من الياء، والجَمع عِزًى على فِعَل وعِزُون، وعُزون أَيضاً بالضم، ولم يقولوا عِزات كما قالوا ثُبات؛ وأَنشد ابن بري للكميت:ونحنُ، وجَنْدَلٌ باغٍ، تَرَكْنا كَتائبَ جَنْدَلٍ شَتىً عِزِينا وقوله تعالى: عن اليَميِن وعن الشِّمالِ عِزِينَ؛ معنى عِزين حِلَقاً حِلَقاً وجَماعةً جماعةً، وعِزُونَ: جَمْعِ عِزَةٍ فكانوا عن يَمِينِه وعن شِماله جماعاتٍ في تَفْرِقَة.
وقال الليث: العِزَةُ عُصْبَة من الناس فَوْقَ الحَلْقَة ونُقَصانُها واو.
وفي الحديث: ما لي أَراكم عِزِينَ؟ قالوا: هي الحَلْقَة المُجْتَمِعَة من الناس كأَنَّ كلَّ جماعةٍ اعْتِزَاؤها أَي انْتِسابُها واحِدٌ، وأَصلها عِزْوَة، فحذفت الواو وجُمِعَت جمعَ السلامَةِ على غَيْر قياسٍ كثُبِين وبُرِينَ في جمع ثُبَةٍ وبُرَةٍ.
والعزو في لغة العرب الانتساب والنسبة .
يقولون: عزوت القول الى صاحبه ، أي نسبته لقائله ، وأسندته اليه ، وفي البادية اليوم ومنذ القديم لا يزالون يستخدمون تعبير (العزوة) في إشارة الى قبيلة الرجل ورهطه وعصبته .
والسؤال الآن ماهو القاسم المشترك لهذه التعابير اللغوية الثلاثة:
عزاء وتعزية
العزوة
العزو ؟؟؟
الجواب : لو استقرأت المعاني الجذورية للتعابير الثلاثة المعنية للاحظت :
التعزية والعزاء هي التصبير ، والتصبّر عند القوم قوة وشدّة .
العزوة هم رهط الرجل وقومه وعصبته وهم أيضا مصدر قوّتـــه .
العزو : نسبة الرجل الى أهله أو نسبة القول والفعل إلى فاعله وقائله، هو أيضا قوة ، فالقول غير المنسوب عند العرب ضعيف ويصبح قويّاً إذا نُسِب .
لذلك يقال عن أمة العرب أنها أمة اسناد ، والإسناد من الدين كما قال سيدنا عمر .
عزوت القول الى صاحبه ، أي أسندته إليه ونسبته ، فاكتسب القوة بهذا العزو ، والإسناد في اللغة هو الرفع وهو أيضاً قوّة وشدة، ضد الخفض والضعف .
وهكذا قرأنا في لغة الجذور (ع ز ا // ع ز ى) القوّة والشدة والتمكين متمثّلةً في المفردات العربية : التعزية – العزو - العزوة .
هذا والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
· *التعزية واجب إسلامي وردت فيه آثار صحاح تبيّن قيمته وتحضُّ عليه ، منها:
- مامن مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة
- قوله لرسول إحدى بناته وقد مات ابنٌ لها : مرها فلتصبر ولتحتسب.
- حديث قرة بن إياس في سنن النسائي ومسند أحمد ، أنّ رجلا امتنع عن حضور حلقته لموت ابنٍ له فقال له :
(أتحب أن تُمتع به بقية عمرك أو لا تأتي الى بابٍ من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك يفتحه لك؟؟ قال : ألي خاصّــة أم لكلنـــــا ؟؟ فقال : بل لكلكم ).