سلطت دراسة حديثة حول المساواة بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من منظور الرجال، الضوء على حياة الرجال ـالأبناء والأزواج والآباءـ في المنزل والعمل، وفي الحياة العامة والخاصة، وذلك لتعزيز فهم رؤيتهم لوضعهم باعتبارهم رجالا، وفهم مواقفهم إزاء المساواة.
أنجزت الدراسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ومركز أبعاد للدراسات والبحوث، ومنظمة “بروموندو” المعنية بنشر مفاهيم المساواة، ومركز الوصل بين البحوث والتنمية، كما تضمنت وجهات نظر النساء أنفسهن، للبحث في حياتهن الخاصة ونظرتهن لواقعهن وسبل العمل على تحسينه.
وشملت الدراسة حوالي 10 آلاف شخص تتراوح أعمارهم ما بين 18 و59 سنة، من أربع دول هي: مصر والمغرب ولبنان (بمن فيهم لاجئون سوريون) وفلسطين.
وأفادت النتائج أن 1 من كل 4 رجال في المنطقة العربية يؤيد المساواة بين الذكور والإناث في بعض المجالات، وأن الغالبية مازالت تعتقد أن دور المرأة الرئيسي هو المنزل.
كما توصلت إلى أن الشباب الذكور الأصغر سنا يتبنون في ما يبدو آراء محافظة مثل آبائهم. وأشارت إلى أن ما بين 20 إلى 50 بالمئة من الرجال في الدول الأربع قالوا إنهم يخجلون من مواجهة أسرهم بسبب البطالة أو قلة المال، كما أنهم يواجهون ضغوطا هائلة في إعالة الأسرة، لا سيما في مناطق النزاع.
وذكرت المشرفة على الدراسة شيرين الفقي “ثمة اعتقاد عن المنطقة العربية بأن المجتمع الذكوري هو السائد بصورة واضحة، وأن هذا أمر رائع بالنسبة إلى الرجال”.
وأضافت الفقي في تصريح لـ”بي بي سي” “لكن سلطة الرجال هذه صالحة بين أقلية محدودة على رأس ذلك الهرم، أما بالنسبة إلى باقي الهرم، يشعر الكثير من النساء وكذلك الكثير من الرجال بأن الحياة قاسية للغاية”. كما أشارت إلى أن النتائج أظهرت استعداد الرجال للقبول بعمل المرأة طالما بقي الرجل معيل الأسرة.
ولم تخف تعجبها من دعم النساء المشاركات في الدراسة لبعض الأفكار التقليدية بشأن أدوار الذكور والإناث، مشيرة إلى أن أكثر من 70 بالمئة من النساء، على سبيل المثال، قلن إنهن يطالبن بحقهن في العمل، لكن الغالبية منهن اتفقن كذلك على أنه إذا كانت فرص العمل قليلة فإن الأولوية يجب أن تكون للرجال.
وتوقع أغلب الرجال الذين وصلت نسبتهم إلى 90 بالمئة في بعض المناطق مصادرة حريات زوجاتهم، بداية من الملبس وحتى عدد مرات ممارسة الجنس، حسبما جاء في الدراسة.
ويعتقد حوالي نصف الرجال أن النساء المتزوجات يجب أن تكون لهن نفس الحقوق في العمل مثل الرجل. وفي الوقت ذاته، قالت غالبية المستطلعة آراؤهم في الدول الأربع إنهم سيقبلون أن يكون مديرهم في العمل امرأة.
وعبر الرجال عن استعدادهم للقبول بعمل المرأة طالما بقوا هم معيلي الأسرة وظلت المرأة هي المسؤولة الرئيسية عن رعاية الأسرة في البيت.
وأظهر أكثر من 4 آلاف و830 مشاركا تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 59 عاما دعما لبعض أبعاد المساواة بين الذكور والإناث. واتفق هؤلاء الرجال على ضرورة سن قوانين لحماية حقوق المرأة ودعم توليها مناصب قيادية، لكنهم قالوا إن عليها قضاء وقت أكثر في رعاية أطفالها.
وتوصلت الدراسة إلى أنه رغم هيمنة المواقف التقليدية على قضية المساواة بين الجنسين، إلا أن ما لا يقل عن 25 بالمئة من الرجال أو أكثر يتبنون وجهات نظر أكثر انفتاحا ومساواة، تنطوي على تأييد مساواة المرأة بالرجل في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وإنه من بين العوامل التي تؤثر على تأييد الرجال للمساواة بين الجنسين التاريخ الشخصي وتأثير الأسرة وظروف الحياة.
وعلى الرغم من إبداء الشابات وجهات نظر حول المساواة أكثر إنصافا من تلك التي يتبناها الجيل الأكبر سنا، فإن الشباب لا يبدون بالضرورة وجهات نظر أكثر إنصافا من تلك التي يتبناها الرجال الأكبر سنا.
ونبهت الدراسة إلى مدى الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الرجال في حياتهم، ولا سيما صعوبة العثور على عمل بأجر جيد والاضطلاع بدورهم الذكوري التقليدي في إعالة الأسرة، في أوقات يشوبها عدم الاستقرار الاقتصادي، وتحديدا في البلدان المتضررة من الصراعات.
وجاءت آثار الصراع والبطالة من بين الأسباب الأكثر ذكرا، التي تتسبب في أعراض الاكتئاب بين الرجال أو من بين العوامل المفاقِمة لتلك الأعراض. وعبرت نسبة الرجال ما بين الثلث والنصف في الدول الأربع عن شعورهم بالخجل من مواجهة أسرهم، بسبب غياب فرص العمل أو الدخل.
وركزت الدراسة على العنف بين الأجيال لتخلُص الى أن تجارب العنف في الطفولة مرتبطة باستخدام الرجل للعنف في حياته الراشدة. فالعنف يولِّد العنف في جميع الدول الأربع. فالرجال الذين شاهدوا آباءهم يستخدمون العنف ضد أمهاتهم، والذين تعرضوا لبعض أشكال العنف بالمنزل في طفولتهم، هم أغلب من ذكروا ممارستهم للعنف ضد شريكاتهم في الحياة في علاقاتهم الراشدة.
ولكن بحسب القائمين على المشروع، فإن الطريق طويل ومتعرج يجب السير فيه قبل أن يصل معظم الرجال والعديد من النساء الى القبول الكامل للمساواة.
وفي تعليقه على نتائج الاستطلاع أوضح مدير المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية محمد الناصري قائلا “للتقرير أهمية بالغة، لكونه أداة نستعين بها في تصميم برامجنا، وممارسة الضغط، وبذل جهودنا للعمل مع الدول الأعضاء، والمجتمع المدني، والمجتمعات المحلية”.
وأضاف “رغم ما قد يبدو في النتائج من علامات لا تدعو للتفاؤل إذا ما اقتصر نظرنا على الأرقام فحسب، فإنها تؤكد على أن هناك أيضا قصصا حقيقية للمدافعين والمدافعات عن المساواة بين الجنسين، ممن يؤمنون بها إيمانًا قويا”.
وللبدء في تغيير الأعراف الاجتماعية ودعما لمواقف أكثر تقدمية؛ شددت الدراسة على ضرورة استخدام مصادر التأثير الاجتماعي عبر وسائل الإعلام، والشخصيات الدينية، والأدب والفن، واستخدام المناقشات العامة، والحملات، والقيادات السياسية المحورية وخططهم، دفعا بالرجال لدعم خطة شاملة للسياسات من أجل حقوق المرأة؛ وتغيير طرق تعليم الفتيان والفتيات حول مفهوم أن تكون رجلا وامرأة، في سن مبكرة.