يسير دوما وحيدا.. يتخذ من الجوانب البعيدة عن المارة طريقا الى مكان عمله، لم يذكر أنه قد ركب الحافلة او سار مع صديق له في يوم من الايام... يظن في قرارة نفسه يجيد تطبيق مثل ( إبعد عن الشر وغني له) حتى صارت كل حياته أمثال بأمثال.. الى أن جاء اليوم الذي لم يكن يتوقعه وتغيرت الرموز التي كانت تحكم بنار وحديد... شهد ذلك من خلال صوت بمذياع تارة وتارة عبر شاشة تلفاز... لم يخرج ليشارك بأحداث جرت من نهب وسلب وتسلق جدران أو كسر خزائن بنوك او تناول ما يرنو إليه نفس بني آدم، فكل له نقطة ضعف تتمحور بعنوان رغبة في عمل ما يتمنى في وضع ماج بضرب الحابل بالنابل او بدعوة تغيير من ظلم طاغية أسود...
لم يعتد ان يرى ابعد من مدى ما ترنوه عيناه...شهد ما أمكنه من أناس كان يظنهم غير ما هم عليه، وحين جاءت الفرصة تسلق من كان جرذا او أمعة او من حسبه رجل ورع الى عفاريت وشياطين أنسية وتغيرت وجوههم، سمع منهم الكثير من الامثال والحكم، او ما يجعل من يسمعهم يظن أنه سمع ذلك.. كان يدرك أن الامثال تضرب ولا تقاس، كونه جرب التي تضرب حتى سلخت حياته جعلته يسير كالذليل بل كا النعامة التي تدفن رأسها في التراب حين فزع او خوف.. هذا بالضبط الذي حصل معه حين أطيح بالنمرود واسقاط صنمه..
استغرب كثرة المعارضين، المجاهدين، المضطهدين، السجناء السياسين منهم او المغدورين، او من وقع عليهم الجور.. حتى كونوا ما كونوا لأنفسهم من منظمات واركان سياسية وغير سياسية وهمش من هو أجدى ألا يهمش، سحق من كان لابد ان يسحق كونه المؤشر لعيوب من وقفوا خطباء بجلابيب سوداء وملونة.. غيروا من مساحات الوجوه منها من طلاها بلحى طويلة ومنهم من أزال شوارب لتغيير شكل مع حلاقة حديثة بأزياء لم يكن يحلم أن يرتدي مثلها، أضاف تشدق حديث من خلال قراءة بعض كتب او فلسفة جوفاء يعرج حين الكلام من خلال منطوقها... هكذا ساروا الى مناصب لم تكن في يوم ان يحلموا بها ان تكون... صفق الكثير ممن حوله وهم يسمعون مفردات الحرية والتعبير عن الديمقراطية، حاول من جاؤا بالتغيير ان ينظموا مصفوفاتهم تماما مثل أفلامهم بزج الديمقراطية الى شعب رام الخوف عيشا تحت سقف واحد مظلم، إن الخوف الذي زُرعَ في كل نفس استهلك الدعامات الانسانية التي يمكن ان تحمي وعائه المثقوف هلعا من زوجة وابن وبنت او جار أو مجرور الخ... هكذا بدأت سلسلة الحياة الجديدة بعناوين ممزوجة بواجهات تخفي وراءها العمالة والثبور... قد تشدك بعض العناوين لكن ( الساكت عن الحق شيطان أخرس) هكذا يقول المثل، وكوننا كلنا خرس بأقلام ملونة أو ألسنة تبحث عن السكريات من أوعية واردة جنة الحياة مغروسة ايديهم بدماء الفقراء والمساكين حاصدي أرض غيرهم ونهب ثمارتهم بعد ان نالوا الكيل وما فيه، عمد هو ومن هم على شاكلته للخروج يحدوهم أن الحياة يمكن أن تتغير لهم كما لغيرهم، هكذا ظن ولعله حين ردد المثل الذي يكون ( إن بعض الظن إثم ) كان حقيقة ملموسة فظنه ليس إثما فقط بل هو الكفر بحد ذاته... فكيف يظن أن الفرصة ستطاله هو وقد نسج على مقدرات حياته ومن مثله باسلاك من حديد فالزنازين لا زالت موجودة، لكنها تغيرت بشكل ديمقراطي ملون... اسماء جديد مثل بوكا... ولوكا وغيرها هههههه، ضحك مع نفسه حين قالها بصوت سمعته أذناه.. فهو لم يستطع قول هكذا جملة في ذلك الزمن الاسود المليء بالافاعي الخضراء الداكنة الملبس... لقد ذاق آذاها ذات مرة، لا زال قفاة وصدغه يتذكران تلك الليلة التي لولا العناية الإلهية لما بعث حيا من جديد، فقط كونه لم يشهد ان يكون خافرا في أحد منظماتهم العفنة...
هز رأسه بسرعة كأنه يدير كل ماء رأسه ليقذف بتلك الصور الى النسيان بلا رجعة... أنه إنسان عاش يلوذ بمخاوفه تماما كالنعامة فكثيرا ما طم رأسه الى داخل التراب خوفا من طارق ليل على بابه الذي بات مزلاجه صدءا من ركون دون فتح، لم تثنه الويلات عن رغبة في الولوج الى الحياة ليشم عبق الحرية، سار منتعشا غير من خط سيره لم ينزوي بعيدا بل راح يجيد الاصطدام بالآخرين، يتحدث معهم كانت فرحته عارمة مؤمنا بالمثل الذي يقول ( حشر مع الناس عيد ) شهد العديد من الصور قد تغيرت أزيح ذلك الهم الكبير بل الجيثوم من على الصدور الهشة، استغرب أكثر من تعدد الصور واختلاف الوجوه التي لم يستوعبها عقله.. حيث كانت هناك زوايا مختلفة للصورة ورؤية استبداد واحدة، غرضها التسلط والقهر والقتل، أما الآن فقد جاءت مختلفة متعددة الزوايا والالوان، كل منها تحمل نفس الرؤى ولكن بديباجة ديقراطية علمانية او ليبرالية أو اسلامية... بيد أن النتيجة والطامة الكبرى زادت وذلك مثل المثل القائل ( زادت من الطين بلة ) فقد تاهت العقول بين كتل وتيارات واحزاب علمانية، ليبرالية منفتحة، اسلامية منغلقة وبعضها معتدلة وغيرها إباحية الرؤى ومنها ظلامية الهوى حتى تاه الشعب، بدا كالمثل الذي يقول ( أطرش في الزفة ) .. وكونه كذلك رضخ للواقع عاش عيشة كسيفة أكسف من التي قبلها، بات الكثير من الناس يروم الموت خلاصا، بعد ان دب ناقوس الفرقة والهلاك بمسمى الارهاب والطائفية، عناوين جديدة بمثل جديد ( فإن لم تكن معي فأنت ضدي ) حتى كثر اللغط في كل مكان، صار المواطن مثل الفقاعة لا يعرف متى ينفقع؟؟ او متى ينفخ؟؟... صار يلهو بالجديد من الوسائل الترفيهية بعد ان أدخلت المصفوفات بشكلها التكنلوجي والانفتاح الكلي المفاجيء بأحدث التقنيات.. إلا أن سحقت كل البنى التحتية للانسان من داخله، فبات أتكاليا، نسي كل مقومات الحياة فهو يسير مع المثل الذي يقول ( السهل الممتنع ) او تطبيقا للمثل ( أنا ومن بعدي الطوفان ) لا يعير اهمية من يدفع ثمن هذا السهل الممتنع، وإن كان ضميره أو عشير من أهل او وطن يباع او عرض يساق الى عبودية ورق، فالتجربة العراقية جديدة شبيهة بفيلم عادل إمام صاحب التجربة الدانماركية... الغريب المباشر يأتي ومعه لاشك كل انواع المباحة كونه من بيئة تجاوزت الممنوعات وارتقت بالانسانية.. إلا اننا تشبثنا بالممنوع المرغوب وتركنا الرقي بما لديهم إنسانيا..
فاض كاهلة مما رآه لم يستوعب عبء الصور في قارورة رأسه، حاول بلع مجريات التغيير إلا أنه غص بها، تقيأ ما بلع، رجع الى وعيه فوجد نفسه مهمشا كونه لا يحب الرتم السريع او لا يتلائم مع مناسبات حزينة، لفلف نفس مخاوفه التي كانت معه صرة حملها على رأسه، خرج بعيدا الى ساحة يروم ان ينأى بها وحيدا، ليتناسى او يطرح افكاره تك التي حملها آملا ان تحقق بعض طموحاته، لكنه صدم بنفس مقاييس الجور والظلم، لم يرى أي مثل يمكنه ان يطبق على زمن أغبر من الذي سبقه.. فبات واحدا ( إن لم تكن معي فأنت ضدي ) ( الفساد دستور الساسة وحاشيته من العباد) .. عاد فأنزوى الى حافات الطريق بل أخذ يستند على الحائط منتظرا تقلب الامور فلابد سيأتي اليوم الذي يطبق فيه المثل العراقي الذي يقول( تالي الليل تسمع حس العياط) دخل الى داره وأرجع المزلاج الى مكانه.