تتالت الدعوات في السنوات الأخيرة على مستوى العالم إلى إلغاء مقاس الصفر بالنسبة إلى عارضات الأزياء اللاتي تؤثر رشاقتهن على أغلبية النساء حول العالم وخاصة صغيرات السن، وهو المقاس الذي بدأت دور الأزياء اعتماده منذ سنوات في عروض أزيائها ويتطلب أن تنحصر أوزان العارضات في حدود متدنية للغاية، مما يؤثر على صحتهن النفسية والجسدية.
وتسعى العديد من الدول الأوروبية إلى سن قوانين صارمة تمنع ظهور الفتيات شديدات النحافة في عروض الأزياء وإعلانات منتجات التجميل، في محاولة للحد من ظاهرة النحافة الشديدة والتي بدأت تتفشى خاصة بين المراهقات.
وفي فرنسا دخل قانون يحظر تشغيل عارضات الأزياء شديدات النحافة إلى حدٍّ يؤثر على الصحة حيز التنفيذ. وبموجب هذا القانون الجديد لا بد أن تحصل عارضات الأزياء على شهادة طبية تؤكد أنهن يتمتعن بحالة صحية جيدة، بما في ذلك الاطمئنان على مؤشر كتلة الجسم، وهي نسبة الطول إلى الوزن.
وتوصلت دراسة حديثة هي الأولى من نوعها إلى وجود علاقة وطيدة بين النحافة الشديدة والاكتئاب.
وقالت الدراسة التي أنجزت بجامعة سول الوطنية للطب في كوريا الجنوبية، إنه على الرغم من أنّ الإصابة بالاكتئاب لدى الأشخاص مفرطي السمنة أكثر شيوعاً بين النساء من الرجال، إلا أنه في حالة النحافة تساوى الجنسان في إمكانية الإصابة بالاكتئاب. ولم تؤكد الدراسة ما إذا كانت النحافة سبباً أم عَرضاً للاكتئاب.
ونبهت الدراسة إلى أنَّ الأشخاصَ الذين يُعانون من الاكتئاب ربما يكونون أكثر عرضة لفقدان الوزن، أو أنَّ النحافة ربما تسبب الاكتئاب للأشخاص.
وأفادت النتائج التي استندت إلى معلوماتٍ حصل عليها الباحثون من 183 دراسة مختلفة، بأن السمنة المُفرطة أيضاً تزيد خطر الإصابة بالاكتئاب، ومع ذلك هناك اختلافات بين الجنسين في ذلك الأمر.
وقالت الدراسة إن المفهوم المثالي الحالي للنحافة يُؤثر على النساء أكثر من نُظرائهن الرجال، ويسبب ضيقاً نفسياً للنساء، الأمر الذي قد يُؤدي بدوره إلى الإصابة بالاكتئاب.
وأضافت “وفي المقابل، اتضح أن خطر الإصابة بالاكتئاب أقل بكثير لدى الرجال الذين يُعانون من زيادة الوزن”. مشيرة إلى أنَّ الأبحاث السابقة كشفت أن الرجال أكثر ميلاً من النساء إلى السخرية من بدانتهم، ربما لوجود ضغطٍ أكبر مستمر على النساء حتى يصبحن نحيفات. وتزيد البدانة من احتمال الإصابة بالاكتئاب، وفقاً لمقدار الوزن الزائد لكل شخص.
وشدد المشرفون على الدراسة على ضرورة انتباه مقدمي الرعاية الطبية أثناء إجراء التجارب السريرية إلى الصحة النفسية للأشخاص الذين يعانون من نقص الوزن، وبالمثل يجب خضوع النساء اللاتي يعانين من زيادة الوزن والأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة للمراقبة ولإمكانية إصابتهم بالاكتئاب.
ومن جانبها كشفت الطبيبة أنغيس أيتون، نائبة رئيس كلية اضطرابات التغذية بالجامعة الملكية للأطباء النفسيين أن “هذه الدراسة الواسعة تؤكد أنَّ التغذية المثالية غاية في الأهمية للصحة العقلية والبدنية. ويرتبط كل من نقص الوزن والسمنة المفرطة بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب”.
وذكرت أيتون أن “ما توصلت له الدراسة هو نتيجة هامة، لأنَّ الأشخاص المصابين باضطرابات الأكل يعتقدون دائماً أنَّ فقدان الوزن سيُحسِّن من إحساسهم بالسعادة. وهذه الدراسة أظهرت أنَّ العكس صحيح، وأنَّ سوء التغذية له تأثيرٌ سلبي على الحالة المزاجية. والحفاظ على وزن صحي أمر ضروري للصحة النفسية الجيدة”.
وأكدت دراسة بريطانية حديثة، نشرت في مجلة “اضطرابات الأكل”، بعد فحص تماثيل عرض ملابس النساء في مدينتين بالمملكة المتحدة أن دمى عرض ملابس السيدات في المتاجر “غير واقعية، مشيرة إلى أن من هم في نفس حجم تماثيل العرض يعتبرون غير صحيين من الناحية الطبية.
وأوضح مؤلف الدراسة إريك روبنسون قائلا “ثمة أدلة واضحة على أن النحافة المفرطة تساهم في تطوير مشاكل الصحة العقلية واضطرابات الأكل”.
وأفاد روبنسون في تصرح لـ”بي بي سي” أنه قرر أن يجري تحقيقا إضافيا بعد أن انتابته الحيرة بسبب أبعاد تماثيل عرض الأزياء التي رآها بينما كان في رحلة تسوق، مضيفا “لم نعثر على تمثال عرض لأزياء السيدات بحجم الجسم الطبيعي في صالة العرض”.
وكانت الخطة الأصلية تتمثل في الذهاب إلى المتاجر في مدينتي كوفنتري وليفربول، وقياس التماثيل جسديا. واضطر الباحثون إلى الاعتماد على تقييم حجم تماثيل العرض بصريا، لأن جل السلاسل التجارية الشهيرة لم تسمح بفحص التماثيل لديها.
وأعلنت بعض متاجر الأزياء في السنوات الأخيرة أنها بدأت في استخدام تماثيل عرض أكبر حجما، لكن عندما أجري هذا البحث سنة 2015، لم يتم رصد أي تماثيل بالحجم الأكبر.
يذكر أن بحثا من جامعة ليفربول قام بفحص حجم تماثيل عرض ملابس الذكور، ووجد أن أقل من واحد من بين كل عشرة تماثيل ستصنف على أنها أقل من الوزن الطبيعي.
وقال البحث “رغم قلة احتمال أن تكون تماثيل عرض ملابس الذكور أكثر نحافة من تماثيل عرض ملابس الإناث، وبالتالي تكون أكثر تمثيلا لما يشكل وزن الجسم العادي للذكور، فقد لوحظ أثناء جمع البيانات أن عددا من تماثيل عرض ملابس الذكور كانت غير واقعية من حيث العضلات”.
وشددت الدراسة على ضرورة إجراء فحص للتثبت إذا كانت تماثيل عرض ملابس الذكور في المتاجر تروج لحجم جسم غير واقعي. وأشار روبنسون إلى دراسة أجريت عام 1992، وتناولت حجم تماثيل عرض الأزياء خلال الفترة بين ثلاثينات وستينات القرن الماضي، استنتج الباحثون من خلالها أن “المرأة الحقيقية بحجم جسم مشابه ستكون نحيفة للغاية، إلى الدرجة التي لا تجعلها قادرة على الحيض”.
وأكد علماء نفس أن النحافة الشديدة مثل السمنة هي عدو المرأة الأول وعدو جمالها حيث تدفن نقاط الجذب الجسدية فيها ولا تبرزها، مهما تظاهرت خطوط الموضة العالمية وروجت بأن المرأة النحيفة هي الأجمل والأكثر إثارة، فيظل النحول عيبا يخفي جمال جسد المرأة ومناطق الجذب فيها.