لا أحد ينكر الدور الريادي الذي تضطلع به المرأة في المجتمع المغربي، حيث تعتبر المرأة الركيزة الأساسية والمحور الذي تدور عليه عجلة الحياة. وتعتبر المرأة " تمغارت" في المجتمع السوسي خاصة، و الأمازيغي عامة قائدة الأسرة والزعيمة، وهي التي ينتسب اليها الأبناء لدى العامية.
إن المجتمع الأمازيغي الأميسي، لم ينكر يوما فضل المرأة، ولطالما كانت فيه "تمغارت" متمتعة بحقوق موازية لتلك التي يتمتع بها الرجل، وبما أن "إيمازيغن" هي مرادف للأحرار، فقد كانت النساء أيضا حرائر، و في التاريخ شواهد على ذلك، فحين كانت بعض الشعوب تقوم بوأد البنات، و كانت أخرى تضع الأنثى في رتبة أدنى من الرجل، كان المجتمع الأمازيغي محكوما من قبل ملكات "كديهيا" التي حكمت شمال إفريقيا لمدة 35 سنة، و "تين هينان" و هي مؤسسة سلالة "التوارق" وحاكمتهم. كما حُفرت أسماء العديد من النساء الأمازيغيات في سجل التاريخ، من قبيل كنزة الأوربية، بويا، فاضمة ن سومار، عدجو موح ... و زينب تانفزاويت التي تعتبر امرأة السياسة والتدبير والتي تزوجت من أربعة ملوك امازيغيين وكان آخرهم يوسف بن تاشفين، إلى غير ذلك من النساء اللواتي غمرهن النسيان ولم يأت عليهن التاريخ الرسمي وظللن في المخيلات الشعبية أشكالا ميثولوجيه ترافق الحضور اليومي.
إن التنظيم الاجتماعي القبلي لدى الشعب الامازيغي لم يعرف ظاهرة خضوع المرأة للرجل، لان الرجل بدوره كان خاضعا لجماعة القبيلة فتمتعت النساء الامازيغيات بمجموعة من الحقوق داخل النظام القبلي، أسوة بالرجل، حيث كان عرف "تامزالت"، يعطي الحق للمرأة في أن تتمتع بنفس الحقوق المخولة للرجل في الإرث.
وقد اشتهرت المرأة الأمازيغية من خلال العديد من المصطلحات بالعفة والتضحية والشجاعة والمشاركة في شتى أمور الحياة . وهو المنصب الذي لا تزال تحتفظ به في ثقافة بعض المناطق. ويتجلى ذلك فيما تقوم به من الأعمال المنزلية وسهرها الدائم على تربية الأبناء، بالإضافة إلى دورها المحوري في مساعدة الرجل خارج البيت وفي أعمال الزراعة بالحقل عبر جميع مراحلها...
يتضح لنا جليا أن للمرأة دورا بارزا ومهما عبر كل مسارات الحياة بمختلف أوجهها وتوجهاتها. فهي ليست عنصرا ثانويا أو تكميليا بقدر ما هي الحياة ذاتها على مستوى جميع المجالات كما يراها أخوها الرجل، ما دامت تنتج وتعمل وتربي وتعلم وتساهم في جميع النشاطات الحيوية من حرث وزرع وخزف و زربية ونقش... ولم ينظر إليها الرجل هذه النظرة الحداثية حتى وجدها تقوم بنفس المهام التي يقوم بها هو. الشيء الذي لم تسول له نفسه التنكر لمهامها وأعمالها الجبارة، بل حاول الإشادة بما تقوم به وتنهى عليه لتستمر الحياة بشكل طبيعي وسليم ملؤها التضامن والتآخي والتعاون للتغلب على كل ما من شأنه أن يعرقل تحقيق الطموحات والأغراض.
وهذا العنصر الاجتماعي يحظى بمكانة مقدسة ورمزية لأنه ينبوع الحياة كما سلف القول. فالأمازيغي يرفض أن يذكر أحد اسم زوجته باسمها الخاص وبشكل سيميلوجي يقول لها ضمن الحضور (الجماعة) أبنائي " تاروانو". فهي ليست فردا عاديا، بل هي أسرة وعائلة، أي كونها هي المؤسسة لهذا المجتمع الذي لعبت دورا مهما في حياة الفرد والجماعة واعتبرها الأمازيغ السر الذي ساهم في تطوير الحياة وبناء التاريخ سواء تعلق الأمر بعملية تقسيم العمل أو تسيير الشؤون السياسية والاقتصادية، من خلال ظاهرة أسواق النساء، وممارسة الفنون الجميلة. أما على مستوى الكفاح والمقاومة فتاريخ طويل أشادت به مختلف الأشعار والروايات الشفوية لتأكيد الدور النضالي للمرأة الأمازيغية حتى لا يقال إن دورها كان محصورا في المنزل بقدر ما جاوز فضاءات أخرى منافسة للرجل الذي نظر للمرأة من زاوية إنسانية وحضارية وليس جنسية أو استغلالية، فلم يسئ إليها أبدا ولم يهنها أو يقترف في حقها ما يمكن أن يتعارض مع القيم الإنسانية، فكانت المجتمعات الأمازيغية عبر التاريخ مجتمعات أميسية، لا يسودها الفكر الرجولي الذي ينظر للمرأة باعتبارها عنصرا ناقصا.
وللارتقاء بالتحليل الفكري في موضوع المرأة سوف نستغني عن طرح السؤال على الاشخاص بصفتهم مفكرين أو منظرين لنسائل اللغة بنفسها عن رأيها ونظرتها لها. لذا سنوجه سؤالنا للغات الثلاث المتداولة ببلادنا: الفرنسية، والعربية، والامازيغية.
فإذا توجهنا للأولى الفرنسية باعتبارها لغة المستعمر ولغة الادارة نسبيا، وهي اللغة المنشودة لدى العامية فسنجد ما يلي:
ان كلمات اللغة الفرنسية كلها مصطلحات مؤنثة تدل عللى المرأة وترتبط بشكل مباشر بالأعمال المنزلية. في حين مصطلح واحد مثلا l '’ordinateur بمعنى الرجل يفكر والمرأة تنفذ في لغة مليير، وحينما ننتقل للغة العربية باعتماد القاموس اللغوي سنجد ان في الشقاق المرأة للمري، والمري هو شيء يبخس، ومصطلح النساء سيوصلنا ايضا الى مفهوم النسيان الذي يعد صفة مدمومة ملتصقة بالإنسان ومنسوبة للنساء، وهو الدليل بان العرب لا يعتمدون على شهادة النساء ولا يؤخدون بها، وهناك مصطلح جاء في نفس السياق وهو الحرمة توصلنا الى معنى الحرامي.
خلاصة القول ربما نجد ان اللغة العربية تهين وتحتقر المرأة، وذلك من خلال المعاني والكلمات التي تتداولها .
في حين نجد في اللغة الامازيغية كلمة "تمغارت" هي مؤنث أمغار، وأمغار هو الحكيم والخبير ولديه تجربة كبيرة في القبيلة ويعتمد عليه لأنه يحكم القبيلة، و إذا كان "أمغار" رتبة لا يصل إليها إلا العالم الحكيم، فإن هذه الصفة – صفة تموغرا- تلصق بالمرأة في المجتمع الأمازيغي فور ولادتها، أي تنسب إليها الحكمة ما أن تخرج من الوجود بالفعل إلى الوجود بالقوة، و هو الشيء الذي يدل عليه المثل الأمازيغي القائل "iga ullni nns tamghart "، أي أن عقله عقل امرأة. ويمكن أن تشتق كلمة تمغارت من تمغرا أي العرس وهو كل ما يدل على الفرح والسرور، أي أن الأنثى في المجتمع الأمازيغي رديف البهجة و الحبور و السعادة و كل ما هو جميل.وهذه الأعراس لدى الأمازيغ تردد فيها العروس ابيات وأشعار غنائية خلال مرور موكبها بالطريق الرابط بين أهلها وبيت الزوجية الذي تقصده. مما يدل على تحرر المرأة الأمازيغية منذ القديم .
لقد حافظت المرأة الامازيغية على الثقافة الامازيغية كأسلوب من التشبت بالحرية في إطار المحافظة على الذات والهوية، واستطاعت الحفاظ على حروف تيفناغ من خلال الوشم على اليدين والوجه، وأيضا من خلال المنسوجات المنزلية اليدوية التي تقوم بها، وقد حرصت دائما على تنشئة ابنائها تنشئة تستمد أصولها من ماهو ثقافي تراثي وأمازيغي.
لعبت المرأة الامازيغية دورا بارزا في الحفاظ على اللغة عبر الاجيال من خلال قصص الاطفال والحكايات المروية والأغاني التي ترددنها في المناسبات، بالإضافة الى استعمالها في كل ماهو يدوي كأقمشة وزخاريف ونسيج الذي يتكون من زرابي، وظلت الثقافة الامازيغية مقدسة وملتصقة بالهوية الانسانية.
إن المرأة فعلا بصمت اللغة الامازيغية عبر الاجيال ولم يكن هذا العطاء من لدن المؤسسات الحكومية في مجال التعليم، بل كان موهبة وعطاء منها، حيث علمت الناس اللغة بدون كتب ولا قراءة ولا مراجع ولا ماهو أكاديمي واحتفظت بالحروف وسلاسة اللغة.